احمد عبد الرحمن
إذا كان الإرهاب قد مثل واحدا من أكبر وأخطر التحديات التي واجهت التجربة الديمقراطية في العراق الجديد بعد التاسع من نيسان 2003، وعرقلت مسيرتها عند بعض المحطات والمراحل، فإن الفساد الإداري والمالي كان -ومازال- هو الآخر واحدا من أكبر وأخطر التحديات في طريق تلك التجربة الفريدة في عالمنا العربي.كثيرون قالوا إن الفساد لا يقل خطرا عن الإرهاب، وهذا القول صحيح ودقيق جدا وأثبتته الكثير من الوقائع والحقائق طيلة الأعوام الثمانية المنصرمة، ولا يجانب الصواب من يقول إن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، أو من يقول هما بابان كل واحد منهما يؤدي الى الآخر.وإذا كان هناك آلاف الناس الأبرياء من أعمار وفئات وشرائح اجتماعية مختلفة قد سقطوا جراء العمليات الإرهابية بطرق ووسائل متنوعة، من السيارات المفخخة الى الأحزمة والعبوات الناسفة، الى كواتم الصوت، فإن أضعاف هذه الأعداد يعيشون ظروفا حياتية سيئة وصعبة للغاية هي في واقع الأمر أشبه بالموت البطيء بسبب تفشي واستشراء الفساد المالي والإداري في مختلف مفاصل الدولة ومؤسساتها.فضعف أو انعدام الخدمات من قبيل الكهرباء والماء الصالح للشرب والمستشفيات والمدارس والبطالة وغيرها هي ليست نتاج عدم توفر الأموال والموارد اللازمة والكفاءات والخبرات والقدرات المطلوبة لتعزيزها وتحسينها وتوفيرها، وإنما بسبب غياب السياسات الواضحة والصحيحة، وشيوع مختلف مظاهر وأشكال الفساد التي نسمع ونقرأ ونلمس أمثلة ومصاديق فاضحة لها يوميا.والأنكى من ذلك كله، إن الدولة، سواء الحكومة او البرلمان او القضاء، لا تتبنى إجراءات وحلولا ومعالجات من شأنها إصلاح الأوضاع وتصحيح الأخطاء، ووضع الأمور في نصابها السليم، وفي أفضل الأحوال تلجأ الى إجراءات وحلول ومعالجات ترقيعية قد يكون الهدف منها ذر الرماد في العيون أكثر منه شيئا آخر.والانكى من ذلك هو أن عمليات الفساد -لاسيما الكبرى- التي تلحق أكبر الأذى والضرر بحياة ومصير ملايين الناس، تقحم في غياهب الصراعات والمماحكات السياسية، وتوجه بطريقة تزيد الأمور سوءا، وتبرز سياسة الكيل بمكيالين او بعدة مكاييل بأوضح وأجلى صورها، ليبقى المفسدين أحرار طليقين يصولون ويجولون، لأن هناك من يحميهم.لا يمكن أن ننتظر إصلاحا حقيقيا ومعالجة جادة للفساد ما لم تبعد ملفاته عن التسييس وصراعات الكتل والأشخاص ومساوماتهم حول المناصب والمواقع والامتيازات.
https://telegram.me/buratha