كريم الوائلي
صوت مجلس النواب مؤخرا على قضيتين مهمتين كانتا مبعث جدل وتجاذب بين الكتل السياسية وهما التصويت على مفوضية الانتخابات والثانية التصويت على ترشيق الحكومة ، وتوقع كثير من المحللين والمراقبين ان تستعر الخلافات حولهما لفترة قد تطول كثيرا وذلك بناء على الاعتقاد السائد بأن الاطراف السياسية غالبا ما تتفق (على ان لا تتفق) حول القضايا الخلافية ولنا في ذلك أنموذجين الوزارات الامنية ومجلس السياسات وهما ما زالا ماثلان منذ نهاية الانتخابات النيابية الاخيرة والى اليوم ، ومن الواضح ان القضيتين لهما مساس مباشر بالمصلحة الوطنية والشعبية وذلك كون ان خلو التجربة العراقية من مؤسسة مهمة من المؤسسات الدستورية ، واعني بها مفوضية الانتخابات المستقلة ، يشكل خطر محدق بالتجربة الديمقراطية ويفقدها اهم اواصرها وقد يفرغ التجربة الوطنية برمتها من العنصر الجوهري فيها ، كما ان ابقاء الحكومة بهذه السمنة المفرطة وهذا الترهل المعيق لمهامها والمرهق لميزانيتها يلقي بضلاله القاسية على حياة المواطنين ويضيف لاوجاعهم اوجاع مضافة تثقل كواهلهم وتعمق فقدان الثققة بين الحكومة والشعب الذي يمثل الضمانة المؤكدة والسند الموثوق فيه والمؤمن جانبه لأية حكومة تثبت جدارتها على دفع عجلة التحولات الايجابية بأتجاه المصالح الاساسية للمواطنين وعلى ذلك يكتسب التصويت البرلماني على ابقاء مفوضية الانتخابات وكذلك التصويت على ترشيق الحكومة وتهذيبها اهمية خاصة يجعل من ذلك التصويت انموذجا فذا للممارسة الديمقراطية ويضع التجربة العراقية على المحك . وعند قراءت ضروف التصويت نستشف ان القوى السياسية التي تدير العملية السياسية ، على الرغم من وجود الاستثناءات ، فأنها قادرة على اتخاذ القرارات الوطنية المهمة وان الديمقراطية ، ان وضعت موضع التطبيق الحقيقي ، تتمكن من لي ذراع الحكومة التي تمثل ، هنا ، السلطة الشرعية واجبارها على الانصياع للقانون والارادة الوطنية الجماعية ، ومن ذلك يبدو واضحا ان التجربة العراقية صحيحة وان شابها ما يشيب ، عادة ، التجارب الديمقراطية الفتية وان الذي يعيق اتخاذ القرارات المهمة هو العوز المهني في ادارة النظام الديمقراطي وعدم قدرة الكادر السياسي على حبس الذات على ((مكاره)) الديمقراطية بوصفها البلسم المر واللاذع لعلاج معضلات بناء الانظمة السياسية والتمثيل الشعبي والتداول السلمي للسلطة وتحقيق العدالة . ان ضروف التصويت على بقاء مفوضية الانتخابات المستقلة وترشيق الحكومة اعطى مؤشر ، وان كان نسبيا ، على ان هناك آليات ديمقراطية رادعة لهوس حب السلطة والتفرد بالقرار والجنوح الى زرع اجنة الدكتاتورية في رحم النظام الديمقراطي ، وان بالامكان الدربة على الممارسة الديمقراطية ان تخلق كادر وطني من طراز مدرب يمكنه ان يقود التجربة العراقية والتحولات الوطنية في المستقبل المنظور ، كما ان وضع الآليات الديمقراطية موضع التطبيق الحقيقي يجنب التجربة الديمقراطية العراقية التأثيرات السلبية للمهاترات والتجاذبات والتشنجات التي تطلقها الذهنية المترعة بغريزة التسلط وما يختزنه الارث الثقافي المشبع بالاستأثار والذاتية المفرطة والنزوع الى اقصاء الآخر وتهميشه . ان الثبات على منهجية الممارسة الديمقراطية والاخلاص لها يعطي الامل بخلق كوادر وطنية تؤمن بالنظام الديمقراطي ويمنح التجربة العراقية القوة والصلابة كما يمنحها احترام الرأي العام العالمي ، ولطالما ان شدد المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ، ومن خلال الثوابت السياسية التي اقرت في مؤتمراته ، على التوجه نحو ترصين التجربة العراقية في بناء النظام الديمقراطي الجديد بوصفه الخيار الذي لا رجعة عنه وقد شخص المجلس الاعلى ممثلا بمرجعياته السياسية ومؤتمراته وبوقت مبكر حاجة العراق ودول المنطقة الى النظام الديمقراطي وعلى ذلك فأن الدعوة الى ديمقرطة انظمة الحكم قد اطلقها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في في مؤتمر الهيئة العامة للدورة التاسعة (دورة شهيد المحراب ) عام 2007 حيث اشار الى ((استكمال بناء النظام الديمقراطي الدستوري ودولة المؤسسات، مسترشدين بالرؤية والهوية الاسلامية للعراق )) وقبل ما تشهده دول المنطقة من انتفاضة شاملة تدعوا الى انظمة حكم مؤسساتية تستند الى الجماهير الواسعة في رسم سياسيتها وبرامجها .
https://telegram.me/buratha