محمود شاكر شبلي
أيهما اخطر؟ أيهما يفزعنا أكثر, تماسيح البشر أم تماسيح النهر؟
لأيجاد رابط بين مايحدث في بلادنا من تغيّرات سياسية وأجتماعية قادت الى ظهور التماسيح البشرية , وبين مايحدث من تغيّرات بيئية أدّت الى ظهور التماسيح النهرية لابد من أن نلقي نظرة على عالم التماسيح النهرية والتماسيح البشرية. والنوعان كما تعلمون تجمعهما صفات مشتركة سنشير اليها ولكن الصفة الأدق وألأشمل التي تجمعهما هي القتل , حيث ان التمساح البشري هو عبارة عن قاتل مباشر أو غير مباشر طليق يعيش بيننا في البر , والتمساح النهري هو عبارة عن قاتل مرعب يعيش في النهر.
لقد سمعنا بوجود التماسيح في نهر النيل أو في نهر الأمازون أو السند ولكن ظهور تماسيح في نهر الفرات..!! لم يسبق أن سمعنا بذلك أو قرأنا عن ذلك..و سبب تواجدها بالتأكيد هو من اختصاص الأكاديميين والمتخصصين بهذه الأمور أن بقي لهم وجود في بلادنا ولم تلتهمهم تماسيح الأرهاب أو السياسة.
لنحاول أن نعرف شيئا عن التمساح أولا ثم لنحكم على واقعية المقارنة وحاجتنا اليها..أن التمساح هو حيوان مفترس و خطر جدا يعتبر عملاق البحيرات و الانهار و المياة المالحة , وهومخلوق اسطوري أستطاع ان يحافظ على نفسه كل هذة السنين حيث يرجع تاريخ وجوده الى أكثر من 250 مليون عام . وهو يتمتع بطبيعه انتهازية فهو ان عاش في بيئة ما فأنه يتغذي علي كل مايقع تحت نظره في هذه البيئة سواء كان طيور او ثدييات او اسماك او برمائيات و أيضا أى شيء يقترب منه من على اليابسة . وهو بطبعه لا يتقيد بنوع معين من الطعام فهو ينتهز الفرص لينقض علي فرائس اكبر حجماً ليقوم بطحنها بين انيابه بكل ضراوة . و يقوم التمساح عادة بأغراق ضحاياه قبل أفتراسها.
والتمساح شره ايضاً , ولنتخيل انه سقطت امامه فريستين في الماء فأنه يهاجم الفريسه الاولى ويقضي عليها ويخفيها تحت فروع الاشجار او بين نباتات الجرف او في اي مكان اخر امن ثم يبحث عن الفريسة الثانية ليفترسها هي الاخرى. ويرجع هذا لطبع خاص لديه وهو انه يقوم بتخزين بعض الغذاء للأوقات الحرجه التي يقل فيها الطعام ,كما هي طباع الكثيرين.
و سأضيف معلومة يسيرة أخرى تخص بكاء التماسيح ومانراه اليوم من بكاء ونحيب يمارس من قبل التماسيح البشرية... ذكرت الروايات و الأساطير القديمة أن التماسيح تبكي وتذرف الدموع قبل انقضاضها على صيدها وعند التهامها هذا الصيد, فانتشر هذا الاعتقاد الاسطوري في الأوساط الادبية وبالتالي ورد ذكر عبارة ( دموع التماسيح ) في مختلف كتب الشعر والأدب وقد استخدم الادباء هذه العبارة للتعبير عن الدموع الزائفة والبكاء المضلل والذي يأتي به المرء في الظاهر بينما هو يضمر شيئ أخر ,أما من الناحية العلمية والواقعية فإن هناك تفسيران لدموع التماسيح .. ألأول يقول أن التماسيح لا تبكي ولا تعرف الدموع وان مانراه في عيونها ماهو الا قطرات ماء متبقية, أما الرأي الأخر فيقول أن التماسيح تتخلص من الملح الزائد الموجود في طعامها عن طريق الدموع حيث أن الدموع تبدأ بأغراق العينين عند ممارسة عملية الهظم, ,وخاصة اذا كانت فريسته دسمة وسمينة (ومربربة).
ولكن و رغم كل شيء فأن هذا النوع من التماسيح يعيش في الماء أوقربه وبالأمكان الحذر منها وتجنبها أو حتى قتلها.
ولكن السؤال الملّح هو هل نستطيع الحذر من تماسيح البشر وتجنبها أو قتلها؟
تلك التماسيح التي تعيش بيننا وتنهش فينا من الداخل, في ثروتنا , في أمننا , وتهدد وجودنا ومستقبلنا ومن ثم تذرف الدموع علينا مدرارا بعد أن تهظمنا.
في زمن غلبت شهوة المال والجاه و صارت القيم حصانا يمتطيه الممتطون الوصوليون لبلوغ مرماهم , اصبحت التماسيح البشرية هي صاحبة التأثير الأكبر , وشعارها (أن لم تكن تمساحا على الأرض أجردا كثير الأذى , بصقت عليك الضفادع ).
وأخذنا نشاهد في بلادنا تماسيح الأقتصاد والمال ورأيناهم كيف يتنافسون للكسب المشروع وغير المشروع , و أخذنا نسمع بتماسيح السرّاق والقتلة وكيف يتقاتلون على الغنائم ومناطق النفوذ , وسمعنا ورأينا ومازلنا نر تماسيح السياسة وكيف يتصارعون على المناصب والمكاسب ,و سمعنا وعرفنا بفضائح تماسيح الرياضة وكيف يغشّون ويتعاطون الرشى لأعتلاء رئاسة الأتحادات ,و سمعنا ولمسنا تماسيح الفن والصحافة والأدب والمجتمع الذين يسيطرون على حركة الفنانين والكتّاب والشعراء ويلتهمون من خالفهم ويسامحون من مشى منزويا الى جانبهم, وسمعنا عن تماسيح الموانيء والمراكز الحدودية وكيف يكسبون , وتماسيح الوقود وكيف يثرون , وتماسيح السجون وكيف يتامرون ويهّربون المجرمين, وتماسيح المقاولات وغيرهم من التماسيح التي كانت مختبئة و ظهرت بعد أن سقطت الأقنعة, ولكن أن نسمع عن تماسيح في شطوطنا فهذا أمر غريب وقد يكون أمر دبّر بليل أ.
قد يكون بعض أنواع التماسيح الذين أشرت اليهم قد نزع ملابس التحضر التي يتنكّر بها وأنساب الى الفرات وعاد الى وضعه البايلوجي الحقيقي ألأصلي وبالتالي تم اصطياده من قبل الشرطة .. ومن الممكن أيضا أن تلك التماسيح كانت موجودة أصلا ولكننا لم نكن نلاحظ وجودها لأنشغالنا بالحروب ومن بعدها بالمفخخات والكواتم والأزمات وصراعات الحكومة وتهريج النواب , وأنها كانت تتسلل الى اليابسة بين الحين والاخر بسرية وتتخذ أشكالا انسانية وتلبس البدلة والربطة وتعيش بيننا كما يتسلل الأرهاب بغفلة عن أعين قواتنا الأمنية.
وأصبحنا بعدها نجد بعض التماسيح البشرية تلبس لبوس الوطنية وتحمل السلاح بحجة مقاتلة عدو وهمي ولكنها في الحقيقة تتامر لقتلنا و تخطط لأذلالنا ,وبعضها ترشح للأنتخابات وتفوز ولا تخسر ,وبعضها تقود السيارات الفارهه وتتبختر , وبعضها تحصل على الأيفادات والعمولات , وبعضها تتشدق بالشعارات الفارغة , وبعضها تتقلد المناصب , وبعض... وبعض...
ويا ويل يا ويل لبعضنا لو وقع بين فكّي بعضها.
انها تماسيح البشر التي تتوالد وتتكاثر وتنشطرولاتتوقف عن التكاثر وألأنشطار كما هي خلايا السرطان ..
انها تعرف طريقها وتعلم كيف تختبيء بين الناس وتقلّد تصرفاتهم ومن ثم تغرق عينيها بالدموع أسى عليهم..
قد يكون هو قدرنا اننا خلقنا في عصر التماسيح البشرية ..
عصر تحتضر فيه القيم ويولد فيه الرعب من رحم الجهالة والطمع...
وقد يكون قدرنا أن الطغيان الأزلي كان في عصرنا هو الأشد والأقوى..
فمن طغيان الحاكم التمساح الأكبر, الى وحشية بهائم وتماسيح الأرهاب , الى فتك تماسيح المال والسياسة ..
فأننا سقطنا فريسة بين فكوك تماسيح البشر..
والأجيال الجديدة تولد أما مسوخ وأما ميتة..
أن أمتنا تحتضر وتلوكها التماسيح , و انها مأساتنا..
نعم مأساتنا التي سببها لنا بأختصار ضعفنا وخور عزيمتنا ..
وشيء من بشر.. وشيء من تماسيح..
و أصبحنا نجد أن التماسيح النهرية ذات شر أهون , فهي لا تؤذينا الّا بمقدار محدود ولا علاقة لها بمصيرنا ومستقبلنا.
ماالحل اذن..؟ ولماذا كل هذا يحدث لنا ؟ وكيف الخروج من بين فكوك التماسيح البشرية..؟
لا أدري..!!
وهنا أجد ان لامعنى للتساؤل..أيهما يفزعنا أكثر ,تماسيح البشر أم تماسيح النهر ؟؟
فالجواب واضح وبديهي ولا يحتاج الى برهان.
https://telegram.me/buratha