كريم الوائلي
يتقاطر عدد كبير من الصائمين في كل مساء من اماسي رمضان المعظم على طول الطرق المؤدية الى مكتب سماحة السيد عمار الحكيم ثم يلتم شمل الوافدين هناك وهم في سعادة وغبطة تجمعهم ألفة شهر رمضان وتوحدهم المواطنة العراقية واروع ما يتجسد في مكتب السيد عمار الحكيم هو ذلك الخليط الزاهي المزغرف للمكونات العراقية المختلفة حيث من المعتاد ان تسمع هناك كل اللهجات العراقية واللغات القومية وكأنك في روضة زهرية اختلفت رياحينها وألوان زهورها وتوحدة في آصرة قرئآنية وامتزجت في بودقة اهل البيت عليهم السلام . وتعد ، بحق ، امسيات مكتب السيد عمار الحكيم من اكبر الاماسي الرمضانية في بغداد ان لم تكن اكبرها على الاطلاق واكثرها تنظيما وانتظاما وفي اجواء مشبعة بالايمان وفي فضاءات تغمرها الافاضات الروحية ويتفرد فيها صوت القرآن المجيد وهو يخترق حجابات الانفس المتعبة من هموم الحياة اليومية في قيض لاهب وخدمات متدنية وضروف عمل يومي مجهد ومع هذا ترتسم على وجوه مريدي المجلس الحكيمي سيمياء الخشوع والسكينة في تماهي قل نظيره مع التراتيل والتلاوات القرآنية الكريمة ، ويستطيع المرء ان يلمس ذلك في الصمت المطبق الذي يجلل القاعات انصاتا للقرآن العزيز ولمحاظرة سماحة السيد عمار الحكيم .فالقرآن الكريم ، وهو الذي يخشع له الجبل اذا وضع عليه وهو الذي قد من حجارة صماء ، عندما تصدح به حناجر المؤمنين في دارة الحكيم يلقي بسكينته على افئدة العشرات بل المئاة من الصائمين المنصتين له فيثير فيهم كوامن النفحات الرسالية للاسلام المحمدي الاصيل حتى تغرق المقل بمياهها ، ويضخ في ارواحهم قوة الايمان والصبر على مكاره الازمات التي تعصف بهم من جراء اخفاق الحكومة في الإيفاء بتعهداتها معهم يوم هرعوا كالسيل الجارف الى صناديق الاقتراع آملين بعراق معافى من الاوجاع . حقا ان القرآن الكريم يمنح مستمعيه من رواد مجلس الحكيم روح جديدة تتطلع بعزيمة الى يوم جديد ويجعل من هولاء المؤمنين قوة مضمونه لبناء وطنهم وصيانة بلدهم ويمدهم بوسائل الصبر والمنعة والتحدي . وبعد الانصات للقرآن الكريم يبدء الانصات الى محاضرة سماحة السيد عمار الحكيم سليل الدوحة الرسالية وابن مدرسة آل بيت الرسول الاعظم (ص) الاشراقية فيلقي الاضواء على الآيات الكريمة ويغوص في عمق المعان القرآنية حتى يستخلص منها العبرة التي تمسك بتلابيب الروح البشرية وتغمسها في البهاء الالهي الذي خيّم على الحضور بسكينته ووقاره ، وفي ذلك الحين يبهرنا هذا الصمت الذي يغشى على الحضور وكأن هذا الحشد الكبير قد حط على رؤسهم الطير . . فلا نأمة ولا همسة والكل انشغل بمتابعة محاظرة السيد الحكيم كلمة بعد كلمة وقول بعد قول وهو يتحدث بألهام متنقلا بين القرآن الكريم وبين سجايا الثلة الرسالية التي تأدبت بأدب القرآن ، ونعنى بها ثلة الأئمة الاطهار من آل محمد (ص) ، الذين تزينت بيوتاتهم بزغب اجنحة جبرائيل عليه السلام وهو يتجلى لجدهم هابطا برسالات ربه .ولطالما تسائلنا كأعلاميين عن سمو الانصات الذي يظلل قاعتان تتسعان لاكثر من الفي مستمع اثناء ما يكون السيد عمار الحكيم يلقي محاضرته ونحن الذين نشكوا من لغط ودوي قاعات الفنادق والمؤتمرات والمسارح حتى تتصاعد الاحتجاجات طالبين من الحضور الخلود الى الهدوء دون جدوى فنعجز من متابعة كلمات المتكلمين وتصريحات الساسة في حين تأخذنا الحيرة ازاء ما نرى من الصمت والسكون التام في اماسي السيد الحكيم وكأن مريدي السيد طلبة دراسات عليا في حين ان غالبيتهم من الكادحين الذين ضرجتهم قسوة الكدح وظلم الحكام المفروضين عليهم لقرون طوال . .
https://telegram.me/buratha