عن كتاب :الفصول المهمة في تأليف الأمة العلامة : السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره
رأي الجمهور في معاوية
دع كل ما ذكرناه وعرج على رأي الجمهور في معاوية تجد هناك معذرة المتأولين قالبا حسيا ، وتلفها أمامك شخصا مرئيا فإنه لما كان متأولا على زعمهم ، لم يقدح في عدالته عندهم إلحاقه زيادا بأبيه ( أبي سفيان ) بدعوى أنه عاهر سمية وهي على فراش عبيد ، مستندا في ذلك إلى شهادة أبي مريم القواد الخمار مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ( 62 ) .
وقوله من حديث ( 63 ) ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو راد ، وقوله تعالى : " أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " وكان فعله هذا أول عمل جاهلي عمل به في الإسلام علانية فلم يقدح مع ذلك عند الجمهور في عدالته ولم يمنع محمد بن إسماعيل البخاري عن الاحتجاج به في صحيحه ( 64 )
* هامش * (62) هذا الحديث متواتر قاله رسول الله ( ص ) حين ترافع إليه سعد ابن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام عهد عتبة بن أبي وقاص إلى أخيه سعد أنه ابنه بسفاح الجاهلية ، فقال سعد : يا رسول الله إنه ابن أخي وقد عهد به إلي وعليه شبهة . وقال عبد بن زمعة : إنه أخي وابن أبي ولد على فراشه من جاريته . فنظر النبي ( ص ) إلى الغلام فرأى عليه شبه عتبة بينا ولم يلحقه مع ذلك به وإنما ألحقه بزمعة ، وقال " الولد للفراش وللعاهر الحجر " أخرج البخاري هذه القضية بهذه الكيفية في ثلاثة مواضع من كتاب البيوع في أول الجزء الثاني من صحيحه ، وأخرجه مسلم بطرق مختلفة في باب الولد للفراش من كتاب الرضاع من صحيحه .
(63) أخرجه البخاري في باب النجش من كتاب البيوع في صفحة 12 من الجزء الثاني من صحيحه . (64) جميع المحدثين من أهل السنة يحتجون بمعاوية ويعتمدون عليه =
- ص 128 -
وأيضا لم يخدش في وثاقته عندهم عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد ، وهو صبي يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ولا يعرف من الدين موطئ قدمه مع معرفته بليله ونهاره وإعلانه وأسراره وعلمه بمنزلة الحسين عليه السلام من الله عز وجل ومكانته من
رسول الله صلى الله عليه وآله ومحله في نفوس المؤمنين ، على أنه كان يومئذ في المهاجرين والأنصار وبقية البدريين وأهل بيعة الرضوان جم غفير وعدد كثير كلهم قارئ للقرآن عالم بمواقع الأحكام خبير بالسياسة حقيق على رأي الجمهور بالخلافة
والرياسة ، فلم يراع سابقتهم في الإسلام ولا عناءهم في تأييد الدين وأمر عليهم شريره المتهتك وسكيره المفضوح ، فكان منه في طف كربلاء مع سيد شباب أهل الجنة وخامس أصحاب الكساء ما أثكل النبيين وأبكى الصخر الأصم دما ورمى المدينة
الطيبة بمجرم بن عقبة ، وكان أبوه معاوية عهده ( 65 ) بذلك إليه كما نص عليه جماعة ( 66 ) فكانت أمور تكاد السماوات يتفطرن منها .
وحسبك أنهم أباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام حتى
* هامش * = في مسانيدهم وصحاحهم ، أما البخاري فقد احتج به في كتاب الجهاد والسير في باب قوله تعالى " فإن لله خمسه وللرسول " من صحيحه ، واحتج به أيضا في أول باب وصل الشعر من كتاب اللباس ، وفي مواضع أخر لا تخفي على المتتبع . (65) غير مبال بدعاء النبي ( ص ) على من أخاف أهل المدينة ، ولا مكترث بقوله ( ص ) " من أخاف أهل المدينة أخافه الله عز وجل وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " أخرجه أحمد من حديث السائب بن خلاد بطريقين في صفحة 56 من الجزء 4 من مسنده .
