بقلم: حسين النعمة
لا يوجد في تاريخ الحضارات الإنسانية نماذج للسماحة والورع والتقوى والبر وقبل ذلك كله الإمامة والولاية وبيتا للنبوة عاش منفردا في ضمائر وأنفاس وكيان الإنسان المؤمن سوى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومما ليس بغريب إن أي مسلم يعلم بالوافد الثقافي من أفكار الأمم الأخرى التي لفت على الحضارة الإسلامية، والشاهد الذي لا يستطيع أحد أن ينكر أثره العناصر الدخيلة على تفاسير القرآن الكريم وهو ما يسمى عادة بالإسرائيليات.واليوم السلفيات أذيال الأمويات الوجهة الجديدة للإسرائيليات العاملة على أدلجة الأحداث التاريخية وفق ما تشتهيه مصلحة التسليف، وهذا ما دفع بهم في التطاول على مقامات الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) فبدؤوا بطرق باب الدراما الأموية الى المجتمعات الإسلامية وقد ضمنوها خرافات وبِدع ما يفترضوه آملا في تبرئة ساحة شخصياتهم الإرهابية كمعاوية وابن العاص ويزيد وعبد الله بن الزبير وغيرهم، فبادر جماعة من المتطرفين وعلى رأسهم (يوسف القرضاوي وسلمان العودة ووزير الأوقاف اليمنى حمود الهتار وقاضى القضاة الأردني احمد هليل)، بموافقتهم على تأدية شخصي الإمامين (عليهما السلام) في مسلسل مبني على قاعدة حسن الظن بين الصحابة يظهر مؤامرات اليهود التي أدت للخلافات فيما بينهم ومتجاهلا قرارات مجمع البحوث الإسلامية وجامع الأزهر بتحريم تصوير أو تجسيد الأنبياء وآل البيت (عليهم السلام) وتحفظات باقي المرجعيات في العالم وتحذير نقابة الأشراف في مصر من خطورة عرض المسلسل وتجسيد شخصية سبطي رسول الله.كما تجاهل مكانة ومنزلة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) بهدف إظهار مؤامرات اليهود في شخصية ابن سبأ المفترضة من وحي ذيول جماعة السقيفة الأمويين وأزلامهم، ودوره في إثارة الفتنة بين المسلمين كما عكس المسلسل، وكيف تم الصلح أكثر من مرة بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية، واختلفا بسبب دور اليهود في الفتنة، ومما يبدو أن هدف العمل ليس إظهار سيرة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) بقدر ما هو إصدار صك براءة للذين ولغوا بدماء المسلمين والذين خرجوا على الخليفة الشرعي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الجمل وصفين.والحديث عن شخصية ابن سبأ من قام أعداء الشيعة باختلاقها وتضخيمها حتى دخلت كتب الفريقين وكأنها أمر مُسلمٌ به وأنه هو من أسس التشيع ودعا لولاية علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) وهذا الدور الغريب لليهودي ابن سبأ يعني احد أمرين، إما أن رجال ذلك العهد كانوا على درجة عالية من السذاجة أو أن ابن سبأ كان يمتلك قدرات فوق البشر للاضطلاعه بهذه الأدوار المصيرية وحل مشكلة الحكم بعد وفاة الرسول وإلقائها على ابن سبأ أمر ساذج وصعب التصديق. إما سيرة مَن صرح بتأدية شخص الإمامين (سلام الله عليهما) كالقرضاوي- فهو رجل الدين المعروف في- بلاط الدوله القطرية المتشنج الطائفي الذي لا يتورع عن تحليل الحرام وتحريم الحلال لمجرد نزوة طائفيه هنا أو هناك ولا داعي لذكر مثالب الرجل الذي ختم عمره بسوء عاقبه من خلال- إدخاله طاغية العراق صدام الجنة وجعله شهيدا- وكذلك تبريره- قتل الشعب البحريني- لا لشيء إلا لأنهم شيعه حيث أعطى الضوء الأخضر فقهيا لقمع ثورتهم السلمية. وكذلك الهتار الذي يشغل منصب وزير الأوقاف اليمني والذي كان احد المجيزين دينيا لهذا المسلسل الأموي فهو من رجالات السعودية في اليمن وهابي الاتجاه أموي السيرة طالما حرض أفراد القاعدة في اليمن للذهاب للعراق لتفجير أنفسهم وسط الشيعة.المسلسل الوهابي الإنتاج الأموي السيرة القرضاوي والهتاري المباركة مسلسل كان يركز على تبرءة التيار الأموي في كل أحداث ما سمي بالفتنة الكبرى ويعلقها على شماعة اخترعوها هم أسموها عبد الله ابن سبا ولا داعي لذكر الأدلة على وهمية هذه الشخصية المزورة فلقد أشبعها المحققون بحثا واثبتوا تزويرها كالمحقق السيد مرتضى العسكري (رحمه الله).ومن هنا فضلا عن التجاسر على تحريف الوقائع التاريخية والتلاعب بأحداثها أعتبر المسلسل جريمة بحق أهل البيت (عليهم السلام) وتعدي على الشيعة مبني على لبس الحق بالباطل بل تجاوزه في بعض مفاصله إلى قلب الحق باطلاً والباطل حقا.ومما أوجزته من نقاط أعدها جوهرية في العمل الدرامي والوقائع والأحداث التاريخية ما يلي:1/ إن المسلسل أظهر بعض الجماعة وكأنهم في صف عثمان بن عفان مثل طلحة وعائشة والزبير ومحمد بن أبي بكر وعمرو بن العاص! وهذا من أعجب العجب! فطلحة بن عبيد الله مثلاً كان مرجع ثوار المصريين، من كانوا يأتمرون بأمره غاية في الانقلاب، وكان هو شخصياً من المحاصرين وهو من الآمر بمنع الماء عن عثمان، والملحوظة هنا تاريخية فنية أكثر منها علمية لأنها خارجة عن مسألة تقييم الدور، إذ أن المسلسل عمل معجزة حتى جعل طلحة من أنصار عثمان! مع أن النواصب أنفسهم كالذهبي اعترف في ترجمة طلحة في سير أعلام النبلاء بأنه (صدر من طلحة تأليب على عثمان)، وذلك بعد أن روى اعتراف طلحة نفسه وبسند صحيح كما في (سير أعلام النبلاء).2/ إن المسلسل أظهر مروان بن الحكم بهذا الشكل البهي الممتلئ! مع أنه معروف في التاريخ بأنه كان طويلاً ضعيفاً يطلق عليه (الخيط الباطل)! وقد قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء - (3 / 477): (كان مروان أحمر الوجه، قصيرا، أوقص، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، يلقب: بالخيط الباطل)! فأين هذه الصورة العجيبة من تلك الصورة المزينة في المسلسل؟ كما أظهر المسلسل مروان بهذه البراءة مع أنه على رأسه جرت فتنة عثمان وهو قاتل طلحة.3/ كذلك رأيت من العرض صورة معاوية بهذا الشكل الجميل ما شاء الله العظيم (رشيد عساف)! مع أن معاوية كان يضع بطنه على فخذيه عند الأكل، كبير العجيزة، ضخم الجثة، تنقلب شفته العليا مع أدنى ابتسامة! فأين هذه الصورة من صورة رشيد عساف! الفارس المقدام، لذا فما أراه أنهم يعرفون صفة معاوية وأنهم لم يختاروا رشيد عساف للقيام بدور معاوية إلا لتجميل صورة معاوية لما للممثل القدير رشيد عساف من شهرة وشعبية بين الناس، وهذا التزيين لمعاوية برشيد عساف في صورته وحيويته وفروسيته يشبه ما يفعله الشيطان للمراهقين من تزيين معصية الزنا! فيقدّم الشيطان الزنا وغيره من المعاصي في صورة جميلة رائعة تذهل الشاب عن تذكر إثم المعصية، والشيطان لأنه ضعيف الحجة فهو يعتمد على الزيين والمشاركة لأهل التجارات خاصة.4/ كما إن مما أظهره المسلسل بجرأة كبيرة نقل روايات تبرئة عثمان على لسان الحسن والحسين (عليهما السلام)! مثل حمي الحمى ونحو ذلك، وهذه لم ترد في رواية قط! نعم هذه الرواية وردت على ألسنة آخرين، لكن المسلسل تعمدَ نقلها على لسان الحسن والحسين (عليهما السلام) فيها تزييف واضح، كان يمكنه نقلها على لسان أحد حاشية عثمان كمروان بن الحكم وخالد بن عقبة والمغيرة وأمثالهم، أما دور الحسن والحسن فهو فرع من دور أبيهما الإمام علي (عليهم السلام) في محاولة رأب الصدع والضغط على الفريقين (على عثمان ليرفع المظالم وعلى الثوار ليصبروا ويتجنبوا الدماء ومنعهم من قطع المادة عن عثمان وحاشيته وأهل بيته).5/ مسلسل (الحسن والحسين)، الذي تم تصويره في الأردن وتم عرضه على أكثر من خمس محطات فضائية وأثار لغطا وضجة إعلامية في الوسط الإسلامي على مستوى الإعلام الدولي، بعدما أشارت أكثر الوسائل الإعلامية إلى إعلان عنه فان العمل الدرامي مثل عدوانًا صارخًا على مقدسات المسلمين، حيث ينال ظاهريا من مكانة وقدسية الإسلام ويبرئ ويمجد مَن قد تسببوا بقتل وتشريد ومحاربة أهل البيت (سلام الله عليهم)، فضلا عن إن المسلسل عمل على تغيير الحقائق وبث أحداث منافية للوقائع التاريخية وفكر مغاير يدعو الى التفرقة والتطرف؛ وذلك من خلال ما عرضه نص سيناريو المسلسل، كولوج شخصية أبن سبأ الوهمية والمفترضة الى ساحة التاريخ، هذا بالإضافة للتعرض الى التكوين القدسي للأئمة (عليهم السلام) وعصمتهم ومكانتهم، محاولةً في وضع الإمامين الحسنين (عليهما السلام) بمنزلة عادية تنأى بهم عن مكانتهما الكونية والقدسية. 6/ عرض المسلسل كان خلاف ما تقتضيه مصالح المسلمين العليا فالظروف التي يمر بها المسلمون يحاول فيها أعداء الإسلام إثارة الاحتقان الطائفي وذلك من خلال التركيز على عرض نقاط الاختلاف بين الطوائف الإسلامية التي لا سبيل إلى حلّها وتوظيف هذه الاختلافات وعرضها بطريقة تثير حفيظة كل مذهب على أصحاب المذاهب الأخرى بعيداً عن الطرح العلمي والبرهاني الذي يراد منه الوصول إلى الحقيقة.7/ من جانب آخر تجاهل قضية الاستناد للإعلان الدستوري الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وكذلك مخالفته للقانون الذي ينص على وجوب حصول أي مصنف فني يتعرض للدين على موافقة مجمع البحوث الإسلامية وأن منح الموافقة على مسلسل أو فيلم سينمائي أو كتاب مطبوع هو من اختصاص إدارة البحوث والتأليف والنشر التابعة لمجمع البحوث الإسلامية ولم تتقدم أي جهة للمجمع للحصول على الموافقة على عرض هذا المسلسل.الى ذلك فأن المسلسل الذي أنتجته إحدى الشركات الكويتية، وشارك بتمثيله سبعة دول عربية هي (الكويت والأردن وسوريا ولبنان والسودان ومصر والمغرب)، لم يواجه انتقادات المثقفين فقط بل واجه فتاوى تحفظ وتحريم وكذلك عراقيل في تصويره وبثه من عدة دول عربية، نظرا لأنه يتناول حياة حفيدَي النبي محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ويجسد شخصيتهما ويغاير وقائع تاريخية كاملةً بتعرضه لشخصهما (سلام الله عليهما)، من جهة أخرى ومما يفترض الإشارة إليه هو إن المسلسل أثار المخاوف لدى بعض الجهات التي سمحت بتصويره، وذلك بأن يكون ذا مردود سلبي فيكون وسيلة لنشر التشيع في المجتمع الإسلامي.
https://telegram.me/buratha