السيد حســـين الصـــدر
التساؤلات الحرّة والمفارقات المرّة ))))
تعطيل المعايير الموضوعيةمن المفارقات المحزنة المتكررة في كل جيل، ظاهرة الاجحاف بحق النابهين والبارعين، من العلماء والأدباء، وأرباب الفن والموهبة والفضل والابداع.وحين يتقدم "الجاهل" على "العالم" و"القزم" على "العملاق" و"الدنئ" على "الوضئ" و"الناظم" على "الشاعر" و"الدخيل" على "الأصيل"، فان ذلك يؤشر الى وجود خلل كبير في المعادلات السائدة في المجتمع.ان تعطيل المعايير الموضوعية، يعني انتصار العشوائية، وضياع العدل والإنصاف، وحرمان المجتمع من ينابيع القدرات والكفاءات المهمشّه المقصية، لدواعٍ لا تتسم بأي لون من الانسانية أو العقلانية، وتضرب عرض الجدار كل القيم الحضارية والعلمية والأخلاقية ...ان هناك "طبقة" تعرف من أين تؤكل الكتف، وأكبر أسلحتها في الوصول الى ما تريد الملق الزائف واصطناع الحيل والخداع، والمبالغة في اظهار الولاء الشخصي، والذوبان في حبّ هذا المسؤول الكبير أو ذاك، والنجاح الكامل في مسرحياتٍ تُعّدُ باتقان، وتُطبقُ باقتدار وفنّ، وتقودُ الى الحصول على المأمول، بعيداً عن المؤهلات الحقيقية، التي توجب استحقاقات معينة، يكون من الطبيعي على ضوئها ان يعهد الى أصحابها بالمهام الكبرى، والمناصب المهمّة .يلوك المهمشّون أحزانهم، ويطوون ضلوعهم على جمارٍ من اللوعة والحسرة، حين يصطدمون بالممارسات الفجّة التي تعلي شأن الخاملين، وتطفأ وهج النابهين، وقد ينعكس ذلك حتى على علاقتهم بوطنهم، الذي لم تتوفر فيه لهم أدنى مستويات الرعاية، حتى لكأنهم الغرباء المنبوذون !!إنّ هؤلاء أسيء إليهم مرتين:-مـــرةً لأنهـــم ((مواطنـــون))، انتهكــت حرمــة ((مواطنتهــم)) وديســت حقوقهــم بــدم بــارد، وحــس جامـــد ..!!ومرةً لأنهم متميزّون ذوو براعات، حيل بينهم وبين خدمة شعبهم ووطنهم، فلم يبق لهم الاّ الاحساس بالضيعة والهوان والحرمان والخذلان .ومن هنا تنشأ العُقد، وقد تتفاقم تاركةً وراءها الكثير الكثير من الخسائر والسلبيات ..الشاهد الأدبيومَنْ منّا لم يسمع "بالطغرائي" - الشاعر العملاق الذي قتلَ سنة 513 ه - ولاميتُه الشهيرة التي استهلها بقولهِ:أصالةُ الـرأي صانتني عـن الخَطَلِوحليــةُ الفــضل زانتــي لــدى العــطــــلِوالتي قال فيها أيضاً - وهو محل الشاهد:تقدّمتنـــي أنــاسٌ كـــان شوطُهـم وراء خطــــوي إذْ أمشــــي على مَهَــلِهـــذا جـــزاءُ امــرئٍ أقـرانـــهُ دَرَجـــوامـــن قبْلـــهِ فتمنّــــى فسحـــة الاجــــــــلِوانْ علانـي مَنْ دوني فلا عَجَبٌلي أسوة بانحطاطِ الشمسِ عن زُحلِوأبياته تقطر لوعة وألماً وحزناً، فقد تّقدم عليهِ من كان يمشي خلفهِ، ومن لم يكن يقاس بهِانه يلوم نفسه، لأنه لم يزهد بالحياة حتى بعد ان رحل أقرانه، وانما تمنى ان يمتد به العمر، وحينما امتد به العمر رأى الأعاجيب وداخله منه ما داخله من مصائب .وعلى كل حال، فانها ليست بأول قارورة تكسر في هذا المضمار.ثم انه يسلّي نفسه، ويكبح جماح فورتها ، حين يتمثل حقيقة انحطاط الشمس عن زُحل، وأين زحل من "الشمس" وهي سر الحياة ؟ !!(قالوا: زحل في الفلك السابع، والشمس في الرابع )وان كان الطغرائي واحداً ممن نفسّ عن هموم ظلامتهِ وأحزانهِ بالشعر، فان هناك من بقيت لوعته حبيسة صدره كـأثقل كابوس، تنخر كيانه، وتضاعف أشجانه ، وليس هؤلاء بالقلة، خصوصاً في مرحلتها الراهنة، التي تَقدّم فيها (المزورون) وتخلف (المبدعون)، والتي أغرقت البلاد، بالمحاصصات ، فأكثرت فيها الفساد .. !!