د.علي عبد داود الزكي
ان العراق يملك ثروات (طبيعية وبشرية)هائلة كان المفروض ان تجعل منه الدولة المتصدرة الاولى لقيادة الشرق الاوسط. لكن العراق كدولة حديثة للاسف يعاني من تناقضات داخلية كبيرة ولحد الان لم تتبلور الرؤية الوطنية الموحدة لتجمع ابنائه في قدسية وطن ليتكاتف جميع ابنائه من اجله نهوضه وازدهاره. العراق عانى ولازال يعاني من تناقضات الميحط الاقليمي له فكل الصراعات والمصالح المتضاربة لدول الجوار تتصارع على ارض العراق وكأن العراق هي نقط الالتقاء الحرجة لكل المتناقضات الاقليملية. ان النمو السكاني في العراق كبير جدا والازمات في العراق لا تنتهي وانما تنمو تتعاظم وتتزايد بشكل يصعب السيطرة عليه لذا ما لم يكون هناك توزيع عادل ؛؛لثروة العراق النفطية على كل الشعب؛؛ والعمل على تنمية اقتصاد العراق وتنويعه فان العراق بالتاكيد يتقدم نحو كارثة حقيقية:من حيث نشوء مافيات السرقة الحكومية التي تسيطر على مقدرات البلد وتستغلها لصالح فئات محددة واغلبها تعتمد اسلوب تحويل الثروات المنهوبة باسم الديمقراطية والقانون الى خارج العراق لتتنعم بها فيما لو تم طردها او فشلت في الحصول على مناصب في المستقبل. ان النهب والتبديد الحكومي لثروات الشعب سيمهد لنشوء عصابات الفقراء الذين يتزايد عددهم وتتزايد مشاكلهم وحرمانهم من ابسط حقوق المواطنة والذين يشعرون بغربة شديدة في وطنهم بسبب حرمانهم الشديد وسيزداد سخطهم على من يسرقهم وسيكون ذلك عامل تدمير خطر جدا على وحدة وتماسك العراق. ان الصراع المحتمل الوقوع بين مافيات السلطة وعصابات الفقراء سيحصل لا محالة وقد يظهر رجال سياسة جدد يستغلون ذلك لمصالح فئوية جديدة. وقد يتخذ طابع الصراع اساليب العنف والدموية. الاسوء من ذلك هو ان حصول اي فوضى وصراع سيهدد امن المجتمع ويهدد بنيته وثقافاته التربوية والاجتماعية. ان الحكومة اليوم لا تهتم لذلك ولو تفاقم الامر بعيدا عنها ايضا لا تهتم له ، كل ما يهمها هو بقاء ذوي المناصب في مناصبهم مدى الحياة بدكتاتورية الديمقراطية الامريكية المفروضة على العراق. ان استهتار الحكومة بحقوق الانسان والموطن العراقي وعدم اهتمامها باصدار اي تشريعات مناسبة لحفظ حقوق الانسان وحفظ ثروات البلد من السرقة والتبديد سيسبب كوارث اجتماعية كبيرة للعراقين خصوصا الطبقى الوسطى التي ستعاني من ظلم السلطة وستعاني بنفس الوقت من عصابات المحرومين بظل غياب كامل للنظام والقانون فيما بين جدران الكونكريت التي قطعت اوصال البلد وجعلت العراق وكانه دولة اساسها تجمع غير محترم لدويلات الفدراليات والمحافظات والمدن والشوارع والمحلات.
يجب ان يكون هناك تضامن شعبي كبير لاجل اصدار تشريعات التوزيع العادل ؛؛للثروة النفطية؛؛ لكل العوائل العراقية وذلك بتحقيق العدالة في التعييانات والمنح وتوزيع ثروة النفط على كل العراقيين بالتساوي. وذلك لان العراق اليوم لا يمثل دولة ذات اقتصاد قوي يعتمد مقومات متعددة ومتينة وانما العراق اليوم هو دولة مستهلكة تعيش على واردات النفط فقط بعد ان تم الاجهاز على كل المقومات الاقتصادية العراقية بعد سقوط الصنم. ممكن ان نوجز بعض اهم اسباب انهيار الاقتصاد العراقي خلال العهد الديمقراطي الاهوج الجديد بما يلي:
1. فتح الحدود امام السلع المستوردة الرخيصة الثمن مقارنة مع المنتج المحلي الذي لا يستطيع ان ينافس المستورد من حيث الجودة وكلفة الانتاج.2. ارتفاع كلف الانتاج للسلع المحلية بسبب عدم توفر الكهرباء وبسبب الظروف الامنية التي ادت الى عدم استقرار في الانتاج ومقوماته الاساسية .3. بسبب البطالة قامت الدولة بتطبيق حلول انية غير مدروسة على المدى الاستراتيجي البعيد باجراء تعيينات هائلة في دوائر الدولة (الرشيقة) لتصبح هذه الدوائر مترهلة وتحتوي على الكثير من الفساد الادراي اضافة الى تهيكل عصابات للجريمة الاقتصادية المنظمة. فبدلا من ان تحل مشكلة البطالة قامت الدولة بالتاسيس لبطالة مقنعة هائلة. 4. زيادة الرواتب للموظفين في مؤسسات القطاع العام مما سبب زيادة كبيرة في اجور العمل المحلي مما جعل الكثير من المعامل والشركات الانتاجية تقفل ابوابها لانها غير قادرة على دفع اجور عمل عالية للعاملين فيها مما سببت زيادة في البطالة المحلية.5. انهيار الزراعة ومقوماتها وانهيار البنى التحتية للري في العراق.6. انهيار المهن والحرفيات المختلفة بسبب رخص الاجهزة والمواد المستوردة بحيث اصبحت عملية تصنيع وتصليح الاجهزة والسلع وفقا للاجور القديمة قبل سقوط الصنم لا يخدم اصحاب المهن والحرفيات كما ان زيادة الاجور التصنيع والتصليح ادت الى لجوء المواطن الى رمي الاجهزة والسلع(العاطلة) واستبدالها بسلع مستوردة جديدة. وبذلك تم اضافة اعداد كبيرة من الحرفيين وذوي المهن الحرة الى البطالة وزيادة الخسائر الاقتصادية.
ان اغلب ميزانية الدولة اليوم تذهب كرواتب للموظفين الذين الكثير منهم بلا عمل حقيقي كما ان مراقبتهم ومتابعة الفساد الوظيفي اصبح امر مزعج ومرهق ومكلف. بينما لو كانت الدولة ساعدت القطاع الخاص وفرضت عليه قيود بتعيين العراقيين بنسب معقولة لامتصاص البطالة وضمن شروط معقولة لضمن الجودة ومنع الاستغلال للمواطنين والعاملين لاصبح من الممكن ان تقوم الدولة بانجاز مشاريع جبارة بالاعتماد على هذا القطاع الذي كان سيقوم بمتابعة موظفيه بكفاءة عالية اكثر من كفاءة متابعة الدولة لموظفيها الفاسدين.
اصبحت الدولة ريعية 100% بعد ان انهار القطاع الخاص الانتاجي بشكل شبه كامل واصبح الشعب يعيش على المستورد ويعيش على ثروة وحيدة هي ثروة النفط الوطني. واصبح عدد الموظفين مع المتقاعدين بحدود 6مليون مواطن. وهذا بالتاكيد رقم كبيرة جدا يعني ان خمس الشعب يتقاضى رواتب من الدولة الريعية التي اصبحت هي من يطعم المواطن ويقدم له الخدمات الرديئة من ثروات النفط . حيث اصبحت الدولة عاجزة عن توفير كل شي للعراقيين بنفسها وادى ذلك الى تضخم في اجهزتها المؤسساتية وترهلها بشكل يصعب السيطرة عليه. ان عدم سيطرة الدولة على مؤسساتها بشكل كبير جعل منها مرتعا لنمو وانتشار مافيات السرقة بغطاء قانوني يمكنها من حماية نفسها وباخفاء اي وثائق تدينها. وقد اخذت هذه المافيات تستخدم اساليب الترهيب والتصفية الجسدية لمن يقف امام مصالحها غير المشروعة. هنا يمكن ان نقول بانه لا يوجد انجاز عمل حقيقي للحكومة الا بحدود ضيقة جدا. كما ان الفساد والرشوة اصبح شيء متعارف عليه وكانه رسمي. نرى دوائر الدولة تحذر من الفاسد والرشوة والتزوير بشكل كبيرة اعلاميا ويتبجح بعض المسؤولين بانهم ابطال ويعملون بكفاءة ونزاهة بينما كل مواطن عراقي يرى الحقيقة ان ابسط موظفي الحكومة وهم موظفوا البلدية ياخذون اجور غير قانونية من العوائل العراقية لقاء رفع النفايات اوغيرها. قد يقول البعض ان هذا شيء بسيط ولا قيمة له !!! نعم لكن هذا خرق قانوني (اشبه بالابتزاز) واي دولة فيها خروق قانونية بسيطة فانها ستكون مدرسة لفساد عظيم وانها تتقدم نحو خرق القانون بشكل واسع وتمهد لعدم احترام القيم الانسانية والنظام والتجاوز على حقوق الانسان وتمهد للتسلط الدكتاتوري ليتجه نحو الدموية وتدمير البلد. ليس موضوعنا هنا الفساد وكيفية انتشاره ومعالجته هنا رغم تداخله بشكل كبير في منع عدالة توزيع الثروة الوطنية.
اصبحت التعيينات في وظائف القطاع العام لعبة سياسية انتخابية واصبحت التعيينات محصورة على فئات محددة (الاحزاب والموالين لها) اضافة الى التعيينات كبيرة بالرشى والفساد. بحيث اصبح من العجب ان نشاهد تعيين موظف من غير فساد ومن غير اعطاءه مبلغ يتراوح ما بين 10 اوراق الى 50 ورقة (الورقة تعني 100دولار كما هو متعارف على ذلك في العراق). هنا اصبح من الصعوبة على الانسان البسيط ان ينال حقه او يحصل على فرصة عمل حتى لو كان اكثر نزاهة وكفاءة من غيره.
قبل اكثر من عام طرحت موضوع ؛؛التوزيع العادل للثروة الوطنية ويجب ان يكون لكل عائلة عراقية موظف في القطاع العام؛؛ في اكثر من مكان للنقاش وعلى مستويات مختلفة وجدت بان الكثير من الموظفين في دوائر الدولة رايهم بان الموضوع ليس مهما وبالعكس الكثير منهم لا يؤيد فكرة توزيع عادل للثروة لانه يتقاضى راتب من الدولة فليس مهم ان تقوم الدولة باعطاء رواتب من نفط لباقي ابناء الشعب العاطلين عن العمل. بينما بعض الشخصيات السياسية والحزبية ابدوا اعتراضات شديدة على الموضوع وقالوا بان التوزيع يجب ان يكون على استحقاقات عمل وليس توزيع للعاطلين وليس توظيف عاطلين من كل عائلة عراقية ، وانما يجب ان تكون هناك مقايسس اخرى تاخذ بالحسبان هنا اشرت الى ان الوظائف غالبا ما تتم بالواسطات او بالرشى انا اعرف شخاص عديدين استخدموا نفوذهم وعلاقاتهم وقاموا بتعيين الكثير من افراد اسرهم واقاربهم وهم غير مستحقين لذلك بينما مئات الالاف من العراقين البسطاء يعانون من الجوع والبطالة. وعندما طرحت هذا الموضوع على بعض البسطاء والعاطلين عن عمل الكثير منهم تبسم وقال ان حصول ذلك من المستحيلات فهم يتمنون ذلك لكنهم يرون ان حصول ذلك وكانه معجزة كما انهم لا يعملون من اجل ذلك وكانهم راضون ببؤسهم الا القليل منهم الذين يحملون فكر التغيير وهم الشباب الثوري المتحمس الذين قالوا انهم سيقفون بقوة مع اي مبادرة من هذا النوع.
هنا لا نريد ان نطرح تسؤلات او طلبات او تمنيات ولكن نورد بعض الاراء التي يمكن ان تعطي حلولا وفق رؤيتنا المتواضعة لبعض مشكلات توزيع الثروة على المواطنيين العراقيين من غير ظلم او بتخطي حالات الفساد بسن قوانين لحماية الموطن. ان النفط العراقي هو ثروة لكل العراقيين وبما ان الوظائف في المؤسسات الحكومية اصبحت في الغالب هي بطالة مقنعة. فان المقترحات التالية ممكن ان تخفف عن المواطن بتوزيع عادل للثروة الوطنية لحماية العراق من مستقبل مظلم:
1. تحديد راتب لكل عائلة عراقية لا يوجد فيها موظف وتعاني من الفقر والحاجة والعوز.2. يجب ان يكون لكل 6 اشخاص في اي عائلة فقيرة راتب.3. ترشيق دوائر الدولة لكي تعمل بكفاءة واي عدد من موظفين فائض ممكن ان يتم تحويلهم الى مؤسسات انتاجية وان لم تتوفر فالافضل تصرف لهم اجورهم وهم في بيوتهم بدلا من خلق مشكلة ترهل وبطالة مقنعة تثقل كاهل المؤسسة الحكومية ( ورواتبهم هنا هي حقوقهم من الثروة النفطية) ومن الممكن ان تقوم الدولة بتنفيذ مشاريع عمرانية وانتاجية كبيرة تشغل الايدي العاملة العراقية العاطلة عن العمل بكفاءة.4. تشجيع العوائل العراقية الجديدة على تنظيم الاسرة وفرض قانون بان لا يكون عدد ابناء الاسرة اكثر من 4.5. تقليل رواتب كبار الموظفين والمسؤليين في الدولة ذلك ليس حسدا وانا لتحقيق عدالة في توزيع الثروات الوطنية على كل العراقيين. كأن يكون راتب المسؤول الحكومي مساوي او مقارب لراتب ومخصصات اي مسؤول حكومي في دولة اوربية غنية لكن على شرط ان يكون الانسان العراقي الفقير يعيش بنفس مستوى المواطنين الفقراء في تلك الدولة الاوربية. والا تاخذ نسبة وتناسب مع تلك الدولة بين الفقراء والمسؤولين. ويتم تحديد راتب المسؤول على اساس هذه النسبة.6. منح كوبونات نفطية لكل عراقي ثم زيادة اسعار النفط ومشتقاته محليا ليتناسب ذلك مع ما موجود في كل دول الجوار. وبذلك ستكون الكوبونات هي الضمان للمواطن العراقي للتنعم بحقه من الثروة النفطية.7. منح قطع ارضي للمواطنين الفقراء او الذين يسكنون في مساكن غير صحية وقانونية.8. عدم منح المسؤولين الكبار في الدولة ارضي تتميز عن ارضي باقي المواطنين من حيث الموقع.9. تمييز الذكور اكثر بالتعيين عن الاناث لان مجتمعاتنا ذكورية . فان المراة المتعينة غالبا لا تستطيع ان تفتح بيتا اما الرجل المتعين فانه غالبا ما يستطيع ان يفتح بيتا. ولحفظ كرامة الرجل بالصرف على الاسرة.10. عدم تعيين كبار السن في واظائف مستخدمين(فراشين) وانما منحهم رواتب تحفظ لهم كرامتهم وتمنع اذلالهم.11. تفعيل قانون التقاعد حسب الرغبة للاعمار من 50 سنة الى 59سنة وفرضه على الاعمار 60 سنة فما فوق.12. بناء مراكز ترفيهية لكبار السن وتوزيعها بشكل يتناسب مع الكثافة السكانية في مدن ومحافظات العراق.13. بناء مراكز ترفيهية تربوية محمية من قبل الشرطة للشباب والمراهقين لحفظ الامن ومنع الشغب.14. فرض رسوم كمركية على المواد المستوردة لدعم الاقتصاد ودعم القطاع الخاص والمنتج المحلي.15. منع جلب ايدي عاملة اجنبية للعراق وفرض شرط على اي شركات اجنبية تعمل في العراق ان تشغل ضمن كوادرها ما لا يقل عن 70 % من العراقيين وان تنفذ مشاريعها وفق معايير جودة عالمية.16. تشجيع فتح الورش والمعامل الصغيرة المقفلة وتطويرها بان تمنح الدولة نصف رواتب العاملين فيها وتشجيع فتح مشاريع العمل الصغيرة الاخرى.
ان هذه القرارت قد يكون بعضها خيالي وصعب التنفيذ لكنها تحتاج الى همة وشجاعة وطنية من قبل الحكومة لتنفيذها. ان تجاهل احتياجات الموطن العراقي سيسبب كارثة وطنية كبرى قد تنتهي مثلما انتهى النظام الملكي في العراق. وقد تسبب كوارث اجتماعية ستنحدر بالبلد الى مستنقع مؤلم كما مر العراق سابقا بمستنقع البؤس في سنين الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي.
قلنا عبارة وبقيت عبارات وكتبنا صفحة ولازالت هناك صفحات.... وننتظر ان تتنوع العبارات... لتتشابك الرؤى في نسيج الطلبات والامنيات وتدق ناقوس الخطر لتنبه الحكومة الغافلة او المتغافلة... لتكف عن نهب وتبديد ثروات البلد.......
د.علي عبد داود الزكي
https://telegram.me/buratha