الكاتب ..عمران الواسطي
واجبات المواطنة في فكر السيد الشهيد محمد باقر الحكيم ( قدس )تكملة للحلقتين الماضيتين التي قدمنا في إحداهما بعض الأقوال التي قالها سماحة السيد شهيد المحراب محمد باقر الحكيم ( قدس ) وقدمنا في الأخرى رؤية السيد الحكيم للسياسة في العراق بعد سقوط النظام ، وما يجب على السياسيين العراقيين أن يتمسكوا به كي يتم لهم النجاح في هذه المرحلة ، نتطرق في هذه الحلقة إلى واجبات المواطنة في فكر شهيد المحراب ( قدس ) وما تمثله هذه الواجبات من انطلاقة كبيرة نحو النهوض واستثمار الطاقات في سبيل بناء وطن تسوده الكرامة والإخاء . فالمواطنة في فكر السيد شهيد المحراب مفهوم متوازن ، فمثلما أعطى للمواطن حقوق فانه يفرض عليه واجبات، وأي خلل في هذه المعادلة سينعكس سلباً على الدولة والمجتمع والمواطن ، ولذلك فان الجهود يجب أن تنصب على المحافظة على استمرارية التوازن بين الحقوق والواجبات في أطار المواطنة . وفي هذا الاتجاه يمكن أن نضع هذه الواجبات وفق الاتجاهات التالية:أولاً: واجبات المواطن تجاه الدولة:1. الولاء: اعتبر السيد الشهيد هذا الواجب من أهم الواجبات الملقاة على عاتق المواطن {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} .2. الحماية: وهو واجب يتفرع عن واجب الولاء للدولة، وهو يمثل التزام المواطن بحماية دولته والدفاع عنها ضد أي اعتداء تتعرض له، سواء كان هذا الاعتداء داخلي أو خارجي.3. نشر الدعوة الإسلامية: وهو واجب عقائدي ينبع من أن ضرورات الواجب واشتراطاته تلزم المواطن بالعمل على جعل الشريعة الإسلامية أساس ومنطلق الدولة, ويأخذ هذا الواجب أشكال متنوعة منها :أ. الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، ومنهم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد (صلّى الله عليه وآله) والأئمة ألاثني عشر من أهل بيته، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والحب والتولي لهم والبراءة من أعدائهم في كل عصر وزمان، والطاعة لهم.ب. يترتب على الإيمان بمقوماته أعلاه الطاعة لله تعالى ولرسوله في الإحكام الشرعية الأولية وكذلك في الأوامر والنواهي.ج. الاهتمام بإقامة الشعائر الإسلامية بشكل منظم.د. التضحية والبذل والفداء والجهاد في سبيل الله ، وتحمل الآلام والمتاعب والصعوبات في سبيل ذلك ، والاستقامة والصبر عليها مع مواصلة الطريق ، دون يأس أو قنوط أو ملل أو كلل ، فأن كل ذلك يحتاج إلى هذه الدعامة وهذا الخلق الإسلامي ، وهذا ما يسمى بلغة القران بالعزم والاستقامة.4. الواجبات المالية: يفرض الإسلام على المواطن واجب المساهمة في تمويل خزينة الدولة عن طريق دفع الضرائب المحددة شرعاً مثل زكاة الأموال والفطرة، وخمس أرباح المكاسب ، ورد المظالم ، والكفارات ، والصدقات العامة ، والأوقاف ، وإطعام الطعام ، إلى غير ذلك من الفرائض والمستحبات ، فان المساهمة المالية والإنفاق قد قرن في القران الكريم مع الصلاة ، وأصبح من الصفات اللازمة للأيمان ، ولا يتكامل الإنسان في طهارته وزكاته النفسية إلا بذلك ، كما لا يتكامل المجتمع والنشاط الاجتماعي في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله إلا مع البذل والعطاء.ثانياً: واجبات المواطن تجاه الحكومة1. الطاعة: وتعد من أهم الواجبات ، وهي عند السيد الشهيد ذات بعد ديني، فقد ربط بين الطاعة لله تعالى والطاعة للحاكم الذي يمثل الحكومة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.2. الرقابة: في هذه النقطة قد يبدو مفيداً توضيح مسالة مهمة في فكر السيد الشهيد الحكيم وهي إن بعض الحقوق تتحول أحيانا إلى واجبات في التطبيق ومنها مسالة الرقابة التي كانت ضمن حقوق المواطن وهي الان تدخل في أطار الواجبات، وطبقاً لهذا الواجب فان الأمة (مجموع المواطنين) تمارس واجب الرقابة على الحكومة (الحاكم) بصورة مباشرة أو عن طريق المؤسسات الدستورية ، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني كالصحافة والأحزاب التي تمثل وسائل كاشفة عن أرادة المواطنين في القضايا محل النزاع مع الحكومة.3. النصح والمشورة: إن من واجبات المواطن في الدولة الإسلامية طبقاً للسيد الشهيد الحكيم هو النصح والمشورة للحاكم ، قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.ثالثاً: واجبات المواطن تجاه المجتمع 1. التعاون والمشاركة مع الآخرين : إن هذا الواجب يفرض على المواطن التعاون والتكامل المجتمعي للقيام بالواجبات الاجتماعية في الدفاع عن الحق والصواب، والمظلومين ، والإسلام ، والخط الإسلامي الأصيل لأهل البيت (عليهم السلام) ، والمؤسسات الإسلامية الأصلية كالدولة الإسلامية ، والحوزة العلمية ، والمرجعية الدينية وولاية الأمر ، والشعور بالمسؤولية الدينية والسياسية تجاه قضايا المسلمين الكبرى ، وكذلك حمل هم المسلمين ، ودعوتهم إلى الخير والإصلاح ، وكذلك نشر الحقائق الإسلامية والسياسية وكشفها للناس بما يخدم الإسلام وأهله، ومداراة الناس لكسبهم للحق ورفع الموانع والسدود النفسية والروحية ، وسد الثغرات واتقاء الأعداء من الكافرين والحاقدين والمنافقين ، ورص الصفوف، وتوحيدها حول محور حبل الله، والحق والعدل ، وكذلك التناصر بين المؤمنين والتواصي بالحق والصبر ، والمحافظة على الأمل بالنصر والمعنويات والثبات في ساحات العمل .
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : لعل هذا الواجب هو أكثر الأمور التي اجمع عليها سائر الكتاب المسلمين ومنهم السيد الشهيد الحكيم، {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. 3. الأولوية لمصالح الجماعة على مصالح الإفراد : وهو من الواجبات الأساسية التي تعكس قيمة وأصالة الرسالة الإسلامية، (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم )، {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الإعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه}، {أنما المؤمنين الذين امنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه أن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله..}.4. المحافظة على الشخصية الإسلامية للمجتمع : وقوام هذا الواجب اهتمام وحرص المواطن بالمحافظة على الشخصية والهوية الإسلامية ، من خلال تعميم آدابها وأخلاقها والتزاماتها وشكلها في الكلام والسلام ، وفي الحديث والقراءة ، والشعارات والمجالس ، وفي الأفراح والإحزان ، وفي الإحياء والأموات وغير ذلك. فالشهيد الحكيم ( قدس ) يؤكد هنا على أهم النقاط التي يمكن من خلالها بناء مجتمع صالح وناجح يمكن أن يكون له دور كبير بين المجتمعات .
https://telegram.me/buratha