عادل الجبوري
الى وقت قريب جدا لم يظهر الاكراد اية مواقف سلبية حيال الحكومة الاتحادية برئاسة نوري المالكي، بل واكثر من ذلك لعبوا طيلة تسعة شهور دور الوسيط بين القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، ونجحت الى حد ما في نزع فتيل الازمة بينهما وان بصورة مؤقتة.ما الذي حصل حتى يفتح الاكراد جبهة مواجهة-ان صح التعبير- مع الحكومة في بغداد، ويدفعون هذه المرة بالازمة الى الحافات الخطيرة بدلا من ان يعملون على احتوائها؟.ماقاله رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني في مؤتمر ممثليات اقليم كردستان الذي عقد قبل ايام قلائل في مدينة اربيل يلخص ابعاد الازمة وحقيقة التصعيد، اذ قال البارزاني (ان الحكومة المركزية في بغداد تتبنى توجها ديكتاتوريا في اقرار وتشريع القوانين)، في اشارة الى مشروع قانون النفط والغاز المثير للجدل والخلاف منذ اعوام.والاتهام الكردي للحكومة بالديكتاتورية وتنصل رئيسها عن الالتزامات والاتفاقيات المبرمة، ارتبط اساسا بورقة النقاط الكردية التسعة عشر التي قدمها الاكراد الى المالكي في تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، وجعلوا التعهد بتطبيقها شرطا لدعمهم وتأييد للمالكي لتوليه رئاسة الوزراء مرة اخرى. وبالفعل فأن الاخير قبل بورقة النقاط الكردية رغم ان اطرافا سياسية عديدة رأت فيها نوعا من الابتزاز ولي الذراع، في ذات الوقت الذي اكدت فيه ان المالكي وافق على الورقة من اجل كسب جولة الصراع مع غريمه علاوي، وانه لن يلتزم ببعض نقاطها الحساسة، وانه سيتنصل اما انطلاقا من قناعاته الشخصية، او بفعل الضغوط عليه من قبل هذا الطرف او ذاك. وهذا ما حصل فعلا، فالاكراد يؤكدون ان المالكي لم يلتزم بما تعهد به.ومشروع قانون النفط والغاز يعد واحدا من ابرز النقاط في ورقة المطاليب الكردية الذي فجر الموقف بين بغداد واربيل، او قل انه القشة التي قصمت ظهر البعير.ويبدو انه من الصعب القول ان الازمة بين المالكي والاكراد ليست خطيرة ويمكن احتوائها بسهولة، لسبب بسيط هو ان الطرفين ذهبا الى خيار التصعيد والتأزيم عبر وسائل الاعلام ومن خلال المنابر السياسية.عضو ائتلاف دولة القانون والمستشار الاعلامي السابق لرئيس الوزراء ياسين مجيد قال في مؤتمر صحفي "ان التصريحات التي ادلى بها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، كانت مفاجاة واثارت الدهشه والاستغراب خاصة وانها جاءت متضمنه مجموعة من الاتهامات للحكومة المركزية، إضافة الى انها تزامنت مع افتراض لقاء وفد من اقليم كردستان مع رئيس الوزراء نوري المالكي لمناقشة القضايا العالقة، حيث ان مثل هذه التصريحات التي لم تخلو من اتهامات واضحة، تعقد مهمة الوفد ولا تساعد بأي حال من الاحوال على حل المشاكل. ويضيف مجيد "نتمنى ان لا تكون هذه التصريحات نابعة من محاولة تصدير مشاكل داخل اقليم كردستان لخارج حدود الاقليم، لانشغال الرأي العام بكردستان والعراق بشكل عام بوجود مشكلة بين بغداد واربيل، وان تصريحات البارزاني لم تكن مناسبة لايجاد ارضية جيدة، لحل القضايا العالقة، وأن المشاكل لا تحل بطريقه اللهجة التصعيدية".ولم يتأخر الرد الكردي على تصريحات ياسين مجيد التي اعتبرها الاكراد رسالة المالكي اليهم، اذ قال النائب عن التحالف الكردستاني شريف سليمان في تصريحات صحفية "ان هناك استغلالاً سياسياً يُمارس اتجاه التحالف الكردستاني بشأن مطالبه حول المناطق المتنازع عليها وغيرها ، وان المالكي نسي أنه أصبح رئيساً للوزراء من خلال الاتفاق السياسي الذي رعاه التحالف الكردستاني". مضيفا "ان إثارة موضوع المصادقة على أحكام الإعدام من قبل الرئيس الطالباني يعد من أوراق الضغط الممارس على وفد حكومة إقليم كردستان الذي سيزور بغداد في الأيام القليلة المقبلة لمناقشة الملفات العالقة بين الإقليم والحكومة المركزية".والازمة اليوم بين بغداد واربيل تتجاوز عدم التزام الحكومة بورقة المطاليب الكردية، والتفاوت في وجهات النظر حول قانون النفط والغاز، الى الموقف الكردي المعلن من تمديد بقاء القوات الاميركية في العراق، والموقف الحكومي الرسمي حيال القصف التركي والايراني لاراضي في اقليم كردستان وتسبب ذلك القصف بأضرار بشرية ومادية لقرى كردية عديدة، اضف الى ذلك امتعاض الاكراد ، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني من المالكي بسبب عدم التزامه بالاتفاق السياسي مع علاوي الذي ابرم في اربيل بمبادرة ورعاية من البارزاني.ولاشك ان حكومة المالكي ليست في وضع يتيح لها فتح جبهات مواجهة جديدة مع شركائها السياسيين، لان القضايا والمشاكل العالقة على قدر كبير من التعقيد، لاسيما مع القائمة العراقية ،كمجلس السياسات الاستراتيجية، والوزارات الامنية، ناهيك عن الكثير من الاعتراضات والتحفظات لدى اطراف من داخل التحالف الوطني على سياسات المالكي، مثل التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم.ولعل الاجواء والمناخات الحالية، دفعت اطرافا قريبة من المالكي الى التحدث بصوت اعلى عن خيار تشكيل حكومة اغلبية سياسية للخروج من مأزق الدوران في حلقة مفرغة وغياب الحلول، في مقابل ذلك دفعت اطراف اخرى من القائمة العراقية وكتل اخرى الى التلويح بنبرة اكثر حدة ووضوح بسحب الثقة عن حكومة المالكي.ويبدو من خلال طبيعة المشهد السياسي العام في العراق، ومعه الظروف والاوضاع الاقليمية ان كل واحد من هذين الخيارين اسوأ من الاخر، لان كلاهما يدفعان الى مزيدا من الاحتقان والتشنج بين الفرقاء، ويعمقان الازمة الحقيقية.. ازمة الثقة التي بدون حلها ومعالجتها ستبقى كل المشاكل والازمات قائمة.. واكثر من ذلك مفتوحة على اسوأ الاحتمالات والخيارات.
https://telegram.me/buratha