المقالات

الأسئلة البلهاء والقراءة الصحيحة

796 23:18:00 2011-08-08

حســـين الصـــدر

من التاريخ الى الجغرافية الأسئلة البلهاء والقراءة الصحيحة قديما قيل :الكلامُ صفةُ المتكلّمِ اننا لا نستطيع ان نحكم على شخصٍ بمجرد رؤيته ،ذلك لأننا لم نقف على حقيقته ،ومقدار ما ينطوي عليه من إلمام بالعلوم ، والثقافة ، والفنون ، ولكنّه اذا تكلّم ،وأصغينا الى كلماته ، استطعنا ان نعرف شيئاً ، مما يختزنُه من معارف ،وما يُحسنه من ضروب التعبير ، فتكون عملية الحكم له أو عليه، يسيرة سهلة .وهبْ أنه كان ذا رونق أخّاذ ، ومَظْهرٍ يَغُّر الناظرين ، فان ذلك لا يُمثّل الاّ القشر ونحن نبحث عن اللباب .وهكذا سارت العقلاء في حكمها على الناس ، فميّزت بين الغث والسمين ، وعرفت لأهل الفضل أقدارهم ، بينما ظل أصحاب ( البضاعة ) المتدنية بعيدين عن مواطن التكريم والاعجاب بهم .وأصبح الكثيرون منهم موضع التندر والسخرية .من هنا كان العلمُ نُوراً والثقافة زينة ، والأدب حليةً، لها ثقلها في الميزان .قصة طريفة :يحكى انّ رجلاً من أصحاب الهياكل الضخمة ومن ذوي المظهر البرّاق ، دخل الى مجلس عالم كبير ، كان يشكو من ألمٍ في رجله ، مما جعله معذوراً أمام طلابّه ، اذا مدّ رجله في مجلسه ، اثناء القائه الدروس ، مما دفع العالم الكبير الى تحمّل الآلام وهو يسحب رجله ، ويجلس كما يجلس الأصحاء الذين لا يشكون سقماً ولا ألما ، احتراما للقادم المُطّل بهيئتِه البرّاقة .وكان العالم ينتظر ان يستمع الى كلمات هذا القادم ، ليكتشف من خلالها حقيقته ، ولكّن القادم لازَمَ الصمت وكان صمته صمت القبور .وبعد ان مضت مدةٌ طويلة على هذا الصمت المزعج رفع عقيرته سائلاً :متى يُفطر الصائم ؟فأجابه العالم :اذا غربت الشمس وما كان من صاحبنا الاّ ان وجّه سؤالاً آخر فقال :واذا لم تغرب ؟فقال العالم :اذن فلأمدّ رجلي ...!!!لقد بانت شخصية السائل من خلال سؤالَيْه .والأسئلة البلهاء تقوم بدور التعريف والكشف عن شخصيات أصحابها وتُظهرهم على حقيقتهم وواقعهم بشكل جلّي لا لبس فيه .قال الشاعر :وما المرء الاّ الأصغران لسانُه ومعقولُه والجسمُ خَلْقُ مُصَوّرُ فانْ طُرّةٌ راقتك فاخبر فربما أمَرّ مَذاقُ العودِ والعُودُ أخضرُ ومن طريف ما أورده ياقوت الحموي في كتابه الشهير معجم الادباء ، القصة التالية ( التي ذكرها في ج 14 ص 58 - 59 ) ونحن ننقل مضمونها ، دون التقيّد بحرفية النص - :حضر رجل مجلس أبي عبيدة فقال :رحمك الله - أبا عبيدة - ما العنجِيد ؟قال : رحمك الله ما أعرف هذا قال السائل :سبحان الله أين يُذهب بك عن قول الأعشى :يوم تُبدي لنا قُتَيْلَةُ عن جِيدٍ تليعٍ يزينُه الأطواقُ فقال ابو عبيده :عافاك الله ( عن ) حرفٌ جاء لمعنىً .( والجيدُ ) : العُنُق .ان السائل يحفظ بيت الأعشى ، ولكنه يدمج حرف الجر ( عن ) بالجيد ، ويؤلف كلمة منكره هي ( العنجيد ) يحار في معناها ،ويسأل عنها بصيغته التي أنشأها ، وهي صيغة ما أنزل الله بها من سلطان كل ذلك لجهله ، ولبلاهته ....ثم قام رجل آخر فقال :يا أبا عبيدة ، رحمك الله ، ما الأَوْدع ؟