(66) منهم الإمام ابن جرير الطبري في الصفحة الأخيرة من حوادث سنة 63 في أوائل الجزء 7 من تاريخه ، وابن عبد ربه المالكي حيث ذكر وقعة الحرة في الجزء الثاني من العقد الفريد . ( * )
- ص 129 -
افتض فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والأنصار ، كما نص عليه السيوطي في تاريخ الخلفاء وعلمه جميع الناس ( 67 ) وقتل يومئذ من المهاجرين والأنصار وأبنائهم وسائر المسلمين اللائذين بضريح سيد النبيين صلى الله عليه وآله 10870 رجلا
ولم يبق بعدها بدري ( 68 ) وقتل من النساء والصبيان عدد كثير ، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أمه ويضرب به الحائط فينتشر دماؤه على الأرض وأمه تنظر إليه ( 69 ) ثم أمروا بالبيعة ليزيد ، على أنهم خول وعبيد إن شاء استرق
وإن شاء أعتق ، فبايعوه على ذلك وأموالهم مسلوبة ورحالهم منهوبة ودماؤهم مسفوكة ونساؤهم مهتوكة ، وبعث مجرم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد ، فلما ألقيت بين يديه قال : ليت أشياخي ببدر شهدوا : الأبيات ( 70 )
* هامش * (67) حتى قال ابن الطقطقي في صفحة 107 من تاريخه المعروف بالفخري ما هذا لفظه : فقيل إن الرجل من أهل المدينة بعد ذلك كان إذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها ويقول لعلها افتضت في وقعة الحرة ا ه . وقال الفاضل الشبراوي في صفحة 66 من كتاب الاتحاف : وافتض فيها نحو ألف بكر وحمل فيها من النساء اللاتي لا أزواج لهن نحو من ألف امرأة .
وقال ابن خلكان وقد ذكر الحرة في ترجمة يزيد بن القعقاع القارئ المدني من وفياته ما هذا لفظه : كان يزيد بن معاوية في مدة ولايته قد سير إلى المدينة جيشا مقدمه مسلم بن عقبة المري فنهبها وأخرج أهلها إلى هذه الحرة ، فكانت الوقعة بها وجرى فيها ما يطول شرحه ، وهو مسطور في التواريخ حتى قيل إنه بعد وقعة الحرة ولدت أكثر من ألف بكر من أهل المدينة بسبب ما جرى فيها من الفجور .
(68) نص على ذلك ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة وغير واحد من أهل الأخبار .(69) الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة ، الجزء الأول ، صفحة 184 .
(70) إرسال رؤوس أهل المدينة إلى يزيد وإنشاده أبيات ابن الزبعري مشهور مستفيض ، وقد ذكره ابن عبد ربه في أواخر وقعة الحرة من العقد الفريد ، ونقل هناك اعتراف يزيد بارتداده عن الإسلام . ( * )
- ص 130 -
ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير فهلك في الطريق ، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهده من يزيد ، فأقبل حتى نزل على مكة المعظمة ونصب عليها العرادات والمجانيق ( 71 ) وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كل يوم يرمونها بها ،
فحاصروهم بقية المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون ، حتى جاءهم موت يزيد وكانت المجانيق أصابت جانب البيت فهدمته مع الحريق الذي أصابه . وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر ، أو
تحصيها الأقلام والمحابر ، قد شوهدت وجه التاريخ وقبحت صحائف السير وكان أبوه يرى كلابه وقروده وصقوره وفهوده ويطلع على خموره وفجوره ، ويشاهد الفظائع من كل أموره ويعاين لعبه من الغواني ويعرف خبثه بكل المعاني ، ويعلم أنه
ممن لا يؤتمن على نقير ولا يولي أمر قطمير ، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة وأحله عرش الملك والإمامة وملكه رقاب المسلمين وسلطه على أحكام الدنيا والدين ، فغش بذلك أمته ولم ينصح رعيته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ،
فيما أخرجه البخاري في الورقة الأولى من كتاب الأحكام من صحيحه ( 72 ) : ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أحمد من حديث أبي بكر في صفحة 6 من الجزء الأول من مسنده : من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم .
وقال صلى الله عليه وآله فيما أخرجه البخاري في تلك الورقة أيضا : ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحظها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة .
* هامش * (71) ذكر ذلك ابن قتيبة في صفحة 214 من كتابه الإمامة والسياسة .(72) في صفحة 250 من جزئه الرابع . ( * )
- ص 131 -
والجمهور يعذرونه في ذلك بناء على اجتهاده كما عذر بعضهم في وقعتي الطف والحرة أكفر أولاده ( 73 ) .
وعذروه أيضا في قتله عباد الله الصالحين كعمرو بن الحمق الخزاعي ، وكان بحيث أبلته العبادة ورأسه أول رأس حمل في الإسلام ، قتله ( وهو من خيار الصحابة ) بحبه عليا عليه السلام ، وكحجر بن عدي الكندي وكان من فضلاء الصحابة أيضا
قتله وأصحابه البررة الأتقياء إذ لم يلعنوا عليا عليه السلام ، ومعاوية هو الذي قتل الحسن سلام الله عليه بسم دسه إليه فسقته إياه بنت الأشعث عليها اللعنة ، علم بذلك كافة أهل البيت وشيعتهم واعترف به جماعة من غيرهم .
* هامش * (73) بل اعتقد قوم من الجمهور أن يزيد كان من أولياء الله ، وإن من توقف فيه وقفه الله على نار جهنم ، فراجع ما حكاه ابن تيمية عنهم في الرسالة ( 7 ) من مجموعة الرسائل الكبرى في صفحة 300 من جزئها الأول . ونقل القسطلاني في باب ما قيل في قتال الروم من كتاب الجهاد من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في صفحة 230 من جزئه السادس عن المهلب إنه كان يقول بثبوت خلافة يزيد وإنه من أهل الجنة .
ونقل ابن خلدون في صفحة 241 أثناء الفصل الذي عقده في مقدمته لولاية العهد عن القاضي أبي بكر ابن العربي المالكي أنه قال في كتابه الذي سماه بالعواصم والقواصم ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده ( ص ) .
وذكر ابن الأثير في عدة حوادث سنة 583 في آخر ورقة من الجزء 11 من كامله إن في تلك السنة مات عبد المغيث بن زهير ببغداد قال : وكان من أعيان الحنابلة قد سمع الحديث الكثير وصنف كتابا في فضائل يزيد بن معاوية أتى فيه بالعجائب ، وقد رد عليه أبو الفرج ابن الجوزي وكان بينهما عداوة ا ه .
قلت : والذين عذروا يزيد من أوليائه واعتذروا عنه كثيرون ، منهم ابن تيمية فيما تقدمت إليه الإشارة من رسالته السابعة والغزالي في الآفة الثامنة من كتاب آفات اللسان من أحياء العلوم في صفحة 112 من جزئه الثالث . ( * )
- ص 132 -
قال أبو الحسن المدائني ( كما في أوائل الجزء 16 من شرح النهج لابن أبي الحديد في الصفحة 4 من المجد 4 طبع مصر ) : كانت وفاة الحسن سنة 49 وكان مريضا 40 يوما وكان سنة 47 سنة ، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث ،
وقال لها : إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف أزوجك يزيد فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال : أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله ( ص ) ا ه .
ونقل المدائني عن الحصين بن المنذر الرقاشي ( كما في صفحة 7 من المجلد الرابع من شرح النهج طبع مصر أيضا ) : إنه كان يقول : والله ما وفي معاوية للحسن بشئ مما أعطاه قتل حجرا وأصحابه وبايع لابنه يزيد ، وسم الحسن ا ه .