الكفاءات العراقية المنسيةان للعراق اليوم في شتى أنحاء المعمورة، ابناء وبنات، حصلوا على أعلى الشهادات العلمية والمهارات الفنية، ولكنه محروم من الإفادة من تلك الخبرات والامكانات بسبب الترهل الفظيع الذي مُني به الهيكل التنفيذي، وبضغوط من الجهات السياسية المختلفة، التي تصرّ على ان يكون لها في كل دائرة وجهاز من دوائر الدولة وأجهزتها أنصار وأتباع، وآخر ما يخطر على البال، مسالة القدرة على الأداء الفاعل، وحجم الخدمة التي تقّدم للمواطنين .. !!إننا نشعر بالغبن (الفاحش) الذي لحق بشريحة كبيرة من ذوي الكفاءات العراقية، الموجودة في داخل الوطن وخارجهِ، ممن لم تشملهم معادلات المحاصصة، وآثروا ان يكونوا بعيدين عن دهاليز السياسة وكواليسها، ولم يكونوا بالخبراء في منعرجاتها وتضاريسها ... !!المفارقات العجيبةان المفارقات في العراق الجديد ليست بقليلة:فبعض كبار المسؤولين في الدولة يصرّ على أنْ يُمْنح، وعلى شاطئ دجلة الساحر، قطعة أرضٍ سكنية لا تقل مساحتها عن (600) متر مربع، يصرّ على ذلك استغلالاً للفرص والمنصب، ونسياناً للملايين من العراقيين الذين لا يملكون في وطنهم شبراً واحداً ... !!يصرّ على ذلك، وهو لا يعاني من أزمة السكن، بعد أن هيأت له الدولة السكن اللائق، فيما يعاني الملايين أزمة سكن حادة، جعلتهم في دوامة من الضيق والقلق والاضطرار الى التجاوز على الضوابط القانونية ...يصرّ على ذلك، وهو قد يملك أكثر من دار وعقار، ناسياً إخوانه البائسين المحرومين والمستضعفين.ومن المفارقات أيضاً إصدار العفو عن المختلسين للمال العام، ليفلت من العقوبة منْ لم يستطيع الإفلات فيما تبقى أعداد المطاردين من قبل هيئة النزاهة كبيرة متصاعدة، دون ان تمس كبار اللصوص والمفسدين، رغم مطالبة الجماهير بذلك ... !!ومن المفارقات المضحكة المبكية محاولة تشريع قانون للعفو عن المزورين للشهادات الدراسية وإبعادهم عن كل العقوبات .. !!كل ذلك من دون ان تلوح في الأفق بوادر نشّم منها رائحة الإقبال على الاكفاء المخلصين وحّل مشكلاتهم، بعد ان فتكت منهم البطالة، وأضنتهم طريقة التعامل مع أصحاب الجهالة .. !!ومن المفارقات إن ((الترشيق)) كان الى وقت قريب - شعاراً - يتشدق به المتشدقون من كل ألوان الطيف السياسي، حتى اذا ما طرحت المسألة بشكل رسميّ على مجلس النواب، بدأت الاعتراضات، والتشكيكات بجدواه ، وما يمكن ان يوّفر لخزينة الدولة من أموال ... !!أليس من العجيب ان يتأخر تقديم (المنهاج الوزاري) شهوراً عديدةً بعد تشكيل الوزارة ؟ !!أليس من العجيب ان تبقى الوزارات الأمنية شاغرة طيلة هذه المدة، بسبب عدم التوافق بين الكتل والسياسيين على مرشحيها ؟أليس من الغريب ان تبقى الأرقام الفلكية، والرواتب "الأسطورية"، والتخصيصات "الإمبراطورية" حتى الآن - دون ان تطرأ عليها التعديلات المناسبة ؟؟ورغم توجيهات المرجعية الدينية العليا والمطالبات الشعبية الكبرى ؟ !!متى سيصدر(قانون الأحزاب) وما هي أسرار الإبطاء والتلكؤ؟أهي الخشية من كشف مصادر التمويل أم أنها أشياء أخرى ؟ !!ومتــى يتـــــم تعديــــل قانـــون الانتخـــاب، ليتــم التخلــص من النتــوءات ،والكثيـر مـــن المؤاخـذات المسجلــة عليـــه ؟وحتى متى تنفق المليارات والملاين من العراقيين يتلظون بحرارة صيفهم اللاهب، ويسألون عن الكهرباء الغائب ؟وكيــــــف يدّعـــــى النجـــــاح مـــنْ لـــم ينجــــــز الإصــــــلاح ؟ !!
https://telegram.me/buratha