حافظ آل بشارة
في هذه الايام تحتفل الجامعات بتخريج دورات جديدة ، كلما ظهر مشهد على الشاشة لاحد تلك الاحتفالات اثار شجون الناس بدل الفرح ، على وجوه الطلاب المتخرجين تظهر مشاعر عدم المبالاة ، اما الخريجات فكل الذي تعلمنه من هذه الرحلة الاكاديمية بنطال ضيق ومكياج غجري غليظ وضحكات بلهاء كأنها البكاء ، خطابات الاساتذة في الاحتفالات مملة وتقليدية وينشغل عنها الطلاب بلعق المرطبات ، الخريج والخريجة لا يتمتعان بشخصية متميزة لا في الثقافة العامة ولا في الاختصاص الجامعي ، كانوا ابتداء يائسين من الحصول على وظيفة ففقدوا حماسهم للدراسة وتطوير المهارات وهم يرون مصير من سبقهم ، بعضهم يرى ايام الجامعة لهوا ولعبا وزينة وتفاخرا وعلاقات عاطفية ، تفكير كارثي مخجل ، احتفال التخرج فيه الكثير من البرود والفوضى وغياب النشاط والبهجة ، من يراهم يتذكر فورا الاعمال التي يمارسها الخريجون الاقدم بعد ان وقعوا في دائرة البطالة الوطنية فهم ما بين عامل بناء وسائق تكسي ونادل في مطعم وشرطي وبائع فلافل ، الاعمال المذكورة اعلاه لا تحتاج الى خريجي كليات ، اذا كان بائع الفلافل يحمل شهادة البكالوريوس فهذا يعني ان العمل في مطعم (باجة) يتطلب شهادة ماجستير. تفاقمت بطالة الخريجين منذ التسعينات عندما تخلت الدولة عن سياسة التعيين المركزي ، يقابل ذلك عجز القطاع الخاص عن استيعابهم فهو قطاع حديث وضعيف في بلد من العالم الرابع اعتاد على الحضانة الحكومية اقتصاديا وثقافيا وامنيا واصبحت الدولة مهيمنة سياسيا بسبب هذه الامومة الشاملة ، في ظل النظام الحالي تزداد بطالة الخريجين اتساعا وخطورة لان الدولة مهووسة بالرسملة والخصخصة المبكرتين وتراهما ثمرة مباركة للديمقراطية ، انه تقزيم لدور الدولة قبل ان تتوفر البدائل اللازمة ، جميع قطاعات الحياة بحاجة الآن الى حماية الدولة ورعايتها قبل التحدث عن اجراء اي تحولات اقتصادية ، الادلجة الشكلية والانفعالية للحياة الاقتصادية ترضي البنك الدولي وصندوق النقد لكن تسهم في تعميق الازمات وخاصة بطالة الخريجين . النصف الآخر من المشكلة هو عدم وجود ثقافة المطالبة والاحتجاج لدى الضحايا ، وعدم استخدام ضغوط اعلامية او تنظيمية على الحكومة لاجبارها على التفكير بالمشكلة او على الاقل تنفيذ قانون منحة الخرجين كحل جزئي ، يفترض ان يبادر ضحايا البطالة الجامعية الى ممارسة ضغوط على الحكومة باستخدام الصيغ المشروعة مثل تنظيم التظاهرات والتجمعات والمهرجانات ، بل اكثر من ذلك مثل تشكيل جمعية نقابية ذات دور اعلامي وسياسي ، لكن يبدو ان الخريج عندنا قد يعجز حتى عن وصف مشكلته بجملة عربية سليمة فكيف سيلقي خطابا مدويا يهز ضمير الحكومة ، سألت أحدهم عن المشكلة وموقفه منها فقال : (احنة مضروبين بوري) وانتظرته ان يكمل لكنه سكت وما زال ساكتا وليس لديه جملة ثانية يقولها .
https://telegram.me/buratha