وقال أبو الفرج الأصفهاني المرواني في كتابه مقاتل الطالبيين حيث ذكر السبب في وفاة الحسن عليه السلام ما هذا لفظه : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه الخ .
وفي صفحة 17 من المجلد 4 من شرح ابن أبي الحديد طبع مصر ما يلفت الأنظار في هذا المقام فراجعه لتعلم ما قلناه .
وروى ابن عبد البر في ترجمة الحسن من استيعابه عن قتادة وأبي بكر بن حفص إن بنت الأشعث سقت الحسن بن علي السم ، ثم قال : وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك ا ه .
والأخبار في ذلك لا تحتملها هذه العجالة .
ولو أردنا أن نستوفي من قتلهم معاوية من المصلحين وأولياء الله ( 74 ) صبرا
* هامش * (74) لم يقتصر معاوية على قتل أولياء الله في سبيل سياسته حتى قتل =
- ص 133 -
وأبادهم غدرا واستأصلهم عتوا وطحنهم حربا وسمل أعينهم ظلما وقطع أيديهم وأرجلهم بغيا واستل ألسنة لهم تنطق بالحق عنادا وأسقط شهاداتهم زورا وتقول عليهم افتراء وطلق حلائلهم مكرا وأخذ أموالهم سلبا وصاح في حجراتهم نهبا وهدم دورهم
عشيا وأقصاهم نفيا وأوسعهم ذلا وضيق عليهم حبسا ودفنهم أحياء ولعنهم على المنابر أمواتا - لأفنينا المحابر واستغرقنا الصحف والدفاتر ثم لم نبلغ غايتنا المقصودة ولم نظفر بضالتنا المنشودة وكذلك لو أردنا أن نتصدى للأحكام التي بدلها
والحدود التي عطلها والبوائق التي ارتكبها والفواقر التي احتقبها والدواهي التي حدثت في زمانه والغاشمين الذين أشركهم في سلطانه كابن شعبة وابن العاص وابن سعيد وابن أرطاة وابن جندب ومروان وابن السمط وزياد وابن مرجانة والوليد الذين
فعلوا الأفاعيل وقهروا الأمة بالأباطيل وساموا عباد الله سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وحسبك ما أجمع أهل الأخبار على نقله واتفق أهل العلم على صدوره من بعثه بسرا سنة أربعين لاستئصال من في اليمن من عباد الله الصالحين ،
فراجع ما شئت من كتب الأخبار ولاحظ ما يحضرك مما يشتمل على أحداث تلك السنة من كتب الآثار ، لتعلم فظاعة هذه الواقعة وتعرف كنه ما كان يوم هذه الفاجعة من قتل الشيوخ الركع وذبح الأطفال الرضع ونهب الأموال وسبي العيال ، وما
ينس فلا ينس ما فعله يومئذ بنساء همدان ، إذ سباهن فأقمن ( كما في ترجمة بسر من الاستيعاب ) في السوق ، وكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها .
قال في الاستيعاب : فكن أول مسلمات سبين في الإسلام ، وما أدري هذه
* هامش * = في ذلك أخص أوليائه به وأشدهم ملازمة له عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، حارب معه في صفين وحالفه على عداوة أمير المؤمنين ثم بعدها باعه بالتافه الزهيد وقتله مخافة أن ترغب الناس به عن يزيد ، وقصته مشهورة عند أهل الأخبار مستفيضة بين أهل السير والآثار ، فراجع ترجمة عبد الرحمن من الاستيعاب تجد التفصيل . ( * )
- ص 134 -
أفظع وأوجع أم ما فعله بطفلي عبيد الله بن العباس ، وكان عبيد الله يومئذ عاملا لأمير المؤمنين على اليمن فهرب إليه من بسر ، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي وكان جد الطفلين لأمهما ، فقتله بسر فيمن قتلهم يومئذ من الألوف المؤلفة
من خيار الناس وقتل ابنه ، وبحث عن الطفلين فوجدهما عند رجل من كنانة في البادية ، فلما أراد بسر قتلهما قال له الكناني ( كما في تاريخ ابن الأثير ) لم تقتلهما وهما طفلان لا ذنب لهما ، فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما ، فقتله ثم ذبحهما بين أيدي
أمهما ( 75 ) فهامت على وجهها جنونا مما نالها تأتي الموسم تنشدهما فتقول :
يا من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف يا من أحس بابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
يا من أحس بابني اللذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف من دل والهة حيرى مدلهة ( 76 ) * على صبيين ذلا إذ غدا السلف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من إفكهم ومن الإثم الذي اقترفوا أحنى ( 77 ) على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
وقالت له امرأة من كنانة لما ذبحهما ( كما في تاريخ ابن الأثير ) : يا هذا قتلت الرجال فعلى م تقتل هذين ؟ ! والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام والله يا بن أبي أرطاة سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان السوء .
قال ابن الأثير : فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعا شديدا ودعا على
* هامش * (75) كذا في ترجمة بسر من الاستيعاب .(76) الذاهبة العقل . (77) كذا في رواية ابن الأثير وفي رواية الاستيعاب وأبي الفداء انحى . ( * )
- ص 135 -
بسر فقال اللهم اسلبه دينه وعقله . قال فأصابه ذلك فكان يهذي بالسيف فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه ولم يزل كذلك حتى مات ا ه .
- إلى غير ذلك من بوائق معاوية وأعوانه وجرائم وزرائه ومقوية سلطانه ، وكان أحدهم يقتل الألوف من أفاضل الرجال ويعمل الأعمال التي يهتز منها عرش العظمة والجلال ثم لا يستعظم ما احتقب ولا يتألم مما ارتكب .
أخرج الإمام الطبري في أحداث سنة خمسين من تاريخه ( 78 ) بالإسناد إلى محمد بن سليم قال : سألت أنس بن سيرين هل كان سمرة قتل أحدا ؟ قال : وهل يحصى من قتلهم سمرة بن جندب ، استخلفه زياد على البصرة ستة أشهر حين كان واليا
عليها وعلى الكوفة من قبل معاوية وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس . فقال له زياد : هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا ؟ قال لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ا ه .
وأخرج هناك أيضا بالإسناد إلى أبي سوار العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن ا ه .
وأخرج هناك أيضا بإسناده عن عوف قال : أقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقتهم ففاجأ أول الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة عبثا وعتوا . قال : ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب
وهو متشحط بدمه فقال : ما هذا ؟ قيل : أصابته أوائل خيل الأمير ، قال عتوا واستكبارا : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا ا ه .
وهذه القضايا متفق على صدورها من سمرة نقلها كل من أرخ حوادث سنة خمسين ، كابن جرير وابن الأثير وأمثالهما . وإذا كانت هذه أعمال سمرة في
* هامش * (78) في صفحة 122 من جزئه السادس . ( * )
- ص 136 -
ستة أشهر وهو ثقة البخاري ودليله على دين الباري قد احتج به في الورقة الثالثة من كتاب بدء الخلق من صحيحه ( 79 ) . وجزم بعدالته ( 80 ) في ظاهر القول وصريحه ، فما ظنك بأعمال زياد بن سمية الخبيت الفاسق بإجماع البرية ، وقد ولاه
معاوية ( كما نص عليه الطبري ( 81 ) في أحداث سنة خمسين من تاريخه ) أعمال الكوفة والبصرة والمشرق كله ، وسجستان وفارس والسند والهند ، فكم حرة في تلك الولاية هتكت . وكم حرمة لله انتهكت ، وكم دماء زكية سفكت ، وكم
شرعة اندرجت وكم بدعة أسست ، وكم أعين سملت وأيد وأرجل قطعت و . و . و . ؟ ! إلى ما لا يحصى من الأعمال البربرية والفظائع الأموية التي تقشعر لها جلود البرية ويتصدع بها قلب الإنسانية .
* هامش * (79) في آخر صفحة 138 من جزئه الثاني قبل باب ما جاء في صفة الجنة بأربعة أحاديث ، واحتج به في موارد يعرفها المتتبع ، ونص الإمام محمد بن القيسراني في كتابه " الجمع بين كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصفهاني " على احتجاج البخاري ومسلم كليهما في سمرة بن جندب مع ماله من الأعمال ، فراجع أحواله في الجزء الرابع من شرح النهج للعلامة ابن أبي الحديد في السطر الأول من صفحة 363 من المجلد الأول طبع مصر لتعلم الحقيقة ، ولو سبرت من قبل تلك الصفحة إلى ما بعدها بوريقات لعلمت أحوال جملة من رجال البخاري كابن العاص والمغيرة ومروان وأبي هريرة وغيرهم من عمال معاوية وأوليائه .
(80) مع ما ثبت عنه من المساوئ التي من جملتها بيع الخمر على عهد عمر فيما رواه المحدثون ، وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث عمر بن الخطاب في صفحة 25 من الجزء الأول من مسنده قال : ذكر لعمر أن سمرة باع خمرا . فقال : قاتل الله سمرة إن رسول الله قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها .
(81) في صفحة 134 من جزئه السادس . ( * )
- ص 137 -
لكن الجمهور لما بنوا على اجتهاد معاوية عذروه في أعمال عماله ، ولم يخدش في عدالته عندهم بوائقه ولا بوائق رجاله .
وعذروه أيضا في حربه عليا عليه السلام ، وهو أخو النبي ووصيه ونفسه في آية المباهلة ووليه بعد انعقاد البيعة له حتى قتل من المسلمين ألوف مؤلفة ، وقد قال رسول الله ( ص ) فيما أخرجه البخاري ( 82 ) ومسلم في صحيحيهما " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " ( 83 ) وقال صلى الله عليه وآله يوم جلل عليا وفاطمة والحسن والحسين بالكساء فيما ذكره ابن حجر في صواعقه ( 84 ) وأبو بكر بن شهاب الدين في رشفته من جملة حديث : " أنا حرب لمن حاربهم
* هامش * (82) راجع من صحيح البخاري باب قول النبي ( ص ) لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض من كتاب الفتن في الجزء الرابع وراجع من صحيح مسلم كتاب الإيمان .(83) فإن قلت : كيف قاتل علي ( ع ) كلا من أهل الشام والبصرة والنهروان وهم مسلمون ؟ قلت : إنما قاتلهم عملا بقوله تعالى " فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " ولا ريب ببغي معاوية وأصحابه بدليل قتلهم لعمار ، على أن بغيهم أوضح من النهار .
وأيضا أخرج مسلم في باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع من كتاب الإمارة من صحيحه عن عرفجة قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : من أتاكم وأمركم مجمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ا ه .
وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب ما هذا لفظه : وروي من حديث علي ومن حديث ابن مسعود حديث أبي أيوب الأنصاري أنه " يعني عليا " أمر بقتال الناكثين " يوم الجمل " والقاسطين " يوم صفين " والمارقين " يوم النهروان " قال : وروي عنه أنه قال : ما وجدت إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله ا ه
(84) في الآية الأولى من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر . ( * )
- ص 138 -
وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم " ( 85 ) وقال صلى الله عليه وآله : " حرب علي حربي وسلمه سلمي " إلى غير ذلك من الصحاح التي لا حاجة إلى إيرادها لتواترها بين المسلمين .
وعذروه أيضا في لعنه بقنوت الصلاة رجالا أذهب عنهم الرجس محكم التنزيل وهبط بتطهيرهم جبرائيل وباهل بهم النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه الجليل ، أولئك الذين فرض الله مودتهم وأوجب الرسول ولايتهم .
وهم أحد الثقلين اللذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من ضل عنهما ، ألا وهم أمير المؤمنين أخو الرسول ووليه وصاحب العناء بتأسيس دينه ووصيه ومن شهد الرسول بأنه يحب الله ورسوله ، وإنه منه بمنزلة هارون من موسى ، وولداه سبطا رسول الله وريحانتاه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
ولعن معهم عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة مع ما علم من وجوب تعظيمهم بحكم الضرورة من دين الإسلام وما ثبت بالعيان من شرف مقامهم لدى سيد الأنام ، وكيف لا يكونون كذلك وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة .
وما اكتفى بذلك حتى أمر بلعن أمير المؤمنين عليه السلام في كل كورة وترك ذلك سنة على أعوادها في كل عيد وجمعة ، وما زالت الخطباء في جميع الأنحاء تعد تلك البدعة المكفرة جزء من الخطبة إلى سنة 99 فأزالها خير بني مروان عمر بن
عبد العزيز وهذا كله معلوم بالضرورة مقطوع فيه بحكم البداهة قد أجمع أهل العلم على صدوره واتفقت كلمة أهل السير على نقله فراجع ما ما شئت من كتب الأخبار لتعلم أن المسألة كضوء النهار .
* هامش * (85) وأخرج أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة في صفحة 442 من الجزء الثاني من مسنده أن رسول الله ( ص ) نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم . ( * )
- ص 139 -
وكان الحسن قد شرط على معاوية إذا اصطلحا شروطا منها أن لا يشتم أباه فلم يجبه إلى هذه وأجابه إلى ما سواها ، فطلب الحسن أن لا يشتم عليا وهو يسمع ، قال ابن الأثير وابن جرير وأبو الفداء وابن الشحنة وكل من ذكر صلح معاوية والحسن : فأجابه إلى ذلك ثم لم يف له به ا ه .
بل شتم عليا والحسن على منبر الكوفة ، فقام الحسين ليرد عليه فأجلسه الحسن عليهما السلام ، ثم قام بأبي هو وأمي ففضح معاوية وألقمه حجرا ، وهذه القضية ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين وكثير من أهل السير والأخبار ،
ولم يزل معاوية يلعن أمير المؤمنين أمام البر والفاجر ويحمل عليها الأصاغر والأكابر حتى أمر سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم في باب فضائل علي من صحيحه بالإسناد إلى عامر بن سعد قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعد ابن أبي
وقاص فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول ( ص ) فلن أسبه لا تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم - الحديث ( 86 ) .
وأمر الأحنف بن قيس فقال له كما نص عليه جماعة منهم أبو الفداء في أحداث سنة 67 من تاريخه : والله لتصعدن المنبر ولتعلننه طوعا أو كرها ، فكان بينهما كلام أفضى إلى خوف معاوية من الفضيحة إذا استوى الأحنف على المنبر فأعفاه من ذلك .
وقد علم الناس كافة إن معاوية لم يقتل حجرا وأصحابه الأبدال إلا لامتناعهم عن لعن أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، ولو أجابوه إلى لعنه لحقنت دماؤهم فراجع مقتل حجر في أول الجزء 6 ؟ من كتاب الأغاني لأبي الفرج المرواني ، وفي أحداث سنة 51 من تاريخ ابن جرين وابن الأثير وغيرهما لتعلم
* هامش * (86) وأخرجه النسائي في الصفحة الثانية من الخصائص العلوية ، وهو منقول عن الترمذي وعن الجمع بين الصحيحين والجمع بين الصحاح الستة . ( * )
- ص 140 -
الحقيقة ، وتعرف أن عبد الرحمن بن حسان العنزي لما أبى وامتنع عن لعن علي عليه السلام في مجلس معاوية أرسله إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة ، فدفنه حيا ، وما زال يلعن عليا على رؤوس الأشهاد ، ويحمل على لعنه بالترهيب والترغيب كافة العباد في كافة البلاد .
