ابراهيم احمد الغانمي
تداولت بعض وسائل الاعلام والاوساط السياسية العراقية مؤخرا تقارير عن اعداد المعتقلين خلال الشهرين الماضيين، واوردت التقارير ارقاما صدرت عن جهات قضائية تشير الى ان عدد المعتقلين خلال شهري حزيران وتموز بلغ خمسة واربعين الف شخص، ولم توضح التقارير طبيعة التهم التي كانت وراء اعتقال هذا العدد الكبير من الاشخاص.ومن الطبيعي ان تثير هذه الارقام اسئلة واستفسارات عديدة عن سلامة الاجراءات القانونية والقضائية ومدى توفر معايير العدالة فيها، واسئلة واستفسارات اخرى عن مستوى الجريمة في العراق بأشكالها المختلفة.فأذا فرضنا مثلا ان الخمسة واربعين الف الذين تم اعتقالهم بعضهم ارهابيين وبعضهم سراق ولصوص وبعضهم مزورين وبعضهم نصابين ومحتالين وبعضهم مرتكبين لجرائم اخلاقية، فهذا يشير الى ان المجتمع العراق اصبح بؤرة لكل مظاهر واشكال الجريمة الامنية والسياسية والاخلاقية والاجتماعية والمالية، وعندذاك لايمكن اقتصار الاجراءات على ملاحقة المجرمين واعتقالهم ثم اصدار الاحكام القضائية بحقهم، بل لابد من ان تعكف الجهات الحكومية العليا ومعها منظمات المجتمع المدني المتخصصة بدراسة ذلك الواقع الخطير والوقوف على اسبابه وخلفياته ووضع الخطط والمشاريع العلمية والعملية لتغييره واصلاحه، اذ لايكفي ان اقول ذلك الشخص قاتل ومجرم وذاك مزور وذاك محتال وذاك زاني والقي به في السجن او اعلقه على المشنقة، وانما المطلوب اكثر من ذلك بكثير، المطلوب عملية اصلاح اجتماعي شامل فيي حال كان البلد يعج بالمجرمين من كل الانواع والاشكال، تتمثل بالقضاء على البطالة وتحسين الاوضاع الحياتية لعموم ابناء المجتمع والحد من ظاهرة تسرب الاطفال والشبان من المدارس، والاهتمام بالارامل والايتام وتطهير الاجهزة والمؤسسات الامنية وغير الامنية الحكومية من الارهابيين والمفسدين، وبث الوعي الديني والاجتماعي الصحيح، وغيرها من الامور. وعلينا المعنيين ان يدركوا ويفهموا ان السجن ليس بأفضل الحلول وانما هو اسوأها. واذا افترضنا-او ان الحقيقة هي كذلك، بأن هذا العدد الهائل من الاشخاص تم اعتقال عدد كبير منهم بصورة عشوائية ولمجرد تريد ان تظهر الاجهزة الامنية بأنها تعمل وعملها مثمر والدليل على ذلك انها اعتقلت خمسة واربعين الف شخص في غضون شهرين فقط، فهذا الفساد والظلم والحيف بعينه، اذ لايعقل ان تسعى مؤسسة امنية الى الحصول على شهادة كفاءة ومهنية وتكسبب الامتيازات على حساب الاف الناس الابرياء الذين تضعهم في نفس خانة القتلة والمجرمين والارهابيين وتحولهم بالتالي الى اشخاص سيئين او تصنفهم بهذا الشكل.هذا الاسلوب والمنهج يجلب الكوارث في الواقع، لانه بدلا من ان يؤدي الى الاصلاح فأنه يؤدي الى التخريب والتدمير الاجتماعي والاخلاقي والقيمي، ويشيع الظلم والاجحاف ويضيع المعايير والفواصل في تصنيف من هو سيء ومن هو جيد في المجتمع. ومن يقول ان الامور سارت بعد الاطاحة بنظام صدام المقبور بشكل صحيح فأنه اما يجافي ويجانب الحقيقة والواقع، او يجهل مايجري، ان ثقافة وسلوك وفكر النظام المقبور مازال مهيمنا وحاضرا في مختلف زوايا المجتمع، وما لم نستأصل تلك الثقافة وذلك السلوك والفكر من جذورها فأن الانحدار والتراجع سيبقى مستمرا ولاسبيل لايقافه عند حد معين.
https://telegram.me/buratha