عبد الكريم ابراهيم
امسك (ابو علي) (بطل) الماء بيده ،وهذه سمة تميز العراقيين عن بقية شعوب العالم ووضع المنشفة على رأسه ليبدأ رحلة البحث عن ( جيلكان ) بنزين لمولدة البيت بعد ركنها جانبا وصب كل اهتمامه على ضرتها كهرباء (السحب) حيث اجاز الشرع تعدد الزوجات ، لكن حرارة شهر آب اللهاب، جعلته يعود الى صديقته القديمة التي هجرها بسبب غلاء مهرها وثرثرتها التي لاتتوقف وكثرة ترددها على مصلح المولدات ،لتعود ( ريمة الى عادتها القديمة)، مع كل هذه المشاكل ضغط (ابو علي) على نفسه وتحمل الحرارة القاتلة في سبيل غاية نبيلة الاوهي جمع شمل العائلة على هواء مبردة (البرفاب ) بعد ان تعبت يداه من كثرة ( التهفي ) بـ( سبلت ) الاجداد .محطة الوقود ليست بعيدة عن دار (ابوعلي ) ما هي الا ثلاثة كيلومترات مشيا على الاقدام تحت اشعة الشمس العمودية .و برغم ان السنين اخذت منه شيئا كثرا وجعلته مختبرا لتجارب الاطباء ومستودعا لوصفاتهم الدوائية وافرغت جيوبه من زينة الحياة الدنيا، فانه حمل حاله وتحزم بنطاق الهمة من اجل كسب معركة الحياة التي لاتعرف ولاتعذر المريض . المفاجأة التي لم تكن في حسبان هذا الرجل المسكين ان يرى الناس وقد تجمعوا حول المحطة كأنهم دبابير على كومة عسل، وكل واحد منهم يحمل بيده (جليكان ابو الخمسة لتر ) .لم تنفع مناشدات و(توسلات ) هؤلاء في تليين قلوب عمال المحطة الذين تحججوا بتعليمات وزارة النفط بعدم البيع الا للسيارات وحظر البيع ( السفري ). رغم الانتظار الطويل ،المواطنون لم يقطعوا الامل في الحصول على البنزين وتحدوا الحرارة والشمس لعلهم يعودون الى بيوتهم حاملين معهم ماء الحياة والهواء . الساعات تمر و( ابو علي ) ورفاقه المساكين متمسرون امام المحطة ، ولكن الامل بدأ يتلاشى بعد ان أنقضى نصف النهار ومعه زادت الحرارة من سعيرها الجهنمي الذي لايرحم ،ولم تنفع منشفة و(بطل ابو علي ) في مواجهة هذه المعركة غير المتكافئة ،حتى انهارت قواه ولم تستطع قدماه حمل جسمه الهزيل ،لذا قرر الانسحاب تحت ضربات جيش (ابو الفقراء ) ليفكر في مناورة جديدة اقل خسائراوضمونة النتائج ،قد تكون السوق السوداء هي الحل برغم تفاوت الاسعار ، ولكن الرجل كان يريد ان يشتري راحته بأي ثمن ،ولو دفع ربع راتبه التقاعدي الذي يحصل عليه كل شهرين لقاء خدمة 30 سنة في سلك التعليم . فعلا حصل (ابوعلي ) على ضالته ليعاود ادراجه حيث البيت لعله ينعم بما تبقى من ساعات النهار على هواء المبردة . استقبلته العائلة الكريمة كأنه من الغزاة الفاتحين لدرجة اصيب عندها بداء الغرور والعظمة وبدأ يأمر وينهي مستخدما صلاحياته كرب الاسرة ، ونفش ريشاته كديك الحجل ،ولكن حلاوة الانتصار وزهو البطولة لم يدوما طويلا عندما افرغ احد اولاده البنزين داخل المولدة وسحب ( الهندر ) ،وحينها بدأت تعطس كانها اصيبت بالزكام ،حاول الابن مرة بعد مرة وفي كل محاولة تظهر نفس الاعراض حتى تملك الولد الاجهاد ،ليستلم بعدها الى الامر الواقع، ليبحث عن سبب هذا الامتناع عن التشغيل ، فحص اجزاء المولدة المحروسة جزءا بعد جزء ،لم يعثر على عطل ما ، حتى تفحص الغنيمة التي جاء بها والده ،ليجدها من النوع المغشوش ،عندها التفتت اليه زوجته التي كتمت نار غضبها على امل الحصول على (نومة الظهرية ) تحت نسيم المبردة ،وقالت : خبصتنه بالبنزين وتالي يطلع مغشوش ،وانته جنت تكول اني مفتح باللبن .( بلع ابوعلي ) تقريح الزوجة وعاد الى استخدام (مهفة) الاجداد وهو يلعن بائع البنزين الذي جعل رقبته اصغر من السمسة !!.
https://telegram.me/buratha