فراس الغضبان الحمداني
إن أعظم ما حققته منظومات الفساد في العراق أنها دفعت الرأي العام العراقي بكل مستوياته ومعه وسائل الإعلام إلى درجة الإحباط واليأس ودفعهم إلى عدم الاكتراث ومعنى ذلك الاستسلام لقوى الفساد وتركها تفعل ما تشاء حيث أصبحت تهدر المليارات والانجازات تهبط إلى الصفر بدون آمر أو رادع ضمير .
إن المتأمل بحجم الإنفاقات في مجال تأهيل محطات الكهرباء بلغ من الهدر ما لا يتصوره عقل ولا يعقله أي خبير اقتصادي أو مواطن عادي ، فالحديث عن شركات ألمانية وكورية وفرنسية وصينية كان يقابله دفع مليارات ويعتقد إن الدولة العراقية أنفقت منذ عام 2003 ولحد الآن أكثر من 50 مليار دولار وهذا مبلغ خيالي يعادل الميزانية العامة للعديد من دول الشرق الأوسط وبالإمكان من خلاله إقامة أكثر من 6 محطات نووية حديثة لتوليد الطاقة الكهربائية وبالإمكان إن يصدر منها إلى بعض دول الجوار كما ستفعل ذلك الأردن الفقيرة والإمارات الجديرة بالاحترام لدفع استثماراتها باتجاهات تخدم المواطنين وتسعى أن تجعلهم يعيشون برفاهية واستقرار أكثر من بحبوحة عيشهم اليوم .
ولعل الوعد الذي قطعه المالكي للشعب حيث قال إن عام 2012 سيشهد استكمال منظومات الطاقة الكهربائية التي ستلبي الحاجة الوطنية ومعنى ذلك إن عام 2011 الذي يسبق عام الانجاز الكبير يفترض انه يمثل بداية لتحسن حقيقي في مستوى إنتاج الطاقة الوطنية لكن الوقائع تقول إن مستوى الإنتاج وتوزيع المتوفر منه قد انهار لدرجة غير مسبوقة ولم يعد للكهرباء الوطنية من وجود وان الأمر مجرد الاعتماد على محطات مؤقتة في المناطق والاعتماد على أصحاب المولدات الأهلية بل إن الأمر ينطوي على مخادعة وفضيحة تؤكد بان الطاقة الكهربائية لن تعود إلى البلاد ما دام هنالك فساد .
وهذه الفضيحة الجديدة تتمثل بتغذية كل المناطق بكهرباء ذات فولتية واطئة لا تستطيع إن تشغل أجهزة التكييف لدى المواطنين باستثناء سكان المنطقة الخضراء وحبال مضيف الحكومة والأحزاب والبرلمان إما بقية أبناء الشعب فأنهم قد عانوا هذا الصيف اسابيعا قاسية لم تمر عليهم من قبل والعجيب إن آذان الحكومة والبرلمان من طين وعجين فهم لا يكترثون لهذه المأساة والمعاناة لأنهم يعلمون إن الإبقاء على انهيار المحطات الكبرى معناه الاستمرار على استيراد 6 ملايين لتر يوميا من وقود الطاقة من إيران وتركيا وإمارة الكويت وعلينا إن نخصص حجم العمولة التي تتقاضاها الديناصورات والدلافين الكبيرة من هذه الاستيرادات وعلى حساب معاناة الشعب الذي ما زال يرزح تحت خط الفقر والعوز والحياة البائسة رغم انه أغنى بلدان العالم وهذا الظلم ورثه النظام الديمقراطي من النظام الدكتاتوري .
إن انهيار الخدمة الكهربائية له أبعاد خطيرة ومأساوية منها تعاظم الفساد الذي اشرنا إليه وثانيها عرقلة وشل مرافق الحياة كافة خاصة الحياة المدنية التي تليق بالإنسان لا بالحيوان وثالثها الأمور المعيشية المتعلقة في مجال الإنتاج فهنالك العشرات من المصانع والمعامل الأهلية متوقفة عن العمل مما تم خلق بطالة كبيرة في صفوف الشباب ، ناهيك عن درجات الحرارة العالية التي تؤدي إلى خسائر اقتصادية يومية تكلف الدولة مئات المليارات وذلك لعدم وجود أجهزة خزن مبردة مما أدى إلى تلف الكثير من المواد الغذائية والأدوية بسبب نقل البضائع أو التنقل أو الاحتفاظ بها في غياب الكهرباء .
إن شحة الكهرباء جعل العلماء والمفكرين والفنانين يصابون بالعقم الإبداعي بسبب تعكير مزاجهم وهم يتعذبون من حر تموز وآب اللهاب بل إن العقم أصاب ملايين العراقيين وليس هنالك من يستطيع إن يأوي فراشه فكيف يشتهي الازواج ( مبادلة الحنان ) في ظل هذا الحر الذي لم تتحمله اشد الحيوانات صبرا .
أيها الناس .. أيها البرلمان .. أيها الحكومة .. إن غياب الكهرباء معناه الفشل المطلق بمشروعكم الحضاري والديمقراطي والدليل الوحيد لنجاحكم هو إن تتدفق الكهرباء ليلا ونهارا في كل مدن وقرى العراق وبدون ذلك يفسر على انه عجز في الإدارة واستمرار في منظومات النهب والفساد ومن يدعي غير ذلك فهو منافق ودجال ولا يستطيع إن يتفق ما جاء في هذا المقال .
https://telegram.me/buratha