قدرنا أن نولد في بلاد تسمى بلاد " ما بين النهرين " ، وكان من المفترض أن تكون هذه البلاد رمزا للسخاء والنماء وليست رمزا للشقاء والبلاء ، ولكنها أصبحت كذلك . فهل أن قدر هذه البلاد ترسمه أيدي أبناءها أم أن يد القدر هي التي تخط على أرضها صور الظلم والقهر والحرمان .
هنا أتذكر كلمة رائعة للمرحوم الدكتور علي الوردي يقول فيها ( لقد تعودنا أن نعلق أخطاءنا على ثلاثة أشياء وهي : القضاء والقدر ، والشيطان ، والأستعمار والأمبريالية ) . وصراحة أقول ان الدكتور الوردي قد وضع يده على الجرح وأحسن الوصف . إذ ليس من المعقول أبدا أن تكون بلاد في الأرض لا تحكم شعبها وعلى مدى آلاف السنين إلا " النطيحة والمتردية " ، وإن كان هناك من شذ عن القاعدة فإن لكل قاعدة شواذ . وعلى مقولة الدكتور علي الوردي التي أؤمن بها إيمانا مطلقا أجد أن " القضاء والقدر ، والشيطان ، والأستعمار والأمبريالية " هم براء من معاناة بلاد ما بين النهرين براءة الذئب من دم يوسف . وإذا كان هناك من معترض على هذا القول فعليه أن يفسر لي سبب إبتلاء هذه البلاد بداء الظلم والقهر والأستبداد والحرمان و الفقر والجهل والخوف والهوان والجوع و " القزالقرط " من عصور الديناصورات والعصور الطباشيرية الى عصر ديمقراطية الحيتان البشرية ؟ .
ثم لماذا هذا الثلاثي الذهبي " الشيطان ، والقضاء والقدر ، والأستعمار والأمبريالية " لم يقيموا في بلاد غير هذه البلاد منذ أن خلق الله تعالى الأرض ومن عليها ، وإذا دخلوا الى بلاد أخرى فإنما يكون دخولهم إليها مؤقتا ومن باب الزيارة ليس إلا ؟ .
ثم ياترى هل أن هؤلاء الثلاثة قد وضعوا في بلادنا تحت الإقامة الجبرية منذ هبوط آدم الى الأرض وسيبقون فيها الى ماشاء الله ، ومن الذي فرض عليهم تلك الأقامة ؟ .
وهل يتحمل أهل هذه البلاد مسؤولية تعاستهم ومعاناتهم الطويلة وإلى متى ؟ .
أنا في الحقيقة لأ أملك إجابة مقنعة عن كل هذه الأسئلة ولو كنت أعرف الجواب لما تركت نفسي وتركت القاريء الكريم يطيل التفكير بحثا عن تلك الأجابة . ولكن كل ما بوسعي قوله هو أنني أقترح إستبدال إسم هذه البلاد من " بلاد ما بين النهرين " الى " بلاد ما بين القهرين " ، ولكن أخشى ما أخشاه أن تتفتق قريحة حكومتنا الموقرة بشق نهر ثالث أو قهر ثالث حتى " تكمل السبحة ويصير عدنه ( قهر القائد ) حفظه الله ورعاه " !!! .
https://telegram.me/buratha