المقالات

الطب والصيام (الجزء الثالث)

741 01:16:00 2011-08-04

الدكتور رافد علاء الخزاعي

لقد لاحظنا من خلال الحديث في المقالة السابقة ان الصوم مر بمراحل عبر التاريخ ليكتب على المسلمين كفرض واجب التطبيق وبمواقيت معينة في شهر رمضان ضمن الشهور القمرية فلذلك نرى ان رمضان يتنقل بين الفصول المختلفة ليلاحظ الانسان الفرق في الجهد مع مراحل الصوم في مراحل العمر المختلفة ولذلك عندما يبزغ هلال شهر رمضان المبارك وتثبت الرؤية يشعر المسلم بالراحة النفسية والهدوء والتماسك والقوة في كل عام منذ ان فرض الله سبحانه وتعالى الصوم على المسلمين.وهذا تدريب كبير يعيد الانسان الى ذاته الحقيقية التي يكون قد ابتعد عنها بفعل مشاغل الحياة وملاهيها واغراءاتها فتسعد النفس وتطمئن وتفرح الروح بقدوم رمضان وتنشرح الصدور بالصيام.أما عن الجسد فهو ينتظر شهر رمضان الفضيل في شوق وتلهف واحتياج.تلتقي العبادات والفرائض كلها في هدف واحد ألا وهو تربية النفس وتهذيب المسلم واعداده نفسيا وجسديا لمواجهة الحياة بحلوها ومرها.والصوم هو الركن الرابع من اركان الاسلام الخمسة فرضه الله على المسلمين في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة.ولا يعني الصوم في الدين الاسلامي والمفهوم الايماني مجرد الامتناع عن الطعام والشراب بل الامتناع عن كل فعل قبيح ولو بلفظ او باشارة او تفكير سيئ.والصوم بهذا الاسلوب يعتبر رياضة روحية اكثر منها بدنية وهو فضلا عن كونه امرا تعبديا يجب على كل مسلم غير مريض ان يؤديه طاعة لأمر ربه لأنه تكليف من الله سبحانه وتعالى.ولذلك نرى ان خطبة سيدنا ومعلمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله في استقبال شهر رمضانروى الامام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أ نّه قال: أن رسولَ الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قد خطبنا ذات يوم فقال :اللَّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ و آلِ محمّد "أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة و الرحمة و المغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، و أيّامه أفضل الأيّام، و لياليه أفضل اللّيالي، و ساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، و جُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسُكُم فيه تسبيح، و نومُكم فيه عبادة، و عملُكم فيه مقبول، و دعاؤكم فيه مستجاب. فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، و قلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، و تلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، و اذكروا بجوعكم و عطشكم فيه جوع يوم القيامة و عطشه، و تصدَّقوا على فقرائكم و مساكينكم ووقّروا كباركم، و ارحموا صغاركم، و صلوا أرحامكم، و احفظوا ألسنتكم، و غضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، و عمّا لايحلُّ الاستماع إليه أسماعكم، و تحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم، و توبوا إلى الله من ذنوبكم. و ارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزَّ و جلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، و يلبيّهم إذا نادوه و يستجيب لهم إذا دعوه. أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، و ظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، و اعلموا أنَّ الله تعالى ذِكرُه أقسم بعزَّته أن لايعذِّب المصلّين و السّاجدين، و أن لايروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لربّ العالمين. أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، و مغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله! و ليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال عليه السّلام: اتّقوا النار و لو بشقّ تمرة، اتّقوا النار و لو بشربة من ماء. أيُّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خُلقه كان له جوازاً على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام، و من خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه، ومن كفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، و من أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، و من وصل فيه رَحِمَه وصله الله برحمته يوم يلقاه، و من قطع فيه رَحِمَه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، و من تطوَّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار، و من أدَّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، و من أكثر فيه من الصّلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين، و من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور.أيُّها الناس! إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فسلوا ربّكم أن لايغلقها عليكم، و أبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن لايفتحها عليكم، و الشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لايسلّطها عليكم.

