• بقلم: علي لطيف الدراجي.
لاتوجد على وجه الأرض قاطبة قضية ذبح فيها الحق وأهله كقضية أبي عبد الله الحسين(ع) بعدما واجه اعتى أقوام الدنيا حماقة وطغياناً حيث تمادوا في سبي العباد وظلم المحكومين فأسقوهم من تعسفهم وجورهم كؤوساً تلو الكؤوس ، وأذاقوا ظهورهم طعم العذاب بشتى الألوان ، وأمام هذه المعطيات لم يكن سيد الشهداء(ع) ليتغاظى حاشاه عن التفوه بكلمة ترضي الله وجده(ص) فهو كأبيه لاتأخذه بالحق لومة لائم وان قلبت الأرض مرات ومرات فكان صرخة أرهبت عرش يزيد ومن حوله وأضرمت في قلوبهم نار المواجهة فأختار الله سبحانه كربلاء مكاناً وعاشوراء موعداً لمنازلة عرف فيها الدهر الى يومنا هذا معسكر الحق وأهله ومعسكر الباطل وأهله ، فأضحت كربلاء درساً يتتلمذ على مناهجه الأحرار ويتعلم منه المظلومون ان الثورة لاتصطلي دون رجال تفيض الشجاعة والعزيمة من نفوسهم وتتفجر الحمم من أيديهم ، فالكل يعرف كربلاء وفرسانها يوم مزقوا رايات الظالمين ولم ينصاعوا للفاجر وإرادته في الخضوع والاستسلام لأنها قضية حق مؤود بأياد لم تسجد لله الواحد القهار.وفي خضم هذه المعركة الخالدة في وجدان العقلاء وقضيتها العادلة ابد الدهر تلوح الدروس والعبر التي سطرت بأنامل أبطال حفروا في جبين الوجود أعظم انتصار عرفته الإنسانية ومن هذه الدروس ماصاغته اكف الإمام أبي الفضل العباس(ع) من بطولة وعنفوان يوم بكت القربة دموعاً لا ماء لأنها سالت على أديم الصحراء ولم تروِ اطفال ينتظرون وعلى لسانهم ينوح العطش.ان العباس(ع) لوحده قضية تمثلت فيها كل معاني الرفعة والسمو حيث وقف على خط واحد مع أخيه الإمام الحسين(ع) وهو يرمق سيول الظلم تجتاح الصحاري والبوادي لكي يغتالوا نور الإمامة ويستبيحوا دمه الطاهر على ثرى كربلاء ، وهذه القضية ألهمت الكثيرين من القادة والزعماء وعلى اختلاف أديانهم وانتماءاتهم حيث انهم ادركوا معانٍ سامية تجردت من الزيف والمصلحة وتلألأت فيها المواقف النبيلة والأخلاق الرفيعة.فمن منا لايعرف نابليون بونابرت قائد الحملة العسكرية الفرنسية ذلك القائد الذي يظن البعض انه لايعرف سوى لغة التوسع والهجوم ولايعرف التعامل إلا مع الجنود وصوت الرصاص ، هذا القائد كان يعرف العباس(ع) ويعرف جيداً كيف سطر أبي الفضل(ع) أروع صور الأخوة الحقة في اصعب موقف وخصوصاً عندما منح فرصة الخلاص ولكنه(ع) ابى أن يرتدي ثياب الخيانة واختار الشهادة بين يدي أخيه الإمام الحسين(ع) دفاعاً عن القيم والمبادئ التي شربها من معين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع).فبعد ان بسط نابليون بونابرت سيطرته على مصر وتمكن من فرض إرادته العسكرية عليها ، حاول ان يتوسع على حساب الدول المجاورة لتعزيز انتصاره وتحقيق مكاسب اخرى على الأرض ، فقال يوماً ما لأخيه بأنه يفكر في توسيع رقعة احتلاله وانه قادر على تحقيق انتصار جديد وهو أمر بات من السهل تنفيذه وفي أي وقت فلما سمع أخيه هذا الكلام قال لنابليون وبلا تردد: اذا كنت عازماً على هذا الأمر فاني راجع الى باريس ، فما كان من نابليون الا ان يرد عليه بالقول: ظننتك كأخ الحسين.عندما نذكر الطف ويومها العظيم بكل ألامه وشجونه نذكر الإمام الحسين(ع) ولاننسى الإمام العباس(ع) لأنه يمثل بطولة الروح ولأنه عهد عقده مع أبيه ذلك النبأ العظيم ولأنه من أهل بيتٍ رضعوا الوفاء والتضحية والإباء من منهل الرسول العظيم محمد(ص).عندما نذكر الطف ولهيب رمالها ودمائها وصراخ النساء وهم يشاهدون ذبح القرابين التي قدمها أبي الضيم(ع) على منحر الشهادة نقف بإجلال أمام فارس بقي يدافع عن المبادئ حتى الرمق الأخير من حياته مضحياً بكل شئ حتى يفي لأبيه ما أوصاه به لهذا اليوم الرهيب ، وعندما حان الوداع فإن الإمام العباس(ع) لم يجد من سبيل لتوديع أخيه الإمام الحسين(ع) إلا بوداع الروح مع الروح على أمل اللقاء عند رب العرش العظيم.
https://telegram.me/buratha