محمود شاكر شبلي
لقد كشفت حوادث اوسلو التي راح ضحيتها حوالي ثمانين مواطنا نرويجيا بريئا معظمهم بعمر الزهور على يد شخص نرويجي متطرف يكره ألأسلام يدعى( بريفيك), ومن ثم حوادث االشغب المستمرة لحد الان في لندن وغيرها من المدن البريطانية التي يمارسها شباب بريطانيون لا علاقة لهم بالأسلام عن صور مذهلة ومتنوعة من الأرهاب والعنف المدني الذي كانت أوربا تعتقد أنه مقتصر على المسلمين وأنه بعيد عن مجتمعاتها.
لقد حاولت وسائل الأعلام الغربية ومراكز الدراسات العالمية المتخصصة وبعض المراكز العلمانية المحلية خلال السنوات العشرة الماضية من الصاق صفة العنف وألأرهاب الفردي والجماعي بالمسلمين فقط دون غيرهم , مستغلين ممارسات وحشية أرتكبتها قطعان ضالة تدّعي الأسلام ظاهرا وهي بعيدة عنه باطنا . والقصد بالأسلام هنا هو الأسلام الحقيقي المعتدل الذي تؤمن به وتمارسه الاكثرية المطلقة من المسلمين الذي يدعو الى السلم والتسامح والخير والعدل والأحسان , وليس الصورة المشوهه للأسلام التي عكستها تلك الذئاب البشرية التي خرجت من بين صفوف المسلمين التي تدعو الى قتل كل من خالفهم وسلخ جلده وأنتهاك عرضه.
أن أحداث أوسلو وشغب لندن وما سيتبعهما من أحداث عنف أخرى متوقعة الحدوث في العالم الرأسمالي قد نقضت وأسقطت نظرية الأسلام ألأرهابي السائدة , وأكّدت أن الأرهاب لادين ولا وطن له , وأنه وليد الأنحراف والتعصب والتطرف الذي تتبناه بعض الجهات السياسية أو الدينية . وتأكيد على ذلك هو وجه الشبه الغريب بين ما أعترف به مرتكب مجزرة أوسلو من أسباب دعته لفعل مافعل بحق أناس أبرياء من أبناء جلدته حيث أوضح بأنه بما فعله انما يريد أن يحارب الأسلام ويوقف امتداده, وهو مشابه لمايفعله الأرهاب الأعمى في بلادنا حيث يقوم يوميا بقتل المئات من المسلمين الأبرياء بحجة مقاومة الصليبيين ومنعهم من الدخول لأرض الأسلام , ولا أدري هل هناك عمى و أنحراف عن جادة الصواب أكثر من هذا .
وأثبتت الأحدات أيضا بأن دعاة السوء وأئمة الضلالة وبعض السياسيين المدعومين من قبل الحكومات الديكتاتورية التي تحكم العالم الأسلامي منذ سنين طويلة والذين يروجون لأفكار ظلامية ما أنزل الله بها من سلطان هم الذين يشعلون جذوة الكره والأرهاب , مثلما تفعل بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا وبعض دعاة الكراهية أمثال عضو البرلمان الهولندي كيرت فيلدرز أو القس الأمريكي و اللذين وقفت الى جنبهما بعض الشخصيات والبرلمانات الأوربية وبعض الشخصيات المشبوهة الأنتماء ممن لها جذور أسلامية ضحلة.
ويقول البروفسور جون بيتس، وهو أستاذ في علم الإجرام ومستشار لكثير من الهيئات البريطانية إن كثيرين ممن تزعموا حركة الشغب في لندن معروفون بالفعل لدى السلطات في لندن، بينما الآخرون انجرفوا إلى ذلك العمل بدافع من التقليد . أي تقليد عتاة المجرمين الذين أستغلوا غضب الشارع تجاه قضية معينة وجنحوا بالموقف الشعبي نحو التدمير والتخريب, وهو نفس التقليد الأعمى الذي يتبعه بعض الشباب المتهور في بلداننا لشخصيات ارهابية معروفة, حيث أنك ترى بأن الأرهاب الذي دخل العراق قبل عدة سنوات وفعل الفضائع على يد الزرقاوي وغيره قد سلم الراية الملطخة بالدماء الى مجاميع منحرفة من العراقيين فاقت بوحشيتها اساتذتها أضعافا مضاعفة , ومثال على ذلك أستمرار استعمال السيارات المفخخة التي لاتميز بين شخص واخروكذلك عمليات القتل الفردي بواسطة المسدسات الكاتمة وعمليات ألأبادة الجماعية مثل جريمة عرس الدجيل التي قتل فيها الأرهاب بدم بارد عشرات الأطفال وعشرات الرجال و عشرات النساء قبل أغتصابهن , ثم ربطهم جميعا بأحجار ثقيلة ورماهم في النهر.
ويضيف البوفسور بيتس.. "من شأن النهب أن يجعل الأفراد العاجزين إجتماعيا يشعرون فجأة بقوة طاغية، وهو ما يمنحهم إحساسا بنشوة عارمة، وفي مثل هذه الحالة تصبح الأوضاع مقلوبة، فالصغار معتادون على تلقي الأوامر والتهديدات من الكبار، أما الآن فإن هؤلاء الصغار يفعلون ما يحلو لهم ولا يملك الكبار عقابهم." .."أن ذلك الشعور يعتمل داخل النفس حتى ليكاد صاحبه يسمع طنينا في داخله " وهو شعور بالإثارة الشديدة وفورة الحماس إلى الدرجة التي لا يستطيع المرء منها فكاكا، وذلك الإحساس بأنهم جماعة لا يقف في وجهها شيء، وهنا تكمن الخدعة لإن الجماعة نفسها ربما لا ترمي إلى شيء ، ولكن هناك زعماء لها هم من اللصوص الذين يوجهونها نحو متاجر المجوهرات او ماكينات صرف العملة أو القتل والتخريب وغير ذلك . ولو توفر لهؤلاء الشباب ألأنكليز مثلما توفر في بلداننا للمجاميع المنحرفة من سلاح وعجلات واموال لفعلوا مثلما يفعل الأرهاب عندنا أو أكثر ولأصبحوا قتلة محترفين بشعين .
ويقول البروفسور أيضا إن معظم المشاركين في أحداث أرهاب الشوارع ينحدرون من أحياء فقيرة ولم يعرفوا طعم الراحة في حياتهم وليس لديهم ما يخسرونه. فهؤلاء لا مهنة لهم ولا مستقبل، والمجتمع ينظر إليهم على أنهم "ليسوا مثلنا"، بل يعيشون بعيدا على الهامش، ولا شأن لنا بما يعتمل في داخلهم من غضب وإحباط وشعور بالحقد والاغتراب. وفي هذه النقطة أيضا من الممكن أن نجد تقاربا حيث أن أحد أسباب انتشار الإرهاب عندنا هو الفقر و الشعوربالأغتراب و القهر السياسي، ولو أن إرهابيين عديدين ينحدرون من أصول طبقية غنية مثل بن لادن نفسه وكذلك أن بريفيك في النرويج أو بعض قادة النهب والتخريب في لندن هم من الأغنياء أيضا ولكن الأكثرية الأرهابية التي تنفذ العمليات الميدانية هي من الفقراء أو الذين هم ممن يشعرون بالسوء من حكوماتهم.
ومثلما هي فلسفة سفاح النرويج التي يعتقد فيها بقصور التفكير العام لمجتمعه , وتفوقه هو ومبادرته للفت النظر تجاه قضايا خطيرة مثل انتشار الأسلام في بلده , فأن الأرهاب في بلداننا قد بدأ أولا بتشكيل العقل الأرهابي من خلال الأيمان بنظريات وضعها متطرفون صاغوا نظرياتهم التكفيرية الشهيرة عن "جاهلية" المجتمع والحق في معاقبته ثم مالبثوا أن كونوا تنظيمات ترى العالم رؤية متزمتة كفّرت المجتمع الأسلامي بالإضافة إلى الكراهية العميقة للأجانب باعتبارهم كفاراً وملحدين، وأنهم يشنون حرباً صليبية ضد دار الإسلام، مما يدعو إلى الجهاد ضدهم، ثم مالبثوا أن وجدوا من يمدهم بالمال والسلاح وبدؤا ممارسة عملهم في الداخل.
ولكن "بن لادن" قد قام بخطوة غير مسبوقة وهي أنه أضاف صفة العالمية الى الإرهاب حيث نقله من النطاق المحلي الموجه ضد المجتمع الأسلامي فقط إلى النطاق العالمي أيضا، بعد أن صاغ نظرية ,"خندق الكفر" و"خندق الإيمان" وانطلق في طريقه حثيثا لممارسة الإرهاب في الداخل والخارج وجلب لنا الموت والسمعة السيئة سويا , ولو تسنى لبريفيك الوقت والمال والسلاح لأوجد نظرية مشابهه لنظرية بن لادن و لفعل مافعله بن لادن .
أن حديث البروفسور عن مايحدث في بلاده يتطابق مع ما يحدث في بلادنا بنسبة عالية وهو دليل على أن الجميع يشربون من نفس الكأس وأن الأرهاب ليس أسلاميا وهو سواء كان في النرويج أو لندن أو في العالم الأسلامي فهو أعمى ولا يميز بين الحق والباطل بقدر مايهمه السلب والنهب وسفك الدماء وأزهاق أكثر عدد من الأرواح لجذب الأنتباه لمطالبه كما يزعم.
من المؤكد أن هناك أسبابا أخرى وراء انتشار ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي أو في أوربا لا مجال لذكرها, ولكن الإرهاب في كل مكان و مهما كان نمطه وأيّاً كانت الجماعات أو الأفراد التي تقوم به قد أثبت بأنه ليس مختصا بأحد وأنما هو وسيلة تخريبية وتدميرية بيد أفراد وجماعات منحرفة عن جادة الصواب ومتزمتة لايهمها أي دين أو مذهب وهو يقود بالنتيجة الى أشاعة الفوضى والخراب والدمار .
https://telegram.me/buratha