بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين باريء الخلائق اجمعين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد الأنام حبيب إله العالمين وسيد الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعداءهم من الأولين والآخرين الى قيام يوم الدين .
عظم الله أجورنا وأجوركم أخوتي الأعزة أخواتي الكريمات بمصابنا بأبي الأئمة الأطهار الأمام امير المؤمنين (ع) وأبتهل الى الله العلي القدير ان لا يفرق بيننا وبين أمير المؤمنين (ع) وولاية طرفة عين أبدا ، وأن يجعلنا من الآخذين بثأره والسائرين على دربه .
الحديث عن مسألة مقتل أمير المؤمنين (ع) ليس حديثا عاديا إذ أن المقتول هنا ليس أي شخص وإنما هو إمام الهدى الأكبر بأبي وأمي . ورغم أن شيعة أمير المؤمنين (ع) يمارسون الحزن كل بطريقته في مثل هذه الأيام إلا أن من الواضح أن توقفا جديا عند حركة النفاق الأجتماعي التي أدت الى ان تبرز ظاهرة الخوارج وهي الظاهرة التي أستغلها الطغاة لكي ينالوا من مشروع العدالة الأجتماعية ولكي يطبروا هامة أمير المؤمنين (ع) وهو في محراب عبادته . إن أهمية دراسة هذا الموضوع هو لأنه حديث عن الساحة الداخلية فحينما تتعامل مع العدو أي عدو ، فطبيعته أن يفرز نفسه خارجا عن ساحتك ويقول لك أنا العدو بأعماله وأفعاله ولسانه ورايته فيبرز عداءه . ولكن مثل هذا العدو لم يتحدث القرآن الكريم عن التحذير منه لأنه عدو وطبيعة الأنسان انه يحذر من عدوه ، ولكن حينما تحدث عن المنافقين أشار الى ( أنهم هم العدو فإحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) . ترى حينما يكون خطاب القرآن بالحذر من المنافقين فأي حذر لدينا نحن الذين نعيش آلاما في ساحاتنا الداخلية ربما تفوق الآلام المسلطة علينا من الساحات الخارجية .
كم وكم من إهتم بدراسة وتشخيص حركة النفاق الأجتماعية ، هذه الحركة التي أثبتت عبر حركة الخوارج أنها تستطيع أن تنال من أعظم المقدسات من دون أن تبالي ومن دون أن تهتم حتى . وإلا فإن هذا الوضع الذي رأيناه في صفين وسرعان ما رأيناه في معركة النهروان لم يكن وليد معادلة فجائية فالقرآن تحدث عن ظاهرة النفاق وأسبابها وكيف يكون الأنسان منافقا وما هي علامات المنافق وطبيعة تصرفات المنافق أشار اليها القرآن بطرق عدة . ولكن وللأسف الشديد مثلما لم يهتم المسلمون الأوائل بتشخيص حركة النفاق ، لازلنا نحن كما كان العهد السابق لا يوجد في مقدرتنا أو بعبارة أصح في رغبتنا جهد من أجل تشخيص حركة النفاق . هذه الحركة إن رأيناها قد تصدت للنبي (ص) في بيعة الغدير ، وإن رأيناها قد تصدت لمسألة إفزاع المسلمين في معركة احد ، وإن رأيناها تتمثل في تهويل الخطب على المسلمين في معركة حنين ، وإن رأيناها في رزية الخميس ، وإن رأيناها في يوم باب فاطمة (ع) فلازلنا نشهد كما كنا في السابق وسنبقى نشهد أمثلة متعددة لهذه الظارهرة . وإلا فإن أولئك الذين سيأتون الى الأمام (عج) ويقولون له ( إرجع يابن فاطمة لا حاجة لنا بك ) فمن أين هؤلاء ؟ ، هؤلاء ليسوا من الخارج ولا يعلنون العداء برايات واضحة ولكنهم هم العدو فإحذرهم قاتلهم الله .
ترى إن دراستنا لهذه الظاهرة هل تتناسب مع مطلب القرآن الكريم بالحذر المشدد وبعنونتهم بهذا العنوان الذي يعبر عنه سبحانه وتعالى ( قاتلهم الله ) ؟ . فعبد الرحمن ابن ملجم (لع) هو شخص ولكنه أشار الى أن هذه الظاهرة يمكن أن تتسبب بأعظم الأخطار على الأمة ، وما بين أن نراه في يوم يخاطب أمير المؤمنين (ع) " إني أحبك يا أمير المؤمنين " وفي يوم آخر في شهر رمضان وفي ليلة القدر الصغرى يحمل السيف ويطبر هامة أمير المؤمنين (ع) في أثناء السجود ! ، فكم من إثم وإثم قد ترتب في هذه القضية ؟ . ونحن للأسف الشديد في كثير من الأحيان إنشغلنا بالحزن دون دراسة هذه الظاهرة حتى نبقى في حذر منها مثلما هددت امير المؤمنين (ع) وإستطاعت ان تفت في عضد مشروع العدالة السماوية الكبرى وبالنتيجة هيأت لقتل الأمام الحسن والأمام الحسين عليهما السلام . فإن مثل تلك الحالة يمكن ان تبقى تأخذ منا وتلكؤ من جراحنا بدواخلنا لأننا لا زلنا غير مهمتين بشكل حقيقي بهذه القضية وبمظاهرها . ودعوني هنا أذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، ماجرى في حادثة الدجال " قاضي السماء " فإن كثير من الذين قاتلوا معه كانوا متدينين بسطاء . بل حينما نظرنا الى صورهم وجدنا ان قسما من هؤلاء نعرفهم بتدينهم ولكن حينما يأتي النفاق يغطي على كل شيء وحينما تعلو موجته يغرر بالأنسان ويطاح به إما لعاطفته وإما لقلة وعيه .
فمالذي جرى في صفين بحيث أن من كان يقاتل مع أمير المؤمنين (ع) ، يخرج ويقاتل أمير المؤمنين (ع) ! ، فهل تتصورون ان هذا الحدث حدثا عاديا ؟ . نحن لا نستغرب أن معاوية يقاتل عليا (ع) فمثل معاويا كفيل بأن يقاتل مثل أمير المؤمنين (ع) كما كان أبو سفيان يقاتل مثل الرسول (ص) ، ولكن أن ينقسم جيش امير المؤمنين (ع) ويتحول قسم منه الى مقاتلين ضده ويلجؤنه الى ان يقبل بقرارات لا يرضى بها وهو ينادي ( لا أرأي لمن لا يطاع ) فهذا الوهن إنما جاء من الداخل . فما هي مظاهره ؟ . إنه شبهة أولى أو خديعة أولى طرحت من قبل الأعداء فتلقفتها حركة النفاق عبر الأشعث ابن قيس وأمثال الأشعث ابن قيس (لع) فرفعت المصاحف وهم يعرفون جيدا ما هي علاقة معاوية بالمصاحف فهو لم يعرف المصاحف إلا يوم أحس أن أيامه باتت معدودة . فتلقفتها حركة النفاق وأخذت تعمل على إثارة الأجواء العامة في جيش أمير المؤمنين تحت ذريعة أن لا نقاتل من أجل الوحدة بين المسلمين وحقن دماءهم وصاروا متشرعين اكثر من أمير المؤمنين (ع) نفسه . إذن مالفارق بين هؤلاء وبين من سيأتون الى الأمام (عج) ويقولون له ( إرجع يابن فاطمة لا حاجة لنا بك فإن دين جدك بخير ) ويشرعون على نفس الأمام المعصوم (ع) . ثم سرعان ما انتجت حالة التغرير التي حصلت والعواطف البلهاء التي كان البعض ينظر فيها الى المصحف بعنوانه وريقات ولا ينظر اليه بعنوانه المشروع الألهي الذي يجب ان يتجسد في الأرض .