هذا مع ما صح من قول النبي ( ص ) : " من سب عليا فقد سبني " أخرجه الحاكم وصححه ، وهو عندنا من المتواترات ، وأخرج النسائي في صفحة 17 من الخصائص العلوية وابن حنبل في 323 من الجزء السادس من مسنده من حديث أم سلمة
عن عبد الله أو أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي أيسب رسول الله فيكم ؟ قلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها قالت : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : من سب عليا فقد سبني ( 87 ) ا ه .
وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من استيعابه ما هذا لفظه : وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ا ه ( 88 ) .
وقال ( ص ) فيما أخرجه الطبراني وغيره : ما بال أقوام يبغضون عليا ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن فارق عليا فقد فارقني ، إن عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم يا بريدة أما علمت أن لعلي أفضل من الجارية التي أخذ وهو وليكم بعدي .
وقال ( ص ) فيما أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما ( كما في الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق ) عن عمران بن حصين أن رسول الله قال : ما تريدون من
* هامش * (87) هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنين ، ولذلك أوردها النسائي في خصائصه ، وبها وبأمثالها نكفر الخوارج وأشباههم . (88) وأخرج ابن خالويه في كتاب الآل عن ابن عباس وأبو يعلي والبزار عن سعد بن أبي وقاص والطبراني عن أم سلمة نحوه . ( * )
- ص 141 -
علي ما تريدون من علي ما تريدون من علي ، إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي .
وفي ترجمة علي ( ع ) من الاستيعاب ما هذا نصه : وروى طائفة من الصحابة أن رسول الله ( ص ) قال لعلي رضي الله عنه : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .
قال : وكان علي رضي الله عنه يقول : والله إنه لعهد النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ا ه .
قلت : وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه ، وقد تواتر قوله صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه فعلي مولاه ( 89 ) اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار " ا ه .
ومقامنا لا يسع استقصاء ما جاء في وجوب موالاته ولا يفي باستيفاء ما دل على تحريم معاداته ، فنلفت الراغب في ذلك من إخواننا المسلمين إلى ما أودعناه في كتابنا سبيل المؤمنين ، فإنه متكفل بالتفصيل متعهد بإقامة البرهان والدليل على أن هذا
المقدار كاف لأولي الأبصار ، وإذا صح اجتهاد معاوية في مقابل هذه الأحاديث الصحيحة وجاز تأوله في عرض تلك النصوص الصريحة ، فتأمل من يستفرغ وسعه في التعبد بالأدلة ويستغرق جهده في العمل بقواعد الملة أولى بالصحة وأحق بالجواز على أن أفعاله لم تكن إلا لطلب الملك ( 90 ) انتزاعه
* هامش * (89) قد اعترف به صاحب الفتاوي الحامدية بتواتره وعده من التواترات في رسالته المختصرة الموسومة بالصلاة الفاخرة بالأحاديث المتواترة ، وكذلك الحافظ السيوطي وغيره . (90) وقد صرح معاوية به يوم النخيلة حيث قال من جملة خطبة خطبها يومئذ : والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا وإنما قاتلتكم لا تأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون . =
- ص 142 -
من أهله وعداوته لعلي إنما هي ناشئة عن الأحقاد البدرية والضغائن الجاهلية .
وأما المتأولة من فقراء المسلمين ومساكين أهل الدين فإنه لا طمع لهم بملك ، ولا أمل لهم بسلطان ولا ثأر لهم يطلبونه ولا غرض لهم سوى الحق يقصدونه ، وقد اقتفوا أثر البرهان واتبعوا أدلة أهل الإيمان فإن أصابوا فمأجورون وإن أخطأوا فمعذورون .
وهذا آخر ما أردناه في هذا الفصل فاحكموا أيها المنصفون بالعدل .
والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى ورحمة الله وبركاته .
* هامش * = رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد ، ونقله أهل الأخبار وكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول : هذا والله التهتك - فراجع صفحة 16 من المجلد 4 من شرح النهج الحديدي المطبوع في مصر . ( * )
https://telegram.me/buratha