حسين المياحي
يعود تاريخ الأسطورة السبئية لكذاب شهير في تاريخ الإسلام يدعى سيف بن عمر التميمي، وهو كذاب وضاع متهم بالزندقة من علماء الجرح والتعديل، لم يوثقه أحد على الإطلاق، وقد عرف عنه من بين الكذابين أنه يختلق أسماءً لأشخاص وأماكن ووقائع لا أصل لها. فهو الراوي الوحيد لقصة ابن سبأ ودوره في الفتنة وقتل عثمان واستخلاف علي (ع) ومعركة الجمل، ثم يختفي ابن سبأ (أو ابن السوداء كما أسماه سيف) بعد ذلك، لسرٍّ لا يخفى على القارئ الكريم، وهو أن سيف بن عمر توقف في تاريخه عند معركة الجمل، ولم يكتب فيما بعدها من الأحداث، فمن الطبيعي أن يختفي من اختلقه، فلا أثر له ولا عين .وقد ألف سيف بن عمر كتابين، أحدهما حول الردة والفتوح، والثاني حول حرب الجمل، وقد أخذ عنه الطبري الكثير من تلك الأخبار وأثبتها في تاريخه المعروف، وكان طريقه إلى سيف اثنين من الكذابين أيضاً أو المجهولين، أحدهما (السَّرِي)، وهو مردَّد بين اثنين أيضاً، إما السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي، وهو متروك الحديث متهم بالكذب، والآخر السري بن عاصم وهو كذاب أيضاً. والسري عن شعيب بن إبراهيم، وهو مجهول. أما شيوخ سيف الذين أخذ عنهم ملحمته السبئية، فهم عطية عن يزيد الفقعسي، أما عطية فهو مجهول، والأرجح أنه مختلق، وقيل: إنه عطية بن الحارث، ولا دليل عليه سوى أن الطبري ذكره في روايات أخرى غير الأسطورة السبئية. أما يزيد الفقعسي، الذي يفترض أنه صحابي أو تابعي على الأقل، فليس له أي ذكر في كتب التراجم، وهو أحد من اختلقهم سيف. وبغض النظر عن سند رواياته الثلاث الأولى التي نقلها الطبري حول أصل من أسماه (عبد الله بن سبأ، أو ابن السوداء) وجدنا أن تلك الروايات تحتوي العديد من التناقضات التي تجعل تلك الأسطورة لا أصل لها من الأساس، ومن المستحيل وقوعها، وإليك أبرز التناقضات في دعواه: 1 ـ ذكر الطبري في تاريخه في حوادث سنة 30 هـ نقلاً عن السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي ما ملخصه: أن ابن السوداء ورد الشام والتقى أبا ذر الغفاري رحمه الله، وحرضه على معاوية، وقد تصدى له كل من أبي الدرداء وعُبادة بن الصامت. وذكر في حوادث سنة 33 هـ أن بداية ابن سبأ كانت من البصرة في خلافة ابن عامر، وقد أخرجه ابن عامر بعد ثلاث سنوات من إمارته، فذهب إلى الكوفة ثم الشام ثم مصر، فعلى فرض أنه وصل الشام في نفس السنة التي أخرج بها وهي سنة 33 هـ فهذا يعني أنه لم يلتق أباذر، لأن أبا ذر توفي في الربذة سنة 32 هـ أو 31 هـ كما أن أبا الدرداء توفي سنة 32 هـ . أما عبادة بن الصامت فلم يدخل الشام أصلاً، إنما عاش في حمص وتوفي في فلسطين سنة 34 هـ . 2 ـ كيف خرج ابن سبأ من البصرة سنة 33 هـ ودخل الشام سنة 30 هـ ؟ اللهم إلا أن يقال أنه بلغ من عبقريته أن يسير عكس عقارب الزمن. 3 ـ ذكر الطبري نقلاً عن سيف أن ابن سبأ لم يجد لدعوته صدى في الشام، فأخرج منها، وفي الوقت نفسه يروي أنه حرض أبا ذر، فحرك أبو ذر الفقراء ضد الأغنياء مما اضطر معاوية إلى أن يشكوه لعثمان، ومن ثم حمله معاوية للمدينة. 4 ـ بحسب التواريخ التي أثبتها الطبري نقلاً عن سيف، أن ابن سبأ المزعوم خرج من الشام سنة 30 هـ ووصل إلى مصر سنة 35 هـ فهل يعقل أنه أمضى في طريقه 5 سنوات حكتو وصل إلى مصر؟ 5 ـ ادعى سيف أن عبادة بن الصامت أمسك بابن سبأ وجاء به إلى معاوية وقال له: هذا الذي بعث عليك أبا ذر، لكن سيفاً سكت عن الإجراء الذي اتخذه معاوية ضده، فكيف يعاقب أبا ذر ولا يعاقب المحرك الأساسي له وهو اليهودي المزعوم؟إن أسطورة ابن سبأ ما هي إلا حديث خرافة، وضعه الآخرون للطعن ف علي (ع) أولاً لأنه المستهدف الرئيس، وبشيعته ثانياً، وخلافته ثالثاً، ولإيجاد المبررات لقتاله رابعاً، وتبييض صفحات الناكثين والقاسطين خامساً، وتشويه المعارضة وإلقاء التبعة على الأجنبي سادساً، وهكذا. ولدينا في هذا الموضوع بحث مفصل لمن أراد المزيد.ولك الله يا علي من هؤلاء النواصب.
https://telegram.me/buratha