وسرعان ما أخذت هذه العواطف الساذجة تتحول الى فكر تحت منطق " لا حكم إلا لله " ، وفي البداية قال لهم أمير المؤمنين (ع) إن هذه خديعة فلا تقبلو بها ، ( ويحكم ليس بينكم وبين معاوية إلا سويعات ) ، ومالك الأشتر كان يناديهم ( أمهلوني ساعة واحدة وأنا آتيكم برأس معاوية ) ، فالأمام يضغط عليهم ولكن حركة النفاق تمكنت من ان تصنع جوا من الأثارة في ضعاف النفوس الذين يتصورون ان الشرع في أيديهم وهم من يقرر الشرع لا أمير المؤمنين (ع) . وعندنا اليوم ظاهرة من يشرع للمرجع وأنتم تلاحظنها كثيرا في أوضاعنا ، واليوم قد نشرع للمرجع في قضايا بسيطة ولكن حينما تأتي القضايا الحاسمة والكبرى فقد نشرع ما هو اكبر من ذلك . لذلك حينما حصلت مثل هذه الظاهرة في صفين فعليكم أن لا تتصوروا انكم في منأى عن مثل هذه الظاهرة فهذه الظاهرة لا زالت تتحرك والقرآن الكريم لم يقل عبثا ( هم العدو فإحذرهم ) . فتراهم رفعوا شعار " لا حكم إلا لله " وبدأوا يخاطبون الناس بالقول ان أمير المؤمنين (ع) إذا حكم رأيه في كتاب الله فعند ذلك هو الخارج على كتاب الله ، وإذا كان الحكم خاطئا فلماذا قبل به مع انهم هم من ألجأوه اليه حتى يقول (ع) لم يبق معي إلا أفراد من آل أبي طالب !!! . فحركة صفين الطويلة والعريضة والكبيرة عندما جاءت حركة النفاق أصبحت مشلولة بشكل كبير . وفي ذلك الوقت خرجت هذه الجماعة ولما خرجت كم فتت في عضد جيش أمير المؤمنين ؟ ، ثم سرعان ما تحولوا الى مقاتلين أشداء ضد أمير المؤمنين فعلى ماذا ؟ .
" إن الحكم إلا لله " على سبيل المثال هل يسري فقط على امير المؤمنين (ع) أم على معاوية أيضا ؟ ، ولماذا يقاتل أمير المؤمنين (ع) ولا يقاتل معاوية ؟ . لذلك تعرفون ان هذا الشعار لم يكن شعارا مبينييا على أساس موقف تشريعي وإنما (هم العدو ) فإتخذوا هذا البرقع وهذا اللثام ووضعوه امامهم لضرب الهدى من الداخل . وإنسحب جيش أمير المؤمنين (ع) وجاء الى النهروان لأنهم بدأوا يقتلون بالمسلمين فكم هي المسافة وكم أخذت من وقت وكم فتت في عضد هذا الجيش فلك ان تحسب ذلك ؟ . وبعد ذلك لم يمهلوا امير المؤمنين أياما كثيرا حتى كانت الأحداث تتبلور عن ظهور ظاهرة " عبد الرحمن ابن ملجم " . وهذه الظاهرة لو درستموها في معركة كربلاء فستجدون هذا الشعار ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) أحد مظاهر هذه الحالة ، فأن يصلي مسلم بن عقيل (ع) صلاة المغرب بثمانية عشر ألفا ، ثم بعد صلاة العشاء لا يجد أحدا يؤيه فهنا يمكن لك ان تعرف حجم الكارثة التي يمكن ان يلحقها النفاق في حركة الهدى . وهذه الظاهرة جاءت نتيجة وعي ساذج ونتيجة بساطة في التفكير ونتيجة خداع يحصل من قبل الأعداء ويتسرب كالماء في الملح من دون أن ينظر الأنسان الى ان هذا الماء هو عدو الملح لأنه سيذيبه .
أخوتي الأعزاء هذه الظاهرة مرت وتفاصيلها في الكثير من أحداث التأريخ قد أصبحت واضحة ، ولكن في أيامنا هذه وفي ما سيلحق من الأيام فإن هذه الظاهرة هي هي وربما إزدادت وستزداد بعد ذلك . فإنظروا الى ظاهرة الشيصباني التي يشار إليها في الروايات في عهد الأمام (عج) يقول ( يخرج قرآء أهل الكوفة وقد سمروا جباههم ) أي ان جباههم أصبحت مكوية من كثرة السجود ، وقرآء الكوفة يعني أنهم أناس ينتمون الى المؤسسة الدينية . ثلاثون ألف سيخرجون وهم الذين سيقولون لأبن فاطمة الزهراء (ع) " إرجع يابن فاطمة " ، فيستتيبهم ثلاثة أيام والأمام يحاججهم والأمام يطالبهم والأمام ينبههم وهم اليوم ينادون ( اللهم عجل في فرج وليك ) ولكنهم غدا سيقاتلونه بعد ان يتجهوا لقتل أحد المؤمنين فيحاربهم الأمام (عج) . ترى اذا كانت هذه الظاهرة ستكون في عهد الأمام (عج) فهل نكون نحن معنيون بتحصين وعينا ونلوذ بركن وثيق أم لا نترك الحبل على الغارب ولتأتي الأمور بعد ذلك بأي شكل ؟ .
فلما وصلت تلك الظاهرة الى رأس أمير المؤمنين (ع) فجدير بمحبي أمير المؤمنين (ع) أن يكونوا على حذر ، ولما ستصل الى ان تتصدى الى نفس الأمام (عج) وترفع السلاح ضد الأمام وهي اليوم تتحدث عن الأمام (عج) فماذا يعني لنا ؟ ، يعني لنا ان نبقى على حذر شديد . وعلامات المنافق الثلاثة التي تركها لنا الأمام الصادق (ع) إنما يريد أن يقول لنا من هو المنافق . فالمنافق نحن لن نطلع على قلبه ولا نعرفه من وجهه فالمنافق سيتخفى خلف لسان عذب فتحسبه أنه هو المتدين ، ولكن طبيعة الحال لا يمكن أن يعرف إلا من خلال معايير . فإذا تحدث هل يصدق ام يكذب ، وإذا أؤتمن هل يخون أم يؤدي الأمانة ، وإذا وعد هل يفي بوعده أم لا ؟ فيكون المعيار هو المواقف العملية لا مواقف اللسان ومواقف الشعارات . فهذه هي المعايير التي تميز بها بين المؤمن والمنافق على المستوى العملي وليس على مستوى اللسان . وربما زمننا هذا يرتب حجة علينا اكبر من ذلك لأننا نحن ضحايا الشعارات ، فطوال عهد المجرم صدام حسين شبعنا من شعارات الوطنية والحرية وما الى ذلك ولم تنتج إلا ذبح الوطن نفسه ولم تؤدي إلا الى مزيد من قمع الحريات ونفي للعدالة . كذلك من بعد سقوط صدام مالذي أرانا كل هذه المحرومية والمظلومية التي نعيشها لولا تلك الشعارات التي أطلقت . فبإسم المقاومة ذبحونا ، وبإسم النزاهة أفسدوا فينا وةيأسماء كثيرة وجدنا ان الأمور في التطبيق العملي تفارق تماما ما يتم التنظير له عبر الفضائيات والبيانات والخطابات وما الى ذلك .
لذلك أخواني الأعزاء مع جرح الأمام (ع) فعلينا في هذه السنة ان نفكر بطريقة مختلفة ، فعندما يعتصر قلبنا كل ذلك الحزن حينما تحل الساعة التي نعرف ان هامة امير المؤمنين (ع) قد طبرت فيها وتم الأعتداء على أمير المؤمنين (ع) فهل تستطيع أن تجسد هذه الحالة امامك وتقول ان أمير المؤمنين (ع) كان هدفا وكان ضحية لمدرسة النفاق ولظاهرة النفاق . عند ذلك يكون ثأرك مع من ؟ ، واليوم تصيح تهدمت والله اركان الهدى فموقفك من أركان الهدى ماذا ؟ ، فأولئكم هدموها أما أن وأنت ماذا نفعل ؟ ، أما نحن وهم ماذا يفعلون ؟ . القضية ليست أن عبد الرحمن ابن ملجم "لع" قد فعلها وإنتهت فهذه القضية مستمرة ووالله إن كل ما نحن فيه هو جزء من النفاق السياسي والنفاق الأجتماعي . وكم نتألم اليوم من كثير من القضايا فمن الذي يتسبب بها ؟ ، نعم هناك شعارات وبعثيين وإرهاب فهؤلاء أعداء بلاشك ولا ريب ولكن أيضا لدينا أناس يعملون من داخلنا وهم الذين تسببوا لنا الكثير من الآلام ويجب علينا ان نعترف بهذه القضايا . ثم ان الدين لا مزح فيه ( إنما الدين المعاملة ) يعني أن تفي بوعدك مؤتمنا على الأمانة التي عندك وأن تكون وفيا اذا ما وعدت فهذا هو ( الدين المعاملة ) . فهل تظن ان دين مجرد صلاة وصوم ؟ ، ونفس الأمام السجاد (ع) كم مرة نردد قوله ( لاتغتروا بكثرة صلاة الرجل وصيامه فإنه إن تركهما إستوحش ، ولكن أختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة ) ، فيزيد ابن معاوية كان رأس الأمام الحسين (ع) بين يديه وقام الى الصلاة . اليوم نحن نعمل على تهيأة أنفسنا وننتظر إنتظارا إيجابيا وليس إنتظارا سلبيا وهو أن ان نضع يدا على يد ونقول أن لا علاقة لنا ، وإنما من اليوم يجب ان نتحرك وواحدة من اولى الولويات بالنسبة للمنتظرين ان يشخصوا طبيعة النفاق في داخل ساحة الأيمان . وهذه اول مهمة ( هم العدو فإحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون ) .
على أية حال أخوتي الأعزاء أنا أكتفي بهذا المقدار ولكن أشير الى اننا حينما نذرف دموعنا في هذه الليلة وليس غريبا علينا أن نذرف دمعا ، بل لو قطعنا قلوبنا لما انصفنا حق أمير المؤمنين (ع) علينا فهو الذي أسس لنا درب الهدى وهو الذي جعلنا في طريق الأيمان وهو الذي بسببه جعلنا نموت ولا نغادر ولايتة أمير المؤمنين (ع) . ولكن حينما نذرف دمعا في هذه الليلة وحينما نحزن ونلطم الصدر في هذه الليلة علينا ان نتذكر ان قاتلا لأمير المؤمنين (ع) لازال حيا ولازال يتربص بنا الدوائر . وعلينا ان نتذكر أن ثأرا لأمير المؤمنين (ع) لازال ينادي ألا من ناصر ينصرني . فأسألوا أنفسكم أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر فهل يعقل ان لا يوجد فينا من يوجد هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر ؟ . عدتهم عدة أصحاب بدر ولكن هؤلاء ليسوا مثلي ومثل أمثالي ولكنهم في تعبير الأئمة (ع) قلوبهم كزبر الحديد لا يخافون ، أمناء ، صادقون ، أوفياء ، فهؤلاء الذين يريدهم الأمام (عج) لنصرته . فهل لديك القدرة ان تقول أنني يجب ان أحث الخطى هذا اليوم وليس غدا بإتجاه أن أقترب أو ان اكون حتى من الثلاثمائة وثلاثة عشر ؟ . ولماذا تستغرب وتقول في نفسك إن هذه قضية بعيدة ، كلا فهم من أين سيأتون هل سنزلون من السماء ؟ ، بالتأكيد كلا وإنما هم مني ومنك ومن نفس هذه الساحة سيخرجون ولكنهم صادقون في الحديث ، أوفياء مع أنفسهم ومع غمامهم ، وخلص لأمامهم ، وعاشقون لأمامهم ، ومضحون بصدق من أجل إمامهم فهؤلاء هم الثلاثمائة وثلاثة عشر وفي اليوم الثاني يتقدم عشرة آلاف إليه فهل هذه الأعداد لنا رغبة ان نكون منها ام نريد ان نكون مثل الذين ييسمعون في الراديو وينظرون في التلفزيون مثل باقي الدنيا ؟ .
إننا نقرأ في سورة الواقعة ( السابقو السابقون ) وهم ثلة فهل لديك إستعداد للتقدم بإتجاههم أم لا ولماذا تحرم نفسك وإلى متى هذا الركوع امام الدنيا وامام سفاسف الدنيا ؟ . هذه الدنيا التي قتلت مثل أمير المؤمنين (ع) والتي زهد بها لماذا تكون هي الآسرة لنا والسجانة لأرواحنا ؟ . فإذا كنتم تتصورون ان الأمام هم نور فكيف تتصورون أن يلتقي بنا ونحن بذنوبنا وبآثامنا ونحن قطعة من ظلام ؟ ، فالنور والظلام لا يلتقون . وتعبير الأمام (عج) ( ماأنا من غبت عنهم ، إنما هم من غابوا عني ، غيبتهم آثامهم وذنوبهم ) . فالآثام هي التي تجعلك بعيدا عن الأمام (عج) ، والليلة ليلة القدر الصغرى وسوف تأتينا الوسطى بعدها ثم تاتينا ليلة القدر الكبرى وما يدراك ماليلة القدر ؟ . ونحن نقول ان ليلة القدر خاصة بإمامنا (عج) وهناك أكذوبة كبيرة مررت على الناس من دون ان يعرفوا ماهي طبيعة ليلة القدر ، فيقولون لهم أن الآجال ستنزل والأرزاق الى السماء الدنيا ! ، وسبحان الله فهل هي معلقة في السماء العليا حتى تنزل الى السماء الدنيا !!! .
أنا أعود واوضح ما أشرت اليه في الأسبوع الماضي ، لماذا سميت ليلة القدر ولم تسمى بليلة القضاء ؟ ، القدر يعني الخريطة الهندسية للشيء كأن نقول ان البناء الفلاني مساحته كذا فيحتاج الى الكمية الفلانية من الحديد ويحتاج الى الأسقف الفلانية والحيطان الفلانية وتبدا ترسم خريطة فتقول قدرت أمور البناء . وعندما تكون قدرت أمور البناء يعني ان البناء لم يكن بعد ويكون البناء بعد أن يقضى . فليلة القدر لماذا يسميها ليلة القدر ولا يسميها ليلة القضاء إذا كانت الأمور أن في هذا الليلة تقضى الأرزاق والأجال ؟ . نعم تقضى ولكن على يد من ؟ ، وتتنزل الملائكة والروح فيها على من ، هل علي وعليك ؟ . وبعض المفسرين من السخف بمكان بحيث يقولون أن الملائكة لأنهم قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فيأتون ليعتذروا من المؤمنين ! . سبحان الله المعصومون والقوة العاقلة التي لا يأتيها الباطل مخطؤون ومذنبون ويعتذرون من من وكيف يعتذرون ؟! .
أتذكر مرة كنت في حضرة السيدة رقية (ع) وجاءني أحد علماء القوم ورآني أتحدث مع عدد من الشباب السوريين في شان أهل البيت (ع) فنهرهم وقال لهم دعوا الحديث لي . فقلت له تفضل وإجلس معنا وتحدث لهم ولكن قبل ان تبتدأ فأنت عالم وأفترض أن سورة القدر قد مرت عليك آلاف المرات فهل تستطيع ان تقول لي على من تتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر ؟ . فسرعان ماإنتهى وقال لهم إن الرجل ساحر لأنه لا يملك جوابا !!! . فالملائكة تأتي مشيعة للروح والروح أمر من الله سبحانه وتعالى وليس جبرائيل لأنه من الملائكة وهو يأتي ليزف الروح ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) . لذلك فغن الروح نازلة بالأقدار ولكن لمن ومن يوقع عليها ؟ ، إنه صاحب تلك الليلة . ولماذا تتكرر في كل سنة ولا تكون مرة واحدة او في سنتين او عشرة ؟ ، لأن هناك إيمان في كل سنة ولأن هناك جهة إسمها خليفة الله في الأرض موجود يحيا والملائكة مسؤولة أمام هذا الخليفة والروح إنما ياتيي لهذا الخليفة بأمر الله سبحانه وتعالى . فالليلة ليلة قدر أخواني الأعزاء وأول الرحلة تعالوا وإفتحوا ابواب قلوبكم وإبدأو بمناجات الأمام فلماذا لا تناجونه ؟ . فكم تستأنسون في جلساتكم مع صديق يؤنسكم وتقولون اننا نستفيد منه كثيرا فلماذا لا تناجون من هو أعظم من هذا الصديق وهو يقول لك تعال وناجني فإنني أريد ان أسمعك فقل لي ماذا في قلبك .
أنا اعتقد ان امامنا فرصة مهمة أخواني الأعزاء والله سبحانه وتعالى قد قيضها لنا ومن نعم الله ان هذه المدرسة هي التي تحس بليلة القدر فلآخرين لا يحسون بها وبعطاءاتها وهي ثلاث ليال فقط فكرموا فيها أنفسكم وأعظموا فيها مقامكم ففي هذه الليلة يسمعكم الأمام (عج) ويريد ان يراكم في الموضع الذي يرضاه وأنا مطمئن من انكم ستفعلون ذلك .
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الآخذين بثأر أمير المؤمنين (ع) ، اللهم إلعن قتلة امير المؤمنين (ع) من الأولين والآخرين . اللهم عجل بفرج وليك صاحب الأمر والزمان وإجعلنا ممن حظي بكرامة التمهيد له والتوطئة لأيامه ، اللهم اكرمنا بكرامة نصرته وخدمته والأستشهاد بين يديه . اللهم إحفظ لنا مراجعنا العظام وعلماءنا الأعلام لا سيما إمامنا المفدى السيد السيستاني وأسأل الله أن يحفظكم أخواني الأعزة وينأى بكم عن كل مكروه ويذود عنكم كل أذى .
وفيما يلي التسجيل الكامل لخطبة سماحته :
https://telegram.me/buratha