المقالات

باركوا للشعب العراقي

1446 15:08:00 2011-08-28

خالد النزر كاتب وباحث سعودي

اليوم مع سقوط طاغية ليبيا تذكرت باقي الطغاة, ومع فرحة الشعب الليبي تذكرت فرحة باقي الشعوب. تذكرت فرحة غص بها أصحابها, لم يبارك لهم أحد!, لماذا؟ إن طاغيتكم سقط بأيدي الأجانب وليس بأيديكم. وماذا عن ليبيا اليوم؟؟ وماذا عن 19000 طلعة جوية حتى تاريخ 20/8/2011م؟ هل كان العيب في الشعب العراقي أم في العقول التي نغصت عليه فرحته آنذاك, وهي اليوم تبارك للشعب الليبي, في يوم الفتح الذي يذكرهم بيوم فتح مكة؟؟

أحد علماء الدين السعوديين الكبار, والذي كان له زيارات متعددة لليبيا في السابق, يبدو أنه "ذهيناً" وملتفتاً لهذا الأمر, فوجدته اليوم كاتباً عبارة عريضةً على صفحته الخاصة في الفيسبوك, يقول فيها: "شعب ليبيا موحد واضح الهوية، وأرض ليبيا معطاء غنية، وحظوظ النجاح بإذن الله قوية". مسكين الشعب العراقي فلم يكن واضح الهوية!!. يا له من مبرر!! للأسف أن التعدد والتنوع هو ما يصبح عيباً وعاراً على شعوبناً, لذلك تم العمل على الشعب العراقي طيلة السنوات الماضية من تفجيرات وسفك للدماء وقتل على الهوية!! إنه شعب بلا هوية!!.

مضى عشرون عاماً على قيام ثورة الشعب العراقي عام 1991م أو ما يعرف بالانتفاضة الشعبانية أو ما كان يعرف في الإعلام العراقي بالغوغاء والفوضى. أشعل الثورة جندي عراقي عائداً من الكويت إلى وطنه, يجر بندقيته, آخر ما تبقى له من حطام الجيش العراقي العظيم الذي حرقته الطائرات الأمريكية دون أن يطلق رصاصة واحدة من تلك البندقية. وقف الجندي وهو مجهول الهوية سنيا كان أم شيعيا أو مسيحي أو ربما كردي فالجيش لم يتوقف عن تجنيد المسيحيين والأكراد من سكان مناطق الشمال حتى ما بعد 1991م. وقف الجندي وقدماه متقرحه من السير من الكويت للبصره، وقف يحدّق في جداريه فنيه للرئيس والقائد صدام حسين وهو يعمر مدينه الفاو في منتصف البصره، وقف الجندي ونظر للصورة ملياً, فسحب زناد بندقيته ليفرغ رصاصاتها المكبوته في وجه الصورة على مرآى ومسمع الناس, لتنطلق الثورة يومها من محافظة البصرة(1).

