عبدالرزاق الكاظمي
عندما تنعدم الرؤى فالوطنيـة هي المعيار بعد سقوط الطاغية وزوال حقبته السوداء التي تميزت وكما هو معروف بالظلم والقهروالتخلف والطغيان والتهميش لكل من لا ينتمي له او يرتبط به وبعائلته وقريته وعشيرته ومدينته وحزبه ونظامه . لاريب في ان فجرا جديدا قد انبثق وانبثقت معه جملة من المتغيرات التي لو قدر ان نقارنها بما مضى فهي لاتقدر بثمن بل ولايمكن حتى مقارنتها بلحاظ الهوة بينهما . وقد عبرت هذه المتغيرات عن نفسها أولا بنظام سياسي متطور وفريد من نوعه في العراق وبقية دول المنطقة التي ترزح اغلبها تحت نير الانظمة الشمولية . كما وبتحولات داخلية غير مسبوقة اهمها ان العراق قد تحرر بل وتخلص نهائيا من كل ما الم به في السابق من علل وعاهات وآفات مرضية مختلفة سببها ليس النظام السابق فحســب بل وأغلب الانظمة التي سبقته والتي لايختلف اثنان بأنها ساهمت ايضا بالرغم من ضعفها ومحدودية ما عندها من قوى او موارد بما حل بالعراق من كوارث ومصائب اتسع مداها ونطاقها في الحقبة الصدامية فيما بعد . بمعنى انه تخلص من سلطة وقانون الرجل الواحد ومما هو يحب ومما هو يكره وما يتبعهما من سلطات وقرارات وقوانين يخضع لها العراق ويقاد بها الشعب العراقي والتي منها معاناته بالامس ومن مخلفاتــه اليوم . وبعد عدة سنوات من نهايته وبعدما اصبح الانسان هو المعــيار وهو الاساس ومنه واليه تنطلق المتغيرات وما يرتبط بها وبتعبير آخر انها تبتدأ وتنتهي به وهو يأخد بقدر ما يعطي ويعطي بقدر ما يأخذ . وأغلب الذين صنعوا او ساهموا بالتغيير كانوا يطمحون الى تحقيق هذا الهدف عبر مراحل محددة وبخطوات محسوبة ومدروسة تتناغم وماعلى الارض من مخلفات وربما شظايا من حقبة ما مضى وهي كثيرة ومن العيار الثقيل ايضا وأغلبهم مسلم بها وهم مصرون على مواجهتها كلها وبتحد واضح يؤكد انهم بصدد القضاء عليها لأن مستقبل البلد والنظام السياسي فيه لايستقر ما لم ينتهي هذا النوع من المعوقات .. ومع ذلك يمكن القول ونحن وبنفس الوقت الذي نقدر فبه قيمة الجهد المبذول وحجم ومقدار هذه التحديات فأننا لانقر بل ونستهجن البطئ الشديد الذي تتسم فيه عملية الاصلاح عموما والتي لابد وان تنعكس سلبا على مجمل ما يجري رغم علمنا بأن اسبابا قد تكون موضوعية وقد تكون ذاتية تؤخر وتعرقل كل جهد بهذا الاتجاه منها ما هو بالقائمين على العملية السياسية الراهنة وبالذات منهم من أنتسب لها كرها بعد السقوط طمعا بالغنيمة او اللحاق بالقطار كما يقولون ومنها ما له علاقة بالنظام السابق وبجملة سياساته خاصة سياسة التهميـــــش والاقصاء التي تفنن بها ومارسها بكل قوة ضد كل ما لاينتسب اليه والتي اسفرت مع عامل الزمن والظروف المحيطة عن استحواذ وسيطرة مجتمع النظام او السلطة الحاكمة على كل مفاصل الحياة في البلد بحيث غدى هو من يشار له وهو من له القدح المعلى اما الاخرين وهم الاغلبية المطلقة فليس لهم سوى الفتات والشقاء والبؤس والطاعة العمياء . وبعد عدة سنوات أقول يفترض بأن المتغيرات وكل ما له علاقة بالتغيير الذي حصل قد فرضت قوانينها وان هذا الفجر الموعود قد تحققت فيه كل التطلعات . ولكن هذا المجتمع الذي كان حاكما بالمطلق ثم تحول الى محكوم وحسب وزنه الحقيقي او حجمه المؤثر حسب المعايير التي يفرضها النظام الديمقراطي بمعنى ان الفائز هو من يحكم وهو الذي يدير دفة السفينة ويوجهها حسب برنامجه الانتخابي . والفائز هو من يحصل على الاكثرية وهي محسومة سلفا في ظل الوضع الحالي . ثم ان الارقام التي هي على الارض هي التي تتكلم بعد سقوط الطاغية وهي التي تحدد القادم الى الحكم او السلطة . عكس ما كان بالأمس فالارقام على الورق اي ان النظام وما دامت أرقامه ورقية فهو الوحيد الذي يأخذ بها ويعتمدها حصريا وهو يدرك انه ومجتمعه وكحجم على الارض ليسوا كما هم على الورق لذلك لم يعلنها او يبرز ما يشير لها حتى ولوبالايماء وما اشبه ومع ذلك فهي معروفة والجميع يدركون كم لهم من الحجم ولكن بدون جدوى . اقول وعودة الى تساؤلنا هل ان هذا المجتمع قد تفاعل مع الواقع الجديد وهل انه مؤمن وبالقدر الذي نلمس منه (رموزه وكياناته) انه معنا او مع الواقع الجديد وانه صادق بما يكفي وببرائته مما مضى وهو مهم جدا . و نحن هنا لانحب الدخول بالتفاصيل لكي نقول رأينا اولا لانها تأخذنا الى ما لانرغب به الان وثانيا أنها ليست موضوعنا حاليا وثالثا أنهم هم من تولى الاجابة وهم من حدد الخيارات الخاصة بهم وهي انهم اعلنوا الحرب وبكل ما تعنيه وبعناوين ومسميات معروفة ومحتلفة وهم من ذات المجتمع لكنهم تميزوا عن اقرانهم انهم الاكثر شراسة ودموية والاكثر وقعا في تدمير البلد والعبث في نسيجه الاجتماعي . اما النوع الاخر وهم الاكثرية فهم من اشترك بالعملية السياسية وانخرط في كل مفاصلها ولعبوا ما تيسر من أدوار ومهمات وكذا بصنع القراروما يتعلق بأدارة الدولة والمجتمع بالرغم من حجمهم الجديد الذي لم يعد كما كان معززا بالنظام واجهزته والدولة ومفاصلها . والغريب ان ان اغلب الوجوه او الرموز التي تمثلها هنا وهناك بما فيها الكتل والواجهات التي تشير اليهم بالتمثيل او الانتساب وهم ادواتها لاتخفي ما تضمره اوتلونها او حتى عدائها للعملية السياسية وهي غالبا ما تلعب دور المعرقل والمشوه وتجاهر بما عندها من مواقف شاذة وغير سليمة وهي تشير على انهم بالضد من النظام الحالي حتى وهم جزء منه . والكارثة ان بعضهم يدعم ويؤيد الارهاب بل وعينا له في المراكز التي لايتمكن من الوصول اليها ؟ لذلك نقول وبقوة ان كل الازمات التي عاشها العراق( ونحن نتحدث عن فترة ما بعد السقوط ) والعملية السياسية هم وراءها سواء منهم من حمل السلاح او هو منها ولكنه يحاربها بحثا عن مغنم او أمتياز يتيح لهم ممارسة ذات الدور الذي كانوا فيه هم من يحكم ويتحكم . وهم ومن اجل ان يكونوا هكذا فهم يسترخصون كل شيء بما فيها البلد والدين وكل ما يتفرع منهما من مباديء وقيم . وما حصل وما سيحصل لاحقا يكفي في الحكم ويغنينا ايضا عناء البحث في الدفاتر والمحاضر والشوارع وما مضى من عهود ومواثيق التي تشهد كم باعوا من الارض وكم تنازلوا وكم وهبوا لكي يستمروا بالحكم ويستمر معهم ولعهم بالهيمنة والتفرد ؟ ومع كل ذلك ولحد الامس القريب اعلن احد رموزهم الجدد انهم وعندما يتعلق الامر بالمصالح فهم سيكونون مع كل مشروع قد يؤدي الى تقسيم العراق على اسس طائفية او على شكل كانتونات طائفية وهنا مربط الفرس ؟ وبالطبع هكذا صاحبهم اراد ونحن في غنى عن االتصريح باسمه لكونه تكلم علنا وعبر الهواء الطلق كما ونحن ايضا في غنى عن التعليق هنا لكونه كفى ووفى . ولكننا نرد بالقول ان الطرف الاخر وهم الاكثرية المطلقة فهم ومنذ ان تأسس العراق الحديث وهم خارج الحكم اي انهم ومنذ اكثر من ثمانين سنة وهم بلا دور او وزن كما وانهم لايمتلكون سلطة او مسؤلية بل ولا حول لهم ولا قوة وما اشبه رغم وزنهم وحجمهم .ومن منذ ذلك التاريخ ورغم كل ما مر بهم من محن وما تعاقب على حكمهم من انظمة قمعية فاسدة اذاقتهم الويلات الا انهم وبكل تكويناتهم وتوجهاتهم القومية والطائفية او المذهبية لم يطالبوا بما طالب به غيرهم بل ولم يصرح اويطلب حتى ولو على سبيل الدعابة اي منهم مثلما اراد او صرح غيرهم وبقوا حماة اصلاء للعراق لم تهزهم العواصف او القواصف وكانوا السباقين بدمائهم وكل ما هو غال عندهم في حمايته ورعايته والوقوف بوجه كل المحاولات المناهضة له القديم منها والجديد كما وهم مادة كل القوى والحركات والاحزاب الوطنية والتقدمية والاسلامية . وهي موثقة ومعروفة وتاريخ العراق الحديث يشهد ويؤكد على هذا الارث المتنوع والمهم . ومع ذلك هناك ولأسباب لم تعد غريبة او مجهولة من يلغي كل هذا الارث الضخم والاغرب انه يطعنهم بما يعتزون ويفتخرون به دوما وهو اصولهم وهويتهم العربية والوطنية ومعتقداتهم الاسلامية حتى انها اصبحت عنوانا للقدح والذم وحتى الالغاء ( لاشيعية بعد اليوم) +(التهجير ) وما اشبه ألمهم ان الوطنية وأزاء هذا الكم الهائل من التشويه والعبث ثم ما يحصل الان من تخندقات واصطفافات ومن قتل على الهوية يجب ان تكون وكخيار لايقبل القسمة هي (المعيار) وهي الاساس في كل مفاضلة او تقييم او ترتيب او تكوين . وعندما نؤكد على هذا الخيار وندعوا للتمسك به لانه يبقى الوحيد الذي يلغي كل العقد والحساسيات القائمة والتي منها يتسلل من يريد الاذى والشر للعراق . ولايخفى بأن البعض يرقص طربا لأستمرار ما يحصل حتى وهو يقول انا عراقي وفي خضم لعبة صراع المصالح هذا( العراقي ) يتحرك وبكل الاتجاهات لكي ينال ما يريد والطريف اننا نرى وليس بالضرورة بشكل علني مع كل ازمة تتسلط الاضواء وبشكل تلقائي وممنهج عليه وعلي مطالبه تحديدا وعندما تتوقف الصراعات من الطبيعي ( يكش) ويرجع الى حجمه السابق وتتوقف معه احلامه وما يضمر .. المهم انها( الوطنية) لاتتقاطع والتجربة الديمقراطية بل وتعززها وترسخها خاصة اذا اصيح الوعي جمعيا مثلما عند من سبقنا بها . فهما تؤمان ويقودان كل التجار ب في العالم وبنجاح . ونحن وكعراقيين نشهد وكلا حســــب مهجره ووطنه الجديد ومن خلال المعايشة والمشاركة بما هو حقيقة وواقع نأمل ان نعيش مثله اوما يساويه عند اهلنا بالعراق . وقبل ان نودع الاخوة القراء لابد وان ننوه او نشير الى ان وطنيتنا التي ندعوا ونبشر بها لاعلاقة لها بما هو متداول ولابكثرة من يدعون ويصرخون بالمزادات . فهؤلا هم ومشاريعهم سمسرة وتهريج وتقاطع للمصالح والنوايا وتبادل منفعة وادوار ليس لها من هدف او معنى . وما على الا رض يفضح كل اهل الرايات ووجوه الفضائيات فكم منهم من يقول انا العراق ولكن اعماله هي بالضد منه بل ويطعنه بالصميم و يفضل مصالحه وطائفته وحزبه عليه . كما وهناك منهم من يخفي وبأستمرار رأيا آخر غير ما يعلنه وهو يتناغم وما خلف الستار من احلام وأماني ليس لها ادنى صلة بالعراق ؟ واذا ااردنا ان تكون احكامنا عادلة وسريعة وكمثال على تدني كل شيء عندهم هو موقفهم من اعتداءات وتