المهندس لطيف عبد سالم العكيلي
بعيدا عن بحث مسؤوليات النخب السياسية في المبادرة بتقويم اداء الانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المحافظات التي شهدتهما البلاد في مرحلة مابعد التغيير السياسي عام 2003 م , وحرصا على الاسهام في مهمة انضاج هذه التجربة الوليدة , بوصفها الركيزة الاساسية لارساء قواعد العمل الديمقراطي , أجد من المهم البحث في احدى المشكلات التي افرزتها هذه الممارسات الشعبية , لمالها من أثر سئ على البيئة العراقية التي ماتزال تواجه تحديات كبيرة , فضلا عن تاشيرها لضرورة تعزيز الوعي البيئي في بلادنا .لقد أثبتت الانتخابات العراقية ان بعض الكتل السياسية التي شاركت في منافساتها لم تجد سبيلا في الترويج لدعايتها الانتخابية سوى اعتماد مناصريها البحث عن الصبية والعاطلين عن العمل لانجاز هذه المهمة لقاء اجور محددة ؛ من اجل اشعار مرجعياتها باتمام مااوكل اليهم ، من دون الاحتكام الى التخطيط الذي يفضي بهذا النشاط الى عمل منظم يتوافق مع معطيات التطور الحضاري والانساني . ومن خلال المعاينة الدقيقة لطبيعة فعالية ترويج الدعاية الانتخابية ، يصح القول ان بعض اعضاء الكتل السياسية الذين اسند ت اليهم هذه المهمة عمدوا الى تنفيذها عبر ايسر السبل هربا من مسؤوليتها وسعيا في التخلص من كتل الورق ومادة النايلون وغيرهما من عناصر الدعاية الانتخابية التي تجمعت في منازلهم ، فضلا عن الخشية من ان تطالهم العمليات الارهابية . وكان من نتيجة ذلك ان جرى تثبيت مختلف الصور والشعارات الخاصة برموز دينية وسياسية حفرت حضورها في الوجدان الوطني باماكن غير مناسبة لاتليق بتضحياتها ودورها الجهادي والنضالي ، إذ غطى كثير منها الهياكل الكونكريتية التي تدثرت بها مدننا وجدران المحلات التجارية والخدمية والمنازل والبنايات المواجهة للشوارع ، ولم تسلم من ذلك حتى سيطرات الاجهزة الامنية ، مما جعلها عرضة للاتشاح بالاطيان والاوساخ والزيوت المستخدمة ؛ لقربها من سطح الارض ومجالات حركة السيارات والسابلة ، فضلا عما تعرض منها الى التمزق بسبب العبث او عدم العناية بتثبيتها في اماكنها ، مما عكر جمالية العرس الانتخابي الذي من المفترض ان ايامه لاتشبه الايام العادية التي تشرق فيها الشمس ثم تغيب من دون ان تترك اثرا . ومن المضحكات المبكيات ان بعض الذين انيطت بهم مهمة لصق البوسترات الخاصة بالدعاية الانتخابية على واجهات الاسواق والمحلات وغيرهما لجاوا الى التخلص منها بوضعها على ملصقات تعود لمرشحين اخرين من دون ان يجهدوا نفسهم في البحث عن اماكن اخرى تؤدي الغرض ذاته . وعلى الرغم من التوجيهات التي اعلنتها امانة بغداد حول ضرورة رفع كل اشكال الدعاية الانتخابية بعد الانتهاء من العملية الانتخابية ، فان كثير من مفاصل هذا النشاط مايزال موجودا في محله بسبب عدم اهتمام المرشحين الذين تنافسوا على الظفر بمقعد في مجلس النواب بضرورة ازالتها . وينضاف الى ذلك ان الطريقة التي اعتمدت في مهمة رفع الملصقات وغيرها لم تك افضل مما انتهج في تثبيتها من اساليب . ومصداقا لذلك ماتزال مدننا وشوارعنا وساحاتنا تزخر بكثير من هذه الملصقات او اجزاء منها وهي تتحدى الظروف المناخية التى تعيشها بلادنا ،وفي مقدمة ذلك الامطار والعواصف الترابية وسحب الدخان التي تبعثها محارق المستشفيات والمصانع واماكن حرق النفايات التي تسود ازقة مدننا ومحلاتها سعيا في التخلص من النفايات بهذه الطريقة الخاطئة . والانكى من ذلك ان ملصقات تخص مرشحين شاركوا باول انتخابات نيابية شهدها العراق ماتزال في اماكنها ، فضلا عن العشرات من عناصر الدعاية الانتخابية التي جرى اعتمادها في انتخابات مجالس المحافظات . ومصداقا لذلك وجدت قبل ايام خلال زيارتي لاحدى محافظاتنا العزيزة ملصقا يثير العطف والسخرية في آن واحد حيث كتب صاحبها الذي دخل معترك المنافسة في انتخابات مجالس المحافظات اسفل صورته التي يظهر فيها مبتسماعبارة ( اخوكم ابو ...مستقل....و يعدكم ....). والغريب في الامر اني مادخلت زقاقا في مركز المحافظة المعنية الا ووجدت هذه الصورة مثبتة على واجهات المحلات التجارية والبنايات والمقاهي الشعبية والمطاعم ومحطات تعبئة الوقود وغيرهما ، حيث يبدو صاحبنا بهيئة تثير عطف ابناء مدينته لكسب اصواتهم ، وحين اخفق في الحصول على الاصوات التي تؤهله الحصول على مقعد في مجلس المحافظة قد يوصله الى منصب المحافظ تنصل من وعوده وترك الملصقات الخاصة بدعايته الانتخابية في اماكنها ،ولااعرف الحكمة من اصرار هذا الرجل الذي يبدو وقورا في ابقاء صوره معلقة في اماكن مختلفة من المدينة التي ولد وعاش وترعرع فيها ومايزال يقضي اغلب وقته بمصاحبة الاركيلة في لعب الدومينو يوميا باحدى مقاهيها التي تزين واجهتها صوره التي تضرر بعضها وازيلت اجزاء من بعضها الاخر . إن التمتع بافق الديمقراطية لايعني القبول بمخرجات تسهم بزيادة مصادر التلوث البيئي التي اصبحت سائدة بمدننا وشوارعنا واسواقنا ومعظم مظاهر حياتنا العامة ، حتى وصلت الى واجهات منازلنا . والظاهر ان تحذيرات امانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات التي تضمنت التهديد بفرض غرامات مالية على المرشحين الذين لم يمتثلوا للتوجيهات المتعلقة بازالة مكونات دعايتهم الانتخابية لم تجِد نفعا في الحيلولة دون تعريض بيئتنا التي اتعبتها الحروب وتداعياتها الكارثية الى التلوث البصري ، إذ اننا لم نسمع ان هناك من تعرض الى التغريم المادي جراء عدم تعاونه مع الاجهزة الحكومية المعنية . إن ما افرزته الانتخابات النيابية العراقية بنسختها الثانية ، فضلا عن انتخابات مجالس المحافظات من اهمال لمهمة ا زالة مظاهر مختلف ما استخدم في الدعاية الانتخابية كانت من الشدة بحيث انها اسهمت بفاعلية في التاسيس لما يوصف في الادبيات البيئية باصطلاح ( الارهاب البيئي ) الذي اصبح واقعا يستلزم من الجميع ، لاسيما الاجهزة المعنية وفي مقدمتها وزارات البيئة والصحة والبلديات ومجالس المحافظات وامانة بغداد وقفة جادة ومسؤولة للتوعية بصدد مخاطر هذا الواقع ، الى جانب التنسيق الفعال والمثمر من اجل العمل على ازالة ماتبقى من عناصر الدعاية الانتخابية ؛ لأهمية الموضوع الذي يتطلب وعيا مجتمعيا يقود الى الى ممارسات عملية تسهم بنظافة البيئة العراقية وتحسينها ، فمن غير الممكن قبول افكار مريضة لاتتوائم مع التطور الانساني والحضاري الذي رسمه العقل الانساني في بلد تظلله الديمقراطية . إذ ان المجتمع الذي يعتمد الديمقراطية والحرية دعامات اساسية في مهمة نقله الى مصاف الدول المتحضرة يعد مجتمعا متقدما يستوجب من قياداته الادارية ايلاء الوعي البيئي اهتماما خاصا للاسهام بخلق بيئة نظيفة تعكس آفاق التطور التي يتطلع اليها ، فضلا عن الحفاظ على مختلف مراكز الجذب السياحي التي يمتلكها العراق لدعم وتعزيز موارد الناتج المحلي الاجمالي . ومما يؤسف له ان منظمات المجتمع المدني التي تعول الشرائح المثقفة آمالا كبيرة على دورها في تبني سياسات فاعلة تدعم الوعي المجتمعي لاهمية بيئة الحياة وضرورة المحافظة عليها لم تعزز هذه المهمة ببرامج وفعاليات ميدانية تدعم هذا التوجه الذي يعد مسؤولية انسانية ووطنية لارشاد وتذكير الناس باهمية البيئة النظيفة ، فضلا عن الضغط على الاجهزة الحكومية المعنية لتذكيرها بما ينبغي القيام به من أعمال في مهمة التخلص مما يعد ملوثا لنظافة البيئة . إذ انحسرت نشاطاتها واقتصرت فعالياتها على بعض المواضيع في الصحافة المحلية . إن ازالة كل ما يتعلق بمجال الدعاية في العملية الانتخابية من المدن والشوارع والاسواق والمطاعم والمقاهي والمحلات وواجهات المباني والمنازل ومواقع سيطرات الاجهزة الامنية وغير ذلك من الاماكن تعد مهمة وطنية يعنى بها كل عراقي غيور يطمح الى العيش في ظل خيمة العراق الجديد التي يتعطر سقفها بنسمات الحرية التي دفع من اجلها شعبنا انهارا من الدماء الزكية . واختتم حديثي بدعوة صادقة ومخلصة لتنظيم يوم وطني يخصص لازالة كل ماتبقى من اشكال الدعاية الانتخابية لتخليص مجتمعنا من احدى مظاهر الارهاب . انها دعوة لكل سياسي وبرلماني وللقيادات الإدارية ولكل الإدارات والمنظمات غير الحكومية والى ابناء شعبنا المجاهد لنسهم في اعادة الالق لبلدنا .• لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب
https://telegram.me/buratha