رغم كل ما عانت منه هذه الثورة من تجاهل ونسيان, أو محاولة لتحجيمها حتى أصبحت مجرد انتفاضة!!, إلا أنها كانت تعبر عن صوت مخنوق لشعب عربي أراد الحرية يوماً. كتب أحد أبناء مدينة الناصرية وهي آخر مدينة استطاع صدام السيطرة عليها بتاريخ 23/3/1991م, أنه منذ اليوم الأول سيطر الثوار على الحامية العسكرية في الناصرية بعد محاصرتها واستسلام من فيها وهم "50" مقاتل تم اطلاق سراحهم بعد ان تم الاتفاق معهم بألقاء السلاح مقابل اخلاء سبيلهم. رئيس اركان الجيش السابق (نزار الخزرجي) والوفد المرافق له الذي كان مكلف من قبل الحكومة العراقية بالذهاب إلى قوات التحالف والتفاوض معهم في وقف أطلاق النار بمدينة سفان وفي هذه المعركة قدم أبناء المحافظة الكثير من الشهداء و الجرحى أنتهت بانتصار الثوار على عصابة نزار الخزرجي وتم اسره ونقلة إلى مستشفى الناصرية حيث جرح في هذه المعركة جرحاً عميقاً ووضعت علية حراسة مشددة من قبل الثوار. وكذلك تم اسر كبار معاونيه من ضباط وأفراد, ومن أسرته أيضاً. وتمت السيطرة الكاملة على محافظة الناصرية. وكذلك تم السيطرة على مديرية المخابرات وأسر العاملين فيها, وأسر مدير أمن الناصرية والمخابرات. أما بالنسبة إلى ما قام به الثوار في المدينة بعد ذلك فتتلخص في: 1- تشكيل محكمة فورية أدت الى إقالة محافظ الناصرية وبعض معاونيه, 2- تشكيل لجان لحماية الممتلكات العامة وتعيين حراس الليل, 3- صرف رواتب الموظفين والعاملين, 4- حماية البنوك والبريد والمحكمة, 5- توزيع حصص المواد الغذائية, 6- تعين وجبات غذائية للثوار تنقل لهم من مدينة سوق الشيوخ إلى مركز المدينة, 7- تشكيل لجنة للاتصال و التحاور مع التحالف, 8- إنشاء سجن للمعتقلين والأسرى إلى حين تقديمهم للمحكمة وكان مقر السجن في منطقة كرمة بني سعيد والآخر في قضاء سوق الشيوخ(2).

 

هذه بعض معالم تلك الثورة التي ليس لها ذكر اليوم في القواميس العربية إلا ربما باسم انتفاضة, ويا لها من انتفاضة!!. تم قمعها بأبشع الصور وباستخدام طائرات الهيلوكبتر, وبقصف المساجد التي تجمّع بها النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء. وعلى رأسهم المسجدان الذان يحويان ضريحي الإمام الحسين ريحانة رسول الله, وأخيه العباس بن علي, ولم نسمع مسلم آنذاك ينبس ببنت شفه, وقد ذهب ضحية تلك الوحشية من مناطق الجنوب فقط أكثر من 300000 عراقي, منهم من وجدوا جثثهم لاحقاً في المقابر الجماعية ومنهم من ينتظر يوم يبعثون. ولولا فيلم الفيديو اليتيم الذي أنتجته البي بي سي عن تلك الأحداث لما استطعنا تخيل ما جرى

لقد سقط الطاغية عام 2003م على أيدي الأمريكان الذين هم بأنفسهم من سمحوا للطائرات العراقية بسحق الشعب في تلك الثورة, لقد وُجد القائد العظيم في جحر, ولا نعلم حتى الآن أين سيوجد القائد العظيم الآخر معمر القذافي؟. ولكن لا بد أن قناة الجزيرة ستخبرنا بمصيره أولاً بأول, فهي تبارك وتطبل وتزمر اليوم للشعب الليبي وهو يستحق ذلك. أما الشعب العراقي فكان يستحق منها التخوين والعمالة وكان سقوط بغداد "الرشيد" هو يوم حزن وكآبة يذكر بسقوط بغداد على أيدي التتار, أما سقوط طرابلس اليوم فهو يوم يذكر بفتح مكة المكرمة, ولم يعد للناتو أي ذكر. فهل من مذكر؟؟

أقول اليوم لمن يباركون للشعب الليبي, ولم يباركو للشعب العراقي, فلتتجردوا من الهويات الضيقة, يكفيكم هويتكم الإنسانية لتخجلوا من أنفسكم, وتباركوا للشعب العراقي.

1/ هذا الجزء به اقتباس من مقالة "الثورة المظلومة" للكاتب قبس العراق.

2/ راجع: الأستاذ عبدالخالق الحجامي, "الإنتفاضة الشعبانية في المدن العراقية عام 1991", المنشور في مجلة شمس العراق بتاريخ 21/9/2006م.

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
علي خلف الساعدي
2011-08-29
الحمد لله ان الشعب السعودي فيه ناس مثلك..قد يكون الارهاب الاسود الذي تدعمه المملكه ومن خلفها رجال الدين الوهابيون جعلنا نعمم صفة الارهاب على السعوديين...ولكن عندما نقرأ لمثلك نشعر اننا نبالغ وان السعوديون كغيرهم من البشر فيهم اسوياء وفيهم شاذين نفسيا وعقليا شكرا لك ..حفظك الله ..ندعو لكم بالحرية
البصراوي
2011-08-29
تكمله للموضوع يقول من امر باسقاط انتفاضة الجنوب هو الملك السعودي الراحل هو فهد ابن عبد العزيز وذلك خوفا من ضهور خميني اخر في بغداد وهذا الكلام كان مسؤول عنه عبد الرحمن الراشد الذي كان يشغل مسؤول تحرير الجريده في حينه الجريده كانت صادره في الشهر الثالث من سنة 1991 وبامكانك البحث عنها والتاكد منها اشكرك للمره الثانيه اخوك في الله ابن البصره من كندا
البصراوي
2011-08-29
شكرا لك اخ خالد النزر ذكرتنا بشئ ونذكرك بشئ اخر انا ممن شارك في تلك الانتفاضه المباركه وبعدها حوصرنا في البصره وذهبنا لنسلم انفسنا الى قوات التحالف في منطقة الرميله اقول لك ماقاله لنا احد الضباط الكويتين في مدينة صفوان يبا حنا صيام تبون اتفطرونا ولا تبون انسوي فيكم مثل ما سويتوا فينا روحوا ما نبيكم الحين في المساء من نفس اليوم استقباتنا سيطره امريكيه قرب الزبير ونقلونا الى ام العيش ومن ثم الى حفر الباطن وهناك حصلنا على مجلة العربي السعوديه وكان فيها عنوان باخط احمر عريض يقول فيه من امر باسقاط
ابو عمار
2011-08-28
هذا غيث من فيض العقلية العربية تخوين وتكفير وتعظيم ..هذا للجنة والحور العين وذاك للنار وبئس العذاب .. كيفما تشاء وبالنتيجة صراعات وخلافات اعطت لاعداء العرب هدايا مجانية لم يتصوروها هم ان تكون بهذا الحجم ! بعد قرن من الثورات الغربية حدثت ثورات اوروبا الشرقية و انتظرت الثورات العربية قرن وعقدين لتظهر بقوة هنا وخجل هناك ..عسى ان يكون العرب قد وصلو لمرحلة النضج اخيراً !!!وان التنوع غنى وليس ضياع للهوية... شكرنا للاستاذ خالد النزر وتحياتنا له على موضوعيته .......وشجاعته .
hider
2011-08-28
لا استطيع ان اعلق غير انني لا اشك قيد انمله بان ابويك طاهرين نقيين وتربيتك عاليه واسال الله العلي القدير ان لايريك مكروه قي حياتك وان لايرد لك طلب انه مجيب الدعاء
عادل الربيعي
2011-08-28
هذا الذي كنا نتوقعه من دول الجوار العربي والاسلامي فهم فهم يرقصون حسب النغم الذي يروق لهم لان اهل ليبيا لم يكونوا شيعه ولان اهل العراق والبحرين لم يكونوا سنه والان هناك فئات من الشيعة تساند الاسد لانه يعتقدون انه شيعي والذي حكم شعبه بالنار والحديد والان يسحق شعبه بكل مااوتي من قوة لكن هذه المرة لن يسلم من هذة الثورات اي طاغيه سواء كان في بلاد الحجاز او او دويلات البترو دولار او الجمهوريه الاسلاميه التى لابد وان يرجع لها بريق الثورة الذي اسس له الامام الراحل الخميني
الكاتب نهاد الزركاني
2011-08-28
واريد ان اقول الى الاستاذ خالد النزر بارك الله بك على اللتفاتة في مقالتك وفتح بركان من الالم في قلوب العراقين من اخوانهم لو صح التعبر نقول لهم هم مثل ( اخوان يوسف )
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك