محمود شاكر شبلي
أن الله سبحانه وتعالى يضرب لنا الأمثال من خلال القصص القراني لنتعظ ونعتبر ونأخذ دروسا لكي نتحاشى الوقوع بالكوارث التي وقع فيها أقوام قبلنا. فقصة سيل العرم التي وردت في القران الكريم قد حدثت لقوم سبأ قوم الجنتين كما ورد وصفهم في القرآن الكريم، وأنه وقع في اليمن ودمّر سد مأرب . وبعد وقوع كارثة السد بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين( إلى شمالي الجزيرة، مكة وسوريا). لذلك فعلينا الأستفادة القصوى من القصص القراني لمعرفة ماجرى لأقوام قبلنا فرّطوا بما وهبهم الله من نعم وطيبات وأنشغلوا بمشاغل دنيوية أبعدتهم عن الشكروقربتهم من الكفر.
أن أي متتبع لقنوات الأخبار والمواقع الألكتروني والصحف سيجد أن تصريحات أعضاء مجلس النواب العراقيين لاتنقطع ولا مثيل لغرابتها وتناقضها وكثرتها وأنها مثل سيل العرم تثير البلبلة وعدم الأستقرار ومن ثم قد تقود الى الدمار وتسبب الكوارث والمصائب والضياع والتشتت.
وأن مايزيد على ثلاثمائة نائبا عراقيا لا ينفك أحد منهم عن التصريحات النارية المتناقضة حتى بين من ينتمون لحزب واحد أو كتلة واحدة وهذا ما لا تلاحظه أيضا في أي مكان أخر أذا تتبعت تصريحات البرلمانيين في كل دول العالم.ولا نستثني سوى النواب الأكراد ونواب الأقليات الذين تأتي تصريحاتهم هادئة ومتفقة على موقف واحد معظم الأحيان. ولا أدري أن كانت سمة التشاحن تخص العرب فقط دون غيرهم من الأمم والشعوب, ولكننا لانستطيع الأجابة الدقيقة على هذا التساؤل لعدم وجود برلمانات عربية تتسم بالديمقراطية الحقيقية في كل دول العرب لكي نقارنها مع برلماننا, وأن ماموجود هو عبارة عن مجالس لأشباح تتبع الحاكم مهما كان توجهه.
ونعود للعراق فنرى نوّابا (فتوات) يهددون ويتوعدون فيما يخص قضية توفير الخدمات مثلا و يتحدثون عن الأنقلاب والثورة وأستعمال السلاح ويعتبرونها حقا ديمقراطيا وممارسة مشروعة معتمدين بذلك على أمتلاك حزبهم لميليشيات معروفة, ولا أعرف كيف أستنتجوا هذا الأستنتاج الغريب الذي يتناقض مع مباديء الديمقراطية الليبرالية التي ينتهجها العراق و التي تعتمد في أصلها وأصولها على صندوق الأقتراع وحرية الأنتخاب ورأي ألأكثرية والتي أرتقوا بواسطتها الى مجلس النواب.
لا أقول أن أي وطني شريف يرضى بأداء الحكومة في ملف الخدمات ولكن الدستور أقر مبدأ التظاهر كحق شرعي للأعتراض وليس الأنقلاب وأستعمال السلاح وعلينا أن نتعلم أحترام الدستور والنظام لكي نستطيع أن نقضي على الخلل والتقصير ومحاسبة المقصرين الذين يتخذون من الفوضى ستارا لهم لمواصلة فسادهم وتقصيرهم.
وترى نائبا يتهم الحكومة بالخيانة لأنها تبنّت أمرا لايعجبه, وترى اخر يصرح بأن أرادة فلان أنتصرت على أرادة فلان عند أقرار أو عدم أقرار مشروع معين , وكأن مجلس النواب هو ميدان لتصارع الأرادات بين السياسيين وأثبات الوجود وليس مكانا لخدمة الشعب ومساحة محصنة ومحمية لأقرار القوانين التي تهم المواطنين.
وترى أحيانا نوابا متعددين وقد ينتمون الى كتلة واحدة أحيانا, يصرح كل منهم على هواه وبما يجول في خاطره في لحظة اللقاء التلفزيوني أو الأذاعي وبدون تهيئة مسبقة تعتمد على التفكير الهاديء والمتبصر عن قضية مصيرية تهم الوطن وتحتاج الى الدراسة والنقاش العميق.
وفي وسط هذه المعمعة والقعقعة ترى المواطن المسكين الذي يعصر قلبه الألم على وطنه, ويغزو رأسه القلق على مستقبله , تراه قد أصبح مثل كرة تتقاذفها أرجل النواب بشكل عشوائي و بمختلف الأتجاهات.
ما هذا يا سادة ؟ ما هذه الفوضى؟ أذا كان نواب الشعب يثرثرون ويصرحون بلا علم ولا ألتزام ويتناقضون فكيف بعامة الناس ومساكين الشعب؟ماهذه اللهجة الغريبة للبرلمانيين العراقيين وكيف ظهرت ومن بدأها؟ وهل الحصانة البرلمانية تعطي لصاحبها الحق بالتحريض على العصيان وحمل السلاح بحجج مزيفة وعلى التصريح الأرتجالي غير المدروس وغير المبرر؟
لقد كنّا نمني النفس بالخلاص من هذه الكلمات الشاذة وألأفكار الدموية والتصريحات السفيهه التي سببت لنا الويلات لسنين طويلة وكلفتنا ثمنا باهضا, ولكن الحقيقة المؤلمة هي أننا مازلنا نعاني من ترسبات الفكر الشوفيني الصدامي الذي لايعرف غير الويلات والحروب والأغتيالات والتصريحات الكاذبة والتهديد والوعيد واثارة الأزمات.
لقد كنّا نتمنّى بأن يتحدث البرلمانيون عن التعليم والتطوير والنهوض والبناء والأعمار والأخاء والسلام والمحبة بدل المقاومة والأنقلاب والثورة والسلاح والكفاح والدماء.
أن أردنا أن نكون يا سادة, فلابد أن نؤسس لما سنكون بدقة وواقعية وعقلانية وأخلاص.
كفاكم ثرثرة فارغة يا أعضاء مجلس النواب العراقي, وأعلموا أن التصريحات النارية وغير المسؤولة التي قد تطمحون من وراءها لعلو شأنكم, سوف لن ترفع من شأن أي واحد منكم بل سوف تنزله ,لأن شعبنا يرى ويسمع ويفهم ويميز وهو ليس كما يتصور بعضكم أعمى أو لايفقه شيئا وتحاولون أستثارته أو استفزازه واللعب بعقله.
المواطن العراقي عندما انتخبكم كان يريد منكم تمثيله بعقلانية ويريدكم أن تكونوا عينه التي ترى وأذنه التي تسمع وصوته الذي يصرح برأيه , وليس كما أنتم الان مجموعة بائسة تتصارع على المناصب والكراسي والمكاسب وتطلق التهديدات و التصريحات الجوفاء الخالية من التبصر والعقلانية.
لذلك فأنا أطالب الجهات المختصة من برلمان وغيره برفع الحصانة البرلمانية عن كل برلماني يلوّح بأستخدام السلاح لحل المنازعات أو المشاكل ومحاكمته وجعل التصريحات مقتصرة على ممثلين معروفين يمثلون الكتل والأحزاب وليس كل من هب ودب. وكذلك أطالب بأن توضع ضوابط للقنوات التلفزيونية لنقل تصريحات السياسيين والبرلمانيين وغيرهم, وليس كما يبدو من أن تصريحات السياسيين العشوائية والبرلمانيين اللامسؤولة أصبحت خبزا تعتاش عليه القنوات البائسة التي أصبحت لها أماكن ثابته داخل بناية مجلس النواب العراقي.
وأخيرا فأني أحذركم معتمدا بذلك على قصص القران الكريم وعلى أحداث تاريخية كثيرة مما سيحل بكم أن أصررتم على الأستمرار بغيكم وتخبطكم , وأعلموا أنكم ان لم ترعووا وتسيطروا على أعصابكم وأفواهكم فستجرون أنفسكم ونحن خلفكم لمصير أسود كمصير قوم سبأ حين أصابهم سيل العرم وجرفهم وحوّل أراضيهم الى صحراء قاحلة وحياتهم الى جحيم مطبق أو قوم عاد وثمود حينما أنقلبت حياتهم من السعادة و الرخاء الى الشقاء والفناء.
https://telegram.me/buratha