حافظ آل بشارة
يشهد شهر رمضان الجاري منجزا ثقافيا فريدا يتمثل بانتقال التدافع المذهبي من ميدان الاقتتال الى شاشات القنوات الفضائية لتضفي على النقاش مسحة مذهبية وليست طائفية ، هناك عروض درامية متقابلة ونقاشات استدلالية عبر ندوات مباشرة ، فبعض القنوات تواصل عرض المسلسل الممنوع (الحسن والحسين ومعاوية) فيما تعرض قناة (آي فلم) المختصة بالدراما الايرانية مسلسل (المختار الثقفي) ، وسبق للدراما الايرانية ان انتجت افلاما ومسلسلات تعيد رواية التأريخ الاسلامي من وجهة نظر معتدلة متفق عليها بين اغلب فرق المسلمين بطريقة مقنعة ، نجحت تلك الاعمال في تصحيح حقائق التاريخ التي جرى تزويرها ، وبدت وكأنها تؤرخ لتطور المفاهيم العقائدية وتأثرها بالحكومات ، وقد لقيت تلك الاعمال استحسانا في العالم العربي والاسلامي واثارت تساؤلات حول بعض الافكار التي روجتها الفرق المتعصبة وتعاملت معها تعامل المسلمات ، نجاح تلك الدراما اثار مخاوف وعاظ السلاطين وعلماء البلاط في العالم العربي . يعد عرض (مسلسل الحسن والحسين ومعاوية) محاولة للرد ، فهو يستند الى رؤية العالم الاموي المعروف ابن تيمية في تفسيره لتأريخ المسلمين وعقائدهم ، وهو حنبلي من اعلام القرن السابع عاش في دمشق و عاصر المغول واثار منهجه غضب معاصريه من كبار علماء المذاهب السنية الاربعة امثال : ابن حجر الهيتمي ، تقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وابن جماعة، وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ، حاول المسلسل تبرئة السلاطين الذين اتخذوا الدين غطاء من جريمة تقتيل وتشريد اهل بيت النبي (ص) في تزوير ساذج لمسلمات التأريخ التي يعرفها الجميع ، ما يقدمه المسلسل يرقى الى مستوى الاهانة المتعمدة لمقدسات المسلمين وعقائدهم ووعيهم التأريخي ، ولحسن الحظ فانه جاء باخراج مفكك وسيناريو استعراضي سطحي وفقر في الاخراج ، ولا يمكنه النيل مما تحققه الدراما الايرانية في طرحها التأريخي حيث يخدمها التفوق الفني والتقني في السيناريو والاخراج والاداء الرفيع والبناء الدرامي المتقن اضافة الى الفكرة الرصينة المتفقة مع اشهر مصادر المسلمين وتحظى باجماعهم ، انه فشل للطائفية الثقافية على مستوى الدراما كوسيلة اقناع وتثقيف ، فيما شهدت قنوات أخرى ندوات للمناظرة الهادئة كقناة الكوثر التي تنقل نقاشات المحقق السيد كمال الحيدري وهو يثبت عقائد الشيعة من مصادر مخالفيهم الخاصة بالتفسير والحديث والسيرة والتاريخ ويلقى ارتياحا واسعا في العالم الاسلامي وقد بذلت جهود للرد عليه في قنوات أخرى مثل المستقلة وصفا ولكن تلك الردود كانت متشنجة وعدوانية ولا تعتمد التحقيق الرصين ، الأزمة الحالية تتلخص بكلمة وهي ان المتصدين لتزوير التأريخ بلغوا مرحلة العجز الكامل عن مجاراة النقاش عبر الندوات او عبر الحرب الدرامية ، المهم في هذه المعركة انها سلمية حضارية باردة وعلى الشاشة فقط .
https://telegram.me/buratha