قال أميرالمؤمنين عليه السّلام: فقمت فقلت: يا رسول الله! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزَّ و جلَّ .من خلال هذه الخطبة النبوية الشريفة التي حملت معاني كثيرة نلخصها بما يلي:1- ان شهر رمضان شهر استثمار الحسنات والمغفرة لانه شهر في ضيافة الرحمن فهو شهر البركة والمغفرة والرحمة.2- ان اعمال الانسان نومه فيه تسبيح وعبادة وانفاسه بركات ومغفرة وكل الاعمال مقبولة باجر مضاعف مع توفر صدق النية.3- ان قراءة القراءن في هذا الشهر هو تمرين للذاكرة وحماية لها وهذا ما لاحضناه من طول عمر المراجع ورجال الدين وتمتعهم بذاكرتهم وقابليتهم العقلية الى اخر العمر ان هذه الملاحظة يجب ان تخضع للاحصاء العلمي حتى تؤثق كاحد فؤائد الصيام والصيام المنقطع في الايام البيض والمناسبات الاخرى اي الصوم المستحب.4- ان الصوم الجماعي هو ينمي للفرد قابلية التنافس في التحمل والتفكر بجوع الاخرين وعطشهم مما يولد تغير في نمطية التفكير والتخلص من الافكار الانانية والتسلطية.5- ان التاكيد على التواصل الاجتماعي والعائلي والتواصل مع فقراء الناس يعطي للامراض الكتولدة من ضغوطات الحياة المشفوعة بالقلق بعض التسكين مما يعطي للانسان عمق التفكير السؤي.لذلك يجب علينا كمسلمين محاولة الاجتهاد والبحث في الفوائد الطبية للصوم والحكمة من فريضته التي بيّن المولى عز وجل بعضها وشرح الرسول الكريم صلوات الله عليه وعلى اله بعضا منها.فكلما تقدمت العلوم الطبية والبحوث ساعد ذلك على ادراك وتعميق الحكمة في الصوم ومعرفة اسراره الطبية.ان المعنى الحقيقي والوعي الصحيح بالصيام انه رياضة للنفس على القناعة بالقليل من الغذاء الذي يكفل للمريض المساعدة بل العلاج للتخلص من الاملاح الزائدة واذابة الدهون والتخلص منها واعادة ضغط الدم الى مستواه الطبيعي وضبط مستوى السكر في الدم.والصائم يعوده ويدربه شهر رمضان على قهر الغرائز والشهوات وعلى الزهد والتقشف في تناول الاطعمة والاشربة فتقوى ارادته وعزيمته بالصوم فيكون في مأمن من الامراض النفسية والعصبية المستعصية على العلاج والتي مصدرها الخوف والتردد وضعف الارادة والشخصية.ان مركز الاحساس بالشبع والجوع موجود في منطقة المهاد بالدماغ قرب الهايبوثلامس وهي قريبة من مركز الخوف ان الجوع بارادة الشخص شيشتت الاشارات العصبية من مركز الخوف ليتحرر الانسان من مخاوفه واوهامه ويصفى باله لفهم الواقع برؤية متفتحة مع ان انخفاض السكر بالدم في فترة الصيام يكون تمرين يتيح لهرمون النمو وهرمون النمو المشابه للانسولين للتحرر من منطقة الغدة النخامية وكذلك هرمون الادرينالين والنور ادرينالين وكذلك الكورتيزون وكذلك هرمون الكلكون من البنكرياس ليحرر الكلايكوجين المخزون في الكبد ليتحول الى سكر كلوكوز ان هذا التمرين بحد ذاته هو تمرين لاعضاء الجسم مشابه لماتجريه الجيوش من تدريبات وقت السلم للاستعداد للحرب ومشابه لما تجريه اجهزة الدفاع المدني .اذا الصوم هو تجربة حقيقية لتقويه اجهزة الجسم واجهزة المناعة والخلايا كافة.ان من يستطيع ان يعيش بهذا النمط الغذائي والتوازن النفسي في شهر رمضان يقوى على ان يحيا سائر ايام السنة بهذا السلوك الصحي والايماني كي يحفظ لجسده توازنه سواء من حيث قوته الكمية او النوعية ومن حيث قوته البدنية وصحته النفسية. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك