محمدعلي الدليمي
الفلسفة السياسية لأرسطو ومنشأ رفض الدين ...غالبا ما تلصق المشاريع الفاشلة بالأسماء الإمعة لتسويقها وهذا ما حدث في الفعل بالترويج لهذه النظرية وامثالها،لينسب بعض مؤرخي الفلسفة السياسية نظرية العلمانية الى أرسطو,إلا إننا لا نعتبر ذلك صحيحا أبدا,وقد قيل ((من الأمور التي أغفلها الفيلسوفان (دانتي وتوما الاكويني)ولم ينتبها إليها هو خطر منهج العلمانية,ويعني عبادة الدنيا والدنيوية الذي يكمن في متن كتاب السياسة لأرسطو,ولا سيما القضايا التي تنشأ فرضية أرسطو التي يقول فيها:المجتمع المدني مجتمع كامل ومستغن الى حد ما,ولا يحتاج الى التطهير ونيل الجواز من عامل ما فوق الطبيعة)) والرد على هذه الشبه والتعمد في خلط أوراق النظرية ونشأتها،لابد من توضيح هذه النقاط وليس الغرض الدفاع عن أرسطو بل لتبيان وتوضيح الحقائق..أولا: لم يعثر على مثل هذه الفرضية في مؤلفات أرسطو أو مدوناته أو من خلال ما نقل عنه بالسماع.ثانيا:الواضح ان اصل نظرية أرسطو هو بالشكل الأتي:ما هي الحياة الأفضل؟ الأصل الأول الذي لا نقاش فيه (لأنه حق بصورة كاملة)هو ان الخيرات على ثلاثة أنواع:أ:الخيرات الخارجية من وجود الإنسان.ب ـ الخيرات المتعلقة بالبعد الجسمي للإنسان.ج:الخيرات المتعلقة بالنفس الإنسانية.ولا يميل احد للاعتقاد بسعادة من يفتقر الى الشجاعة والعدالة والتوازن والحكمة.ولا سعادة لمن يضطرب من ذبابة ويستسلم لشهوات الأكل والشرب وسائر الشهوات المادية, ومن لا يكترث بخيانة اعز أصدقائه مقابل سدس درهم, ومن بلغ إدراكه من الحقارة حتى صار أحمق ويصدق كل شيء كالطفل والمجنون.فالإنسان يعتقد أحيانا بان فضيلته أكثر من الآخرين وبدون أية وجهة حق.وبعد ان يثبت أرسطو بان السعادة عبارة عن مجموع الخيرات الثلاث المذكورة يقوم بإثبات ان(خيرات النفس)لها الأرجحية على جميع الخيرات وأشدها أصالة,وان هذه الخيرات هي التي تحقق السعادة للإنسان حيث يقول:الذات و حيث النفس بشكل مطلق,أو النفوس ألمنسوبه ألينا,هي أعظم وأكثر قيمة وأهمية من الثروة والجسم(والشهرة)إذن يجب ان يكون كمال النفس وكمال الثروة والجسم أيضا على أساس خيرات النفس,وبالالتفات الى القوانين الأصلية يجب ان تنتهي جميع الخيرات الخارجية لصالح خيرات النفس.وفي نهاية المطاف تكون مسألة: ان السعادة تقوم دائما على أساس الفضيلة والحكمة وإطاعة قوانين خيرات النفس.هذه المسألة تكون حقيقة واضحة,ولإثبات ما سبق نستشهد بالله الذي لا ترتبط سعادته العلوية بالخيرات الخارجية عن ذاته,بل هي في ذاته الخاصة.ومن الممكن ان تجعل الصدفة,الخيرات الخارجية عن النفس من نصيبنا,ولكن الآنسان لا يستطيع ان يكون عادلا وحكيما من باب الصدفة.ومن خلال هذا الأصل القائم على الأدلة المذكورة,نستنتج ان الدولة الأفضل (أو الجمهورية الأفضل) هي الدولة السعيدة,إذن فالدولة من هذه الناحية هي كالإنسان الفرد الذي لا يحصل له الكمال بدون فضيلة . ومن البديهي ان الفضيلة والحكمة والعدالة ـ خاصة مع ملاحظة استشهاد أرسطو بالله لا يمكن ان تكون من نوع الأمور الدنيوية الطبيعية التي تظهر على أساس الغرائز وذاتها الطبيعية فقط. وبالنتيجة لا يمكن ان يكون نظام الدولة والحكومة والسياسة لا دينيا.ويمضي أرسطو قائلا:(من الممكن ان تكون هذه الحياة الشريفة المقرونة بالفضيلة والحكمة (ذات السعادة)فوق طاقة الإنسان,أو على الأقل ان الإنسان الذي يعيش مثل هذه الحياة ليس بسبب طبيعته العادية,أنما بسبب وجود حقيقة قدسية فيه,وتزداد فعالية اصل السعادة بمقدار عظمة هذا الأصل القدسي.يتبع الحلقة الثالثة...أنشاء الله تعالى
https://telegram.me/buratha