احمد عبد الرحمن
يقاس تقدم الامم والشعوب ونهضتها في شتى المجالات والميادين بالمستوى العلمي والثقافي لافرادها، وطبيعة تحصيلهم الاكاديمي، واعداد المتميزين والمبدعين في جوانب العلم والمعرفة والمختلفة.ففي البلدان المتقدمة والمتحضرة تنحسر معدلات الامية الى حد كبير حتى تكاد تكون معدومة، ليس امية القراءة والكتابة، بل امية التعاطي والتعامل مع ادوات ووسائل ثورة المعلومات والاتصالات.وعلى العكس من ذلك تماما نجد ان ظاهرة الامية تستشري وتستفحل في المجتمعات المتخلفة والفقيرة والمحكومة بأنظمة ديكتاتورية استبدادية لاتعير وزنا ولا قيمة للعلم والمعرفة والثقافة، بقدر انشغال القلة القليلة المتسلطة والحاكمة بنزواتها ورغباتها الخاصة، وبتأمين ظروف بقائها واستمرارها في سدة الحكم.وما يبعث على الاسى والالم والاسف هو ان العراق، ذلك البلد الذي يمتلك عمقا حضاريا ضاربا في اعماق التأريخ ويزخر بثروات بشرية ومادية هائلة، وبالخبرات والكفاءات والطاقات المختلفة يعد من البلدان المتخلفة بمقياس معدلات الامية فيه.وفي الوقت الذي اقر مجلس النواب الموقر قانون محو الامية، صدرت تقارير من جهات مختلفة من بينها الامم المتحدة تشير الى نسسبة الامة في العراق تبلغ 24%، 13% منها بين النساء، و11% بين الرجال، وهذه ارقام ليست مقلقة فحسب وانما مخيفة ومرعبة، واذا اضفنا اليها عدد ونسب الاطفال الذين لايلتحقون بالمدارس او الذين يتسربون منها لاسباب مختلفة بعد اعوام قليلة من الالتحاق بها، فستكون الصورة قاتمة وسوداوية، وتنبيء بمستقبل غير طيب للبلاد.فالامية تعني الجهل، والجهل يعني الفقر والحرمان والتشتت والضياع على الصعيد الفردي، ويعني التخلف والابتعاد عن ركب التحضر والتقدم والمدنية وحركة الشعوب والمجتمعات الاخرى على الصعيد الجماعي-الاجتماعي.واذا كان هناك من يقول ان ذلك هو احد مخلفات الحقبة الديكتاتورية السوداء المظلمة، فهذا القول صحيح الى حد كبير-ان لم يكن صحيحا بالكامل- بيد ان ما ينبغي التذكير به هو ان صفحة تلك الحقبة المظلمة السوداء طويت قبل اكثر من ثمانية اعوام-او هكذا نفترض-وبقيت احوال التربية والتعليم على حالها على صعيد البنى التحتية والمناهج والمقررات، وطبيعة الاجواء والمناخات التي غالبا ما تشكل بيئة طاردة وليست جاذبة لمختلف المراحل التعليمية.ينبغي على الدولة، ولاسيما الاجهزة والمؤسسات المعنية ان تولي اهتماما بمكافحة الامية وتطوير التعليم بمختلف جوانبه بقدر اهتمامها بالجوانب الامنية والاقتصادية والسياسية.بغياب الاهتمام الجدي والمجدي بالتعليم ستبقى عملية التنمية والنهوض والبناء الاعمار المادي والمعنوي ناقصة ومجتزئة وبعيدة الى حد كبير عن الاهداف المتوخاة والمطلوبة منها.
https://telegram.me/buratha