قال أبو عبيدة :عافاك الله ، ما أعرِفُه قال الرجل :سبحان الله ، أين أنت عن قول العرب :زاحِمْ بِعُودٍ أوْ دَعْ ، فقال أبو عبيدة :ويحك ، هاتان كلمتان والمعنى : أوْ اترُكْ ، أَوْ ذَرْ ثم استغفر الله ، وجعل يدرس فقام رجلٌ فقال :رحمك الله ، أخبرني عن كُوفا ، أمِنَ المهاجرين أم من الأنصار ؟قال أبو عبيدة :قد رويتُ أنساب الجميع وأسماءهم ، ولستُ أعرف فيهم كُوفاقال السائل :فأين أنت عن قوله تعالى :( والهَدْيَ معكوفا )قال :فأخذ ابو عبيدة نعَليْه واشتّد ساعيا في مسجد البصرة ، يصيح بأعلى صوته: مِنْ أيْنَ حشرتِ البهائمُ عليّ اليوم ؟الغريب ان هذه الاسئلة البلهاء ،اجتمعت كلها في مجلس واحد ،فأخرجت أبا عبيدة عن طوره ، فخرج مسرعاً من المسجد ، شاكيا من اجتماع من سمّاهم ب ( البهائم ) ، ونحن لسنا مع هذه التسمية ، ونفضل أن نسمي الاسئلة بالاسئلة البلهاء والسوال الان :مَنْ منّا ، لم تواجهه في حياته اليومية ، أمثال هذه الاسئلة البلهاء ؟ان اصحاب هذه الاسئلة البلهاء ، يحفظون النصوص ،ولكنهم لا يستطيعون قراءتها بشكل صحيح ، وبالتالي تغيب المعاني عنهم ، ويتدحرجون الى سفح الجهل الفاحش ، وهم يحسبون أنهم من العارفين ...!!!ان هذا الفريق من الناس ، يشّكل شريحة مُتعْبه انها شريحة مَنْ لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري !!سألني مرة أحدهم قائلاً :ان الطبيب أمرني أن أدهن الموضع الفلاني من جسدي وهو موضع يُستقبحُالتصريح به فهل أتيّمم أم أتوضأ للصلاة ؟ان الموضع المدهون ، ليس من اعضاء الوضوء ولا التيمم فلماذا هذا الربط الباهت بينه وبين الوضوء والتيمم ؟وكتب أحدهم مقالة في احدى الصحف ، ويبدو ان مقالته كانت مقالة مطولة ، مما اضطره الى ان يكتب تحت القسم الأول منها هذه العبارة :( لهاتِلْوٌ ) أي أَنَّ لها قسماً تالياً فما كان من أحد القرّاء الاّ ان امتدح الكاتب العبقري ( لهاتلو ) مثمناّ مقالته الفريدة !! ليس المهم أن تقرأ ، وانما المهم أن تقرأ بشكل صحيح والأحداث السياسية كالنصوص المكتوبة ، لا بُدَّ ان تقرأ بشكل صحيح ومشكلتنا اليوم أننا قلَّ أنْ نجد من يقرأ بشكل صحيح ، مُجْملَ ما تمور به الساحة العربية من حراك ، وما تشهده من أحداث ان الكثير من المواطنين المتعبين ،صبوا جامَ غضبهم على ( الديمقراطية ) الفتيه في العراق وهذه قراءة خاطئة تبرأ منها ( الديمقراطية ) براءة الذئب من دم ابن يعقوب وكما اننا لا نستطيع تحميل ( الاسلام ) تبعات ما يُقدم عليه المسلمون من أخطاء وخطايا .كذلك لا نستطيع ان نحّمل ( الديمقراطية ) تبعات الممارسات الخاطئة ، والتطبيقات المشوهة التي يمارسها الذين ينسبون أنفسهم الى (الديمقراطية) انهم ديمقراطيون بمقدار ما تعود به عليهم الديمقراطية من منافع ....أما التوجهات العامة عند الجماهير فلا يرون أنفسهم ملزمين بها ، ما داموا في فُسحةٍ من الوقت ....وهذه هي المفارقة المحزنة .انّ مصير القراءات الخاطئة ، في كل الميادين الثقافية ،والعلمية ،والأدبية والسياسية ،واحد .انه المصير البائس الذي ينتظرهم جميعاً ودون أستثناء .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك