حافظ آل بشارة
شهر رمضان يقدم للصائمين مفاتيح ابواب السماء ، ويدعوهم الى اغلاق ابواب الشهوات ، مشروع الهي متكرر للاندماج مع الغيب وتحقيق الكمال ، وهنا يكشف الشيطان مشروعه المضاد في اطار سياسة (لاغوينهم) ، ويتواصل الصراع بين الذين يريدون ان يبقى رمضان من اشهر السماء ، ومن يريدون ان يجعلوه من أشهر الارض ، منذ نزلت الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) اصبح هذا الشهر مشروعا لتحصيل صفة التقوى والتضحية من أجل المعشوق الأكبر ، مناسبة يراجع فيها العباد انفسهم ليقمعوا الشهوات ، ويخرجوا النفس من سلطانها لتتذوق الحرية ، عبودية الانسان لغير الله تعالى بكل ما يترتب عليها من مواقف ذليلة انما تأتي من شهواته ، لذا فشهر رمضان متصل بمعان ملكوتية فاغلاق باب الشهوات لساعات يفتح ابواب السماء ، وهذه لغة لا يدركها المنغمسون في مظاهر الحياة البهيمية وملذاتها المتراكمة التي رانت على الافئدة ، ما نشاهده في القنوات الفضائية اليوم من برامج رمضانية يعد محاولات لتجريد هذا الشهر من صفته الروحية وتحويله الى مناسبة وطنية سنوية تعلم الناس الابتعاد عن القيم المعنوية ، اي تحويل رمضان من صلته بأحد فروع الدين وهو الصوم وما يرمز اليه من البناء الروحي والأخلاقي الى شهر للطبخ وابتكار الأكلات واعداد الحلوى والتفنن والتندر في تحريض شهوة البطن ودفع الناس الى المزيد من الأكل حد التخمة والأذى واثارة الشهوات الجنسية باستعراض حشد من النساء اشباه العاريات من مقدمات البرامج والمذيعات والممثلات بدون مراعاة لحرمة الشهر ضمن برامج استعراضية تافهة بلا مضمون حافلة باللغو الفارغ والتهريج ، انها محاولة خطيرة لترويج الفهم اللاديني لشهر رمضان اي اخراجه من رمزيته الروحية الملكوتية وتحويله الى مفردة تراثية ضمن عادات وتقاليد المجتمع التي تكرس الاهتمامات المادية وتستبعد اخلاقية العفة والتقوى وتشحذ الرغبات المتدنية التي جاء شهر رمضان لتحرير الانسان من سيطرتها ولو بشكل مؤقت . حاولت بعض القنوات الاسلامية مواجهة هذا الانتهاك والتغريد خارج السرب فقدمت محاضرات لعلماء مغمورين لم يكن اغلبهم موفقا ، احاديث قديمة وباردة يقدمونها لاسقاط الواجب ، الامر الذي عزز اقاويل البعض بأن هذا الدين اصبح قديما وليس بوسع الانسان ان يأتي بجديد بعد 14 قرنا ، وهو قول متهافت فالدين يتجدد بتجدد الحياة وهو عامل رئيس في التطور والارتقاء ، وهذه هي معجزة الاديان ، اين ذهب اؤلئك العلماء الكبار الذين في حديثهم حياة القلوب ؟ هل هزموا وتواروا امام برامج الطبخ والتسوق والتمثيليات المفسدة والمسابقات التهريجية ، كيف يختفون الآن ؟ هذا هو وقت المواجهة بين من يريدون الاطاحة بروح شهر رمضان وتحويله الى مناسبة لاثارة الشهوات وذكريات للأكل والتهريج ومن يريدون ان يبقى رمضان شهرا يضع بين ايدي اتباعه مفاتيح السماء .
https://telegram.me/buratha