حسن الهاشمي
قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.إن مخالفة الظالم وردعه وإيقافه عند حده من ضمن حدود النهي عن المنكر، وهي وظيفة يتحمل مسؤوليتها جميع الأحرار الذين لا يسوغ لهم ظلم ولا ينطلي عليهم قول زور أو قبح عمل وفعل، وهي مقدمة صحيحة للولوج في أعمال البر والإحسان وطرق أبواب التقدم والتنمية وعلى كافة الصعد. الأمر بالمعروف ليس يقتصر على الأمر بالعبادات والمعاملات والأحكام الشرعية فحسب، بل يشمل وبمعناه الأعم كل أمر فيه خير وصلاح ورفاه وتطور ومحبة وصلاح بما في ذلك تقسيم المال والقدرة بين أبناء الوطن الواحد بصورة عادلة، ولا يتأتى ذلك عن طريق الأمر والنهي الفرديين المنحصرين غالبا في إطار الموعظة، بل يحصل ويتحقق بوجود جهاز تنفيذي حاكم، وسلطة إجرائية تتولى إدارة دفة البلاد وفق العدل والإنصاف، فإن مثل هذا الأمر والنهي يحتاج إلى استعمال القوة لإجراء الحدود والعقوبات وتنفيذ الأحكام الجزائية بحق من تسول له نفسه التطاول على الحقوق العامة والخاصة، وهي أمور لا يمكن أن تتحقق عادة إلا في ظل سلطة وجهاز تنفيذي متين.والذي ينظر إلى ما يجري في عراق ما بعد التغيير من أحداث يتضور فيها المظلوم في الأعم الأغلب قهرا وشظفا ومعاناة، ويتمتع فيها الظالم سطوة وإيغالا في الجرم والفساد، وما يتبعه من نقص في الخدمات وتفش في المظالم والمفاسد والمآثم ما يدمي القلوب ويشجي الصدور ويؤرق الجفون، وللوقوف أمام هذا الواقع المزري ولكي نستثمر الطاقات والأموال والعقول في بلد الحضارات، علينا أن نقف جميعا وقفة رجل واحد لمكافئة المظلوم ومكافحة الظالم وتقوية أمصال حب الوطن والمواطن في الكثير منا، نكافح ونعالج ما فسد في أوساطنا ولا تأخذنا في ذلك لومة حزب أو طاغ مهما تفرعن ومهما امتدت جذوره داخليا أو خارجيا.وطالما طرقت مسامعنا أصوات نشاز تدافع عن الظالم المجرم وتتناسى المظلوم الضحية الذي تتمزق أشلاءه يوميا في الطرقات العامة لا لذنب اقترفه إلا إنه يدفع ضريبة نزق المجرمين الذين لا تتواشج أرواحهم الشريرة إزاء الحياة الحرة الكريمة التي يرنو إليها شعب ذاق الأمرين من ظلم الطغاة وتعسف الجبابرة العتاة، والحقيقة المرة التي نعيشها في ظل التقاطعات المقيتة بين الكتل السياسية، إن الدفاع عن المجرمين في السجون والتغاضي عن ضحايا الإرهاب بات ذريعة عند البعض للدفاع عن حقوق الإنسان، كلام حق يراد به باطل وهو غمط للمعروف وإجهار للباطل، وكل هذا يجري على المسرح السياسي ليس من الإرهابيين القابعين خارج الحدود وإنما من أناس يعتبرون أنفسهم من صميم العملية السياسية الجديدة في العراق!!. وهذه هي تداعيات المحاصصة التي فعلت فعلتها واستطاعت أن تبث سمومها دونما رادع، ليس أقلها إنها تعمل للمصلحة الخاصة وليست العامة، لأجندات خارجية وليست داخلية، لرغبات حزبية وليست وطنية، وإلا بماذا نفسر تلكؤ الخدمات واخترام الأمن وتعقيد الأمور الإدارية والمعاشية في بلد كالعراق، إذ يعتبر من أغنى دول العالم زراعة ومعادن وعقول!. ومن هنا تكون الوظيفة العمومية وما يترتب عليها من الحبس والعقوبة والقصاص وما شابه ذلك رهينة بوجود سلطة تنفيذية قوية يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين اللذين فيهما صلاح عامة الناس واستقامة أمورهم، وربما يمكن استفادة هذا مما روته الصديقة الزهراء عليها السلام: (الأمر بالمعروف مصلحة للعامة)، إذ أي أمر بالمعروف يمكن أن يكون مصلحة للعامة بمعناها الشامل إذا لم يكن للقائم به جهاز ذو قدرة وسطوة يقوم بذلك عن طريق الأجهزة المدنية والأمنية، ويكون ولاؤه للوطن لا للحزب، وللمواطن لا للقومية والطائفة، ولحب الجميع لا لحب يتأثر بلون أو جغرافية أو لغة أو عرق أو ما شابه ذلك من اعتبارات ضيقة تجانب التعددية الذائبة في بوتقة الوطن الواحد.
https://telegram.me/buratha