خضير العواد
ولد الإمام الحسن (ع) في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك للعام الثاني من الهجرة بالمدينة , وبذلك عم الفرح في بيت النبوة والرسالة لقدوم المولود الأول لهذا البيت المقدس والمطهر من كل دنس وأستبشرت الملائكة بمولده وأشرقت الأرض بنوره وملء السرور قلب المصطفى (ص) ففرح به فرحاً عظيماً وأستلمه بيديه الكريمتين وأذن في اليمنى وأقام في اليسرى وعق له كبشا وقال أسمه الحسن لأن ألله تعالى إنتخب له هذا الأسم المبارك القليل التداول في الجزيرة العربية أنذاك .لقد عاش الإمام الحسن (ع) مع جده رسول ألله (ص) حوالي ثمان سنوات ينهل من أخلاقه وعلمه وكريم صفاته , وكان رسول ألله (ص) يحبه وأخاه الحسين (ع) حباً شديداً فكان يكرر قول (أنهما ريحانتاي من الدنيا ) وكان يجثوا لهما فيركبان على ظهره ويقول ( نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما ) , فقد ورث الحسن (ع) من جده رسول ألله (ص) أخلاقه وكرمه ومبادءه وقيمه , ولقد أولاه جده رسول ألله (ص) أهتماماً كبير هو وأخيه الحسين (عليهما السلام ) وعمل بكل ما أمكنه ليبرزهما كأمامين وقائدين منذ طفولتهما فقد قال رسول ألله (ص) (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) و (الحسن والحسين سيدا شباب الجنة ) وكان يؤكد رسول ألله (ص) على أهمية موقع الحسن (ع) وضرورة الاهتمام والإلتفات حوله ويعلن للناس بالقول والفعل أن حب الحسن(ع) واجب شرعي ففي أحد الأيام وبينما كان الرسول (ص) جالساً في جماعة من أصحابه بالمسجد مرت فاطمة (ع) وهي خارجة من بيتها الى حجرة رسول ألله (ص) ومعها الحسن والحسين ثم يتبعهم علي (عليهم جميعاً السلام) فرفع رسول ألله (ص) رأسه الى أصحابه وقال : (من أحب هؤلاء فقد احبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني ) , لقد عاش الإمام الحسن (ع) خذلان الأُمة لأبيه (ع) بعد وفاة جده رسول ألله (ص) ومآساة أستشهاد أمه فاطمة (ع) .لقد أقام الإمام الحسن (ع) مع أبيه علي بن أبي طالب (ع) حوالي ثمان وثلاثون سنة ورافقه كل المراحل التي مرت فيها الأمة من أغتصاب الخلافة وأرث أمه من فدك وكسر ضلعها وصبر والده على كل هذا وتحمله أعباء الرسالة وأدارة شؤون الأمة فقد كان والده علي بن أبي طالب (ع) المرجع التي تعود له الأمة في شدائدها وكان يستقبلها بصدر رحب على الرغم من جفائها له حتى قال فيه الثاني (لولا علي لهلك عمر ) (لاأبقاني ليوم لست فيه يا أبا الحسن ) , ولاحظ كيف رجعت الأمة راكضةً مهرولة الى ألأسلام الحق المتمثل بأبيه علي بن أبي طالب (ع) تريد منه أن يديرشؤونها ويرجعها الى دين ألله القويم بعد أن أبتعدوا عنه , فأنتقل مع أبيه أمير المؤمنين (ع) الى الكوفة وشهد جميع حروبه ومعاركه واشترك معه في حرب الجمل ضد الناكثين ثم في معركة صفين ضد الباغين حيث قال رسول ألله (ص) (عمار تقتله الفئة الباغية ) ومن ثم معركة النهروان ضد القاسطين وهم الخوارج وكان ملازما له في السلم والحرب ويأخذ منه كل العلوم التي كانت عند رسول ألله (ص) وكذلك أخلاقه وجميع صفاته الكريمة لأن علي بن أبي طالب (ع) هو نفس رسول ألله (ص) وبعد أستشهاد أبيه أمير المؤمنين (ع) وقف الإمام الحسن (ع) موقفاً حازماً بعد رحيل والده أمير المؤمنين (ع) فعلى الرغم من عظم المصاب والخسارة التي منيت بها الأمة الإسلامية في فقدها لعلي (ع) إلا إنه (ع) وقف وهو يبث روح الحركة من جديد في صفوف الجماهير ويقتلع اليأس الذي دب في نفوسهم وبين لهم على إنه كأبيه المرتضى(ع) وهو من أهل البيت الذين أذهب ألله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا عندما قال (أنا ابن النذير , أنا أبن الداعي الى ألله بأذنه , أنا من أهل بيتٍ أذهب ألله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , أنا من أهل بيت فرض ألله مودتهم في كتابه ) وبعد وفاة والده أمير المؤمنين (ع) سار معاوية بجيشه بأتجاه العراق ولما علم سبط المصطفى(ع) بالأمر حشد الناس للدفاع عن الدين , فألتحق به جميع مكونات المجتمع الكوفي الذي كان يتكون من الشيعة المخلصين أمثال عدي بن حجر وصعصة بن صوحان وغيرهم ومن المنافقين الذين كان يمثلهم الأشعث بن قيس الذي قيل فيه (كان لعلي بن أبي طالب (ع) كما كان بن سلول لرسول ألله (ص)) أي كان رأس النفاق بالإضافة الى الخوارج الذين كان يريدون مقاتلة معاوية ولكن ولائهم لم يكن للامام الحسن (ع) وعامة الناس فجيش بهذه التركيبة كيف يقاتل وينتصر به , وبالمقابل استخدم معاوية بن أبي سفيان مكائده ودسائسه ومؤامراته فقد سخر المال في شراء ضعاف النفوس من القادة كعبيد ألله بن العباس عم رسول ألله (ص) وبقية المنافقين من القادة كألأشعث بن قيس وبذلك أهتز جيش الإمام الحسن (ع) وأنتشرت الشائعات التي أضعفت المعنويات لهذا الجيش المتكاسل للقتال أصلاً بالرغم من بقاء كبار وخلص الموالين لأهل البيت (ع) أمثال قيس بن سعد بن عبادة وصعصة وأخيه وعدي بن حجر وعدي بن حاتم الطائي وغيرهم كثير ولكن عددهم لم يكن كافي لمواجهة هذه الجموع المحتشدة لمقاتلة أبن المصطفى (ع) بالإضافة الى كثرة المنافقين والخوارج الذين يحيطون بهم وبالفعل وبعد إشاعة قبول الإمام الحسن (ع) للصلح مع معاوية وهو لم يحدث بعد ولكن هذه أحىدى خدع معاوية ومكائده فقامت مجموعة من الخوارج والمنافقين بالهجوم على فسطاط الإمام (ع) وسرقة محتوياته وقام أحدهم بطعن الإمام الحسن(ع) في فخذه وكاد أن يقتله لولا الخلص من الصحابة وبني هاشم الذين كانوا يحيطون بالإمام (ع) فنقذوه من عملية الإغتيال هذه , ففي هذه الأجواء والظروف قُبِلَ ألأمام الحسن (ع) الصلح مع معاوية بعد طرح فكرة الصلح من قبل معاوية وأعطى ورقة بيضاء للإمام (ع) وطلب منه أن يكتب شروطه وبالفعل كتب ألإمام شروطه وهي : 1-أن يعمل معاوية بكتاب ألله وسنة رسوله (ص) , وهذه ألتفاته الى الأمة بأن معاوية لا يعمل بسنة رسول ألله (ص) 2- أن يرفع السب عن أمير المؤمنين علي (ع) 3- أن لايطارد شيعة علي (ع) ولا يقتلهم ( وهذا البند من أهم العوامل التي أدت الى موافقة الإمام (ع) بالصلح لكي يحافظ على خلص أصحاب أبيه (ع) , لأن الإستمرار بالحرب بهذا الجيش المتحطم نفسياً يعني هلاك هؤلاء القادة الذين رباهم وأدبهم أمير المؤمنين (ع) والأمة في أشد الحاجة لهم وهي تعيش إنحطاط الوعي الإسلامي في ظل بني أمية وما رافقهم من منافقي العرب كعمر بن العاص أو المتخاذلين كسعد بن أبي وقاص وعبد ألله بن عمر وغيرهم ) 4- أن لا يعهد معاوية الى أحدٍ بعده بل الخلافة للحسن (ع) ومن ثم للحسين (ع) 5- الناس أمنون حيث كانوا . وبعد هذه الهدنة وموافقة معاوية عليها أُبتلية الإمام الحسن (ع) بمجموعة من الأصحاب الذين لم يدرسوا واقع الأمة والظروف بشكل جيد بل كانت الحمية والإندفاع الزائد لمقاتلة معاوية بن أبي سفيان قد جعلهم يأخذون مواقف رافضة للصلح حتى أن بعضهم كان يسلم على الإمام الحسن (ع) بمذل المسلمين وهذا كله يعود الى عدم معرفتهم بحقيقة الإمامة وعدم وعيهم بالواقع الذي تعيشه الأمة بالإضافة الى الإندفاع الزائد مع عدم مراعات المصلحة العليا للإسلام والمسلمين وعدم قرائتهم لمستقبل الأمة إذا خلا من أصحاب أمير المؤمنين (ع) كل هذه الأسباب جعلتهم لم يفهموا هذه الهدنة بالشكل الصحيح كما لم يفهم الكثير من الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب صلح الحديبية ما بين رسول ألله ومشركي قريش , وبعد اجراء الهدنة ترك الإمام الحسن (ع) الكوفة راجعا ً الى مدينة جده ينشر فيها علوم أهل البيت (ع) وتثبيت قواعد الأسلام وتعاليمه وتهيئة الأرضية الصالحة لواقعة الطف التي كان بطالها أبا عبد ألله الحسين (ع) أذ لولا صلح الإمام الحسن (ع) لم تكن هناك كربلاء ومن ثم لم يكن هناك أسلام فبالصلح وكربلاء بقى الأسلام عزيزاً عظيما , فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعثَ حيا وهذه بعض كلماته عليه السلام قال الإمام الحسن (ع) (من أحب الدنيا ذهب خوف الأخرة من قلبه ) (عليكم بالفكر فأنه حياة قلب البصير ومفتاح أبواب الحكمة) (من عَبَدَ ألله عبّدَ ألله له كل شئ )( صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به ) (خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع)
https://telegram.me/buratha