محمود شاكر شبلي
على حافّة هاوية سحقية يقف الأقتصاد العراقي اليوم وبالتالي مصير العراق ومستقبله. وأمام استحقاقٍ كارثي حقيقي سيجد العراقيون أنفسهم قريبا بعد أن قامت مجموعة قليلة الخبرة من السياسيين والفنيين العراقيين من خلال أبرام عقود نفطية طويلة الأجل بتسليم رقابهم لشركات النفط العالمية العملاقة التي لاتعرف الرحمة ولايهمها مصير الشعوب بقدر مايهمها مقدار الأرباح التي تجنيها ولو على حساب أرواح ملايين البشر.
وفي وقت لم تعد للرؤية المستقبلية اي اعتبار يؤخذ بالحسبان كمقياس لصوابية العمل وكشرط مهم جدا لتحقيق المصالح الوطنية ، ولم تعد القيم المهنية طرفًا في المعادلة إلا بمقدار ما يتم توظيفها لخدمة مآرب فئة همها تحقيق الربح والسيطرة ,فأن التخبط وعدم وضوح الرؤية وعدم وجود العقلية الأقتصادية التي ترسم مستقبل العراق الأقتصادي أدت ألى وقوع المسؤولين العراقيين القليلي الخبرة بشراك الشركات العملاقة ذات الخبرات الضخمة والتي يديرها ذئاب الأقتصاد العالمي الذين حققوا لها أرباحا خيالية وكوّنوا منها كارتلا متينا يتحكم بأقتصاديات دول عديدة.
فالتعاقدات النفطية مع الشركات العالمية مثل شركة بريتيش بتروليوم هي تعاقدات مجحفة بحق نفط العراق برأي جميع الخبراء الأقتصاديين في العالم ماعدا رأي خبراء وزارة النفط العراقية الذين يرون فيها أنتصارا لوزارتهم ,حيث أعطت تلك العقود أمتيازات غريبة وضاربة بالأجحاف لصالح الشركة على حساب العراق.
وكانت صحيفة (الجارديان) البريطانية قد كشفت النقاب عن أن شركة النفط العملاقة بريتيش بتروليوم البريطانية (بي بي) تم اتهامها بإحكام قبضتها على الاقتصاد العراقي عقب موافقة الحكومة العراقية على دفع تعويضات للشركة حتى في حال توقف إنتاج النفط في حقل الرميلة العراقي بحيث أن الشركة ستحصل فورا على تعويض جراء أي تعطل محلي فني أو بسبب الأوضاع الأمنية أو حتى بسبب اتخاذ الحكومة قرارات لخفض الإنتاج .
كما كشفت مجلة "ميس" المتخصصة في شؤون الطاقة ان وزارة النفط العراقية عازمة على توقيع عقد شركة شيل الانكلو-هولندية بمشاركة شركة ميتسوبيشي اليابانيةلاحتكار جميع موارد العراق الغازية في جنوب البلاد خلافا لجميع التحذيرات التي اطلقها خبراء النفط والغاز العراقيون ومنهم وزراء نفط سابقون من الاثار الكارثية التي ستترتب على مصالح العراق الاقتصادية الحيوية اذا ماتم التوقيع فعلا، خاصة ان العقد يربط العراق باتفاقية اقتصادية مجحفة جدا بحق ابناءه تمتد لمدة 25 عاما.
أن لهذه العقود انعكاسات وتأثيرات سلبية مستقبلية حتى على القرارات التي تتخذهاالحكومة العراقية فيما يتعلق بأدارة ثروة العراق النفطية والغازية من حيث زيادة الأنتاج أو تخفيضه لأسباب سياسية أو أقتصادية أو أسباب تتعلق بحركة السوق من حيث الفائض والنقص وبالتالي ستؤثر أيضاعلى توجهات منظمة أوبك وسيجعل العراق البلد المهم في أوبك خارج قراراتها لأنه لا يستطيع التحكم بصادراته.
من المؤكد أن تلك الشركات قد توقعت أنها ستلاقي مصاعب جمة بالعمل بالعراق بسبب الأوضاع الأمنية وبسبب عدم كفاءة البنى التحتية العراقية و بالتأكيد فأنها سوف لا تستطيع الأيفاء بكامل شروط تعاقداتها فأحتاطت لهذا الأمر من خلال شروط تضمنتها عقودها لأستعمالها عند الضرورة..ولذلك فأن العقود الأولية التي أشعرت المسؤولين العراقيين بنشوة الأنتصار التي أبرمت مع شركة بريتيش بتروليوم هي عقود قد تم تعديلها وتحويرها لصالح الشركة البريطانية بأعتراف الصحف البريطانية .
لا أحد ينكر حق شركة بريتش بتروليم أو شيل بحماية مصالحها وتضمينها لشروط تلزم العراق بتنفيذها, ولا أحد ينكر أن من حقها أيضا تحقيق أرباح تتناسب وحجمها , ولكن المشكلة هي في ألأجحاف في تحقيق الأرباح على حساب العراق والتمادي في وضع الشروط التي تسلب العراق أمكانيته على أدارة شؤون ثروته النفطية والغازية.
ويزيد من الكارثة المرتقبة سوءا هو مكابرة المسؤولين العراقيين وعدم أعترافهم بالأخطاء المميتة التي أرتكبوها ومازالوا يرتكبونها وأصرارهم على الذهاب الى أخر مدى كارثي مراهنين على احتمال دفع الأمور نحو نقطة انقلاب ايجابية لصالح العراق تتمثل في التغيير المفاجئ الذي يتوقعونه في طريقة سير وأداء النظام الأقتصادي العراقي المتخبط والمتلكيء حيث قد تؤدي زيادة الأنتاج النفطي بشكل كبير الى الحصول على أموال طائلة تؤدي الى نقلة مهمة في الأقتصاد العراقي على المستوى القريب.. أما على المدى البعيد فلا أحد منهم يفكر بما سيحدث ولا يهتم بالتداعيات الخطيرة التي ستسببها هيمنة الشركات العالمية العملاقة على شريان وعصب الأقتصاد العراقي ولذلك فلا أحد يفكر بتدارك الأمر قبل أن يستفحل وقبل أن تضع الشركة العقد موضع التنفيذ.
ولا أعلم ما هو سبب أصرار المسؤولين العراقيين و بقوة لتسليم السيطرة على تطوير النفط والغاز إلى شركات أجنبية مع أن العراق كان ولفترات زمنية طويلة يدير شؤونه النفطية والغازية بواسطة كادره الوطني ذي الخبرة الممتازة والذي بأمكانه الأستمرار بأدارة تلك العمليات بكل كفاءة ومقدرة ولا يحتاج سوى الى توفير معدات الحفر وأدوات الأنتاج التي من الممكن جدا توفيرها من خلال شرائها بشكل مباشر من الشركات المصنعة لها ولا تتجاوز فترة التدريب على تشغيلها وأدارتها لأكثر من ثلاثة أشهر, وبالتالي فسيكون بالأمكان جدا أن يتم تطوير ادارة الشأن النفطي بوتيرة تصاعدية من خلال القدرات الوطنية والوصول الى نفس مستويات الأنتاج خلال نفس الفترة التي تصلها الشركات الأجنبية أو حتى أقل من ذلك .
أن الأعتماد على الكادر الوطني المتوفر والمؤهل والذي لايحتاج سوى الى العدة وأعادة تأهيل بسيط سيؤدي الى بقاء الثروة العراقية بعيدا عن متناول مخالب الشركات العملاقة وسيؤدي الى أمتلاك العراق لقراره السياسي بشأن الأنتاج وبالتالي سيكون العراق قوة سياسية وأقتصادية محترمة ومهمة في المنطقة والعالم يحسب لها الف حساب. كما وأن أدارة العمليات النفطية والغازية بأيدي عراقية سيساهم بأمتصاص بعض من مستويات البطالة الحقيقية والمقنعة التي يعاني منها العراق وسيحفظ أموال العراق وثرواته من التسرب الى جيوب أجنبية بدل جيوب ابنائه الذين هم بحاجة لها أكثر من غيرهم.
أما أذا قال قائل أو أحتج محتج أو برهن مبرهن على عدم قدرة الكفاءات العراقية على أدارة العمليات بنفس كفاءة الشركات الأجنبية وتم أتفاق الخبراء على أستحالة ذلك ,فعلينا أذن أن نعيد دراسة وتقييم العقود التي أبرمها الفطاحل والتي ستؤدي بنا الى كارثة أقتصادية أكيدة لامبرر لها من خلال عرض تلك العقود ودراستها من قبل أختصاصيين محليين ودوليين أو شركات استشارية محترفة مختصة بدراسة وتقييم هكذاعقود, ولا ندع مصير بلدنا بأيدي من لا يرون أبعد من أنوفهم و لايهمهم سوى الحصول على مكاسب انية وسريعة تضمن لهم البقاء في وظائفهم وتسليط أهتمام وسائل الأعلام عليهم.
كما ويجب على أعضاء مجلس النواب العراقي أن يتحركوا سريعا لمناقشة هذه الكارثة واتخاذ الأجراء المناسب بصددها وتشريع قانون النفط والغاز الحبيس بملفاتهم والموضوع على رفوفهم منذ حوالي العامين بدل التصارع فيما بينهم على المناصب والمكاسب والّا فأنهم مسؤولين أمام الله وشعب العراق لأفراطهم في عدم الأهتمام بأموره وتفريطهم بثرواته.
ملاحظة:---------مقالة لنفس الكاتب بعنوان (( لا.. لشركات النفط الأجنبية)) بتاريخ 8/8/2010..الرابط.:
http://burathanews.com/news/100907.html
https://telegram.me/buratha