السيد حسين الصدر
قال الشاعر :ما أقبح التزهيد مِنْ واعِظٍ يُزَهِّدُ الناس ولا يَزُهَدُ مهمةُ الواعظ ،مهمة شاقه لابُدّ ان يتوفر صاحبها على التقوى ، والعلم ،والقدرة على اقتحام القلوب بالأسلوب العذب ، والكلمات المؤثرة التي تنساب الى أعماق الوجدان فتُحدث التغيير .....وهو لا يكون كذلك ما لم يكن واعظاً متعظاً ،يطبّق ما يقول على نفسه، قبل ان يطلب تطبيقه من الآخرين .وحين ينتصرُ على ذاته ،يكون قادراً على ان ينتصر على غيره ....انّ الوعاظ كثيرون ،ولكن المؤثرين منهم قليلون لم تتطابق الأقوال منهم مع الأعمال فباءت مساعيهم بالفشل .قال سليمان بن مَعْبَد :يا آمَر الناس بالمعروف مُجتهداً وانْ راى عاملاً بالمُنكر انتهرَهْ إبدأْ بنفسك قبل الناس كلّـــــــهم فأوْصِها واتلُ ما في سورةِ البَقرهْ أتأمرون بِبِّرٍ تاركينَ لَــــــــــــهُ ناسينَ ذلك دأبَ الخُيّبِ الخَســــــــرَهْ وانْ أَمرتَ ببّرٍ ثُمَّ كنتَ علـــــى خِلافِهِ لم تكنْ الاّ من الفَجـــــــرَهْ قصة بليغة دعيتُ مرّة الى حفل تكريمي أُقيم للاحتفاء بأحد الأعلام - وهو فقيهٌ محقق وذو باع طويل في علوم الشريعة - .وألقى مُقيمُ الاحتفال كلمة ترحيبه أشاد فيها بالرجل ، ومكانته العلمية ومناقبيته في إجراء معهود في مثل هذه المناسبات ....وحين جاء دور الضيف المُحتفى به ،أَقْسَمَ ،أنه لو كان يعلم ان الحفل سينطوي على ما انطوى عليه ،من كلمات المديح والثناء بحقه ،لما حضر زهداً منه بكل الأماديح .قال ذلك ودموعُه تترقرق في عينيه لتكون الشهادة الصادقة على طُهر ذاته وسريرته وبُعْده عن كلّ مظاهر البهرجه .ولقد وعظنا بأفعاله قبل ان يعظنا بأقواله .لقد كانت تلك الدموعِ المترقرقة في عينيه بمثابة الغيث الذي يحي الأرض بعد موتها .لقد أحيى القلوب ،وهزَّ الضمائر وغمر النفوس بفيض روحانيته العالية .وهكذا هو الواعظ المتعظ في قوة نفاذه الى الأعماق .أما الواعظ الذي ( يُزهِّدُ ) الناس ولا ( يَزْهَدُ) - على حد تعبير الشاعر - فهو صاحب الحظ الأدنى وليس صاحب الحظ الأوفى في ميدان اجتذاب القلوب وتصحيح المسارات الملتويه والانحرافات السلوكية عند جمهرة المستمعين .ويبدو ان بعض كبار المسؤولين في العراق الجديد قد ركبوا هذه الموجة موجة المواعظ الذهبية فانطلقوا ليخاطبوا الجماهير بنبراتٍ غاب عنها وَهَجُ القدرة على الاقناع والنفاذ الى الاعماق .لا بل كان بعضهم مدعاةً الى السخرية كما هو الحال مع مَنْ دعا العائلة العراقية ،برمتها ان تجتمع في غرفة واحدة لتستفيد من جهاز التبريد ترشيداً للاستهلاك ...!!!قال ذلك وفي كل شبر من بيته ،لا في كل غرفة، تبريدٌ لا ينقطع آناء الليل وأطراف النهار .انها الموعظة الباردة والبضاعة الكاسدة .وأخطر المواعظ كلها دعوة السلطويين للألتزام ببنود الدستور والحفاظ على الدقة في تطبيق القوانين وهي مواعظ ذات رنين لو كانوا قد التزموا بتطبيقها على أنفسهم قبل الدعوة الى تطبيقها من قبل الاخرين !!انهم يعطلون بعض النصوص الدستورية فيعهدون الى أعضاء في مجلس النواب - لهم صفتهم التشريعية- بأعمال تنفيذيه وهذا ما لا يقره الدستور .وانهم يتحايلون على الدستور حيث يزرعون من يشاؤون في مواقع مهمة، ومناصب خطيرة، دون الحصول على موافقة مجلس النواب ويسندون اليهم المهام بعنوان الوكالة ...!!!حتى قيل ما أكثر الواوات ...!!!وانهم يتأخرون عن تقديم الكشوف لذممهم المالية خلافا لمتطلبات القانون .!إن الاختراقات والتجاوزات والانتهاكات للدستور والقوانين المرعيّه عند الكثير من السلطويين أكبر من ان تحصيها مثل هذه المقالة الوجيزة ..!!
من هنا يحق لنا ان نناشدهم قائلين :عليكم أن تبروا بما أقسمتم عليه .وكونوا وعاظاً متعظين ،بَدَلَ ان تكونوا وعّاظاً متحذلقين .حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha