حسن الهاشمي
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في استقبال شهر رمضان الكريم: أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور... فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.هي دعوة من رسول الإنسانية للتكاتف والتراحم والتوادد، وكم نحن بحاجة إلى هذه المفردات العظيمة ونحن قد نخرت فينا المحاصصة والتكالب على زبارج الدنيا الفانية، كم نحن بحاجة إلى هذا الخلق الرفيع في الرحمة والمودة والشفقة فيما بيننا ونبذ كل ما من شأنه أن يولد فينا الحقد والإحن والكراهية الضاربة في أوساط بعضنا مع بالغ الأسف، فجعلتنا مفككين متباعدين متباغضين تتجاذبنا رياح الحزبية وتتقاذف بنا الأنانية والتعصب القومي تارة والإثني تارة أخرى والطائفي تارة ثالثة، إنها أضغاث أحلام ونفثات شياطين ركبت رؤوس البعض منا فتاهوا في طغيانهم يعمهون.إن ابتعادنا عن روح التسامح والتوادد والتآخي التي أكد عليها الإسلام مرارا جعل البعض منا يسبح في فلك الطائفية وتتلاعب به الأجندات الخارجية وتتقاذفه الأهواء الشخصية والميول الحزبية، فنجد إن هذا البعض يلوك المؤامرات تلو المؤمرات للطعن بالوطن والإضرار بالمواطن طمعا بالمنصب وكرسي الحكم حتى لو جاء ذلك على حساب دماء المواطنين وبناهم التحتية وإذكاء روح الفتنة والاحتراب بين أفراده، ومشكلة هذا البعض إنه يعيب على الكل ويعرقل عمل الكل ولا يرضى إلا على نفسه وإنه يختلق الذرائع من أجل تقويض كل شيء، فهو متهور إما أن يكون أو لا يكون شيء بعدمه، هذه النمطية من التفكير والعمل هي من أخطر ما يواجه النظام في التجربة الديمقراطية الفتية التي يخوضها، فإنها تحاول عرقلة المسيرة بطرق ملتوية غير ديمقراطية وتبيّن للرأي العام الداخلي والخارجي ضعف الخيار الديمقراطي لكي تحقق أجندتها بالتواطؤ والتعاون مع أعداء الديمقراطية الواقعية في البلد، وما أكثرهم في زماننا هذا ونحن نعيش في أجواء ملبدة بغيوم الأنظمة الديكتاتورية التي يبقى هاجس التغيير في العراق يقلقها وإنها تبقى على الدوام وعن طريق ضعاف النفوس في الداخل بوضع العصي في دواليب التقدم الديمقراطي. وفي هذه الأجواء الملبدة والمدلهمة ما أحوجنا إلى اللحمة الوطنية ونبذ العنصرية والشوفينية وكل ما من شأنه أن يضر بمصلحة الوطن والمواطن، ما أحوجنا كمواطنين ومسؤولين إلى التعاطف والتكافل والولاء للوطن وحب الخدمة للمواطن والتحنن على الفقراء والأيتام وتوقير الكبار والرفق بالصغار وصلة الأرحام وحفظ اللسان وغض السمع والبصر عن الحرام، هذه المناقب الحضارية التي لو تقلدناها لأصبحنا قادة الأمم، ولتجاوزنا عن الأنانية والحزبية الضيقة التي ابتلينا بها بعد أن ابتعدنا عن الفطرة الإنسانية السليمة، وها هي النتيجة... اغتيالات، اختلاسات، جرائم، مفاسد، حياة قاسية، معاناة دائمة، ضنك في العيش وتعقيد في المعاملات، ما أصابكم من حسنة فمن الله وما أصابتكم من سيئة فمن عند أنفسكم، هذه هي سنة الله تعالى ولا تجد لسنته تبديلا ولا تحويلا. فلنرجع إلى أنفسنا قبل فوات الأوان نروضها بالتقوى ونعودها على الاستغفار والتوبة النصوح إلى الله تبارك وتعالى، فلنرجع إلى الله تعالى عن طريق الإنفاق في سبيله وتحسين الأخلاق وإكرام اليتيم وصلة الأرحام والإكثار في عمل الخير وقراءة القرآن، فإنَّها فرصة قد لا تعاودنا مرة أخرى حيث إن أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فلنسأل ربنا أن لا يغلقها علينا، وأبواب النيران مغلّقة فلنسأل ربّنا أن لا يفتحها علينا.الابتعاد عن المعاصي والذنوب والورع عن محارم الله عز وجل وتجنب الغش والخداع والتهمة والكذب وما يرافقها من ارتكاب الذنوب وطرق أبواب الفساد والإفساد والرذيلة، تجنب هذه الموبقات والمآثم من أفضل الأعمال عند الله تعالى في هذا الشهر الكريم، وهي دعوة لتصفية وتنقية الأجواء فيما بيننا، فالذي في قلبه غل وحقد وقطيعة رحم وعداوة وبغضاء وشحناء وانتقام وعدوان، فلينتفض على واقعه المزري وليستعذ بالله تعالى للتغلب على هواه، وليجعل من محطة رمضان محطة مثلى للتزود بالخير والرحمة والرأفة للوصول معا إلى شاطئ الأمان، ولا أمان أفضل من التعايش الإنساني بين أبناء الوطن الواحد بدون منغصات شيطانية...
https://telegram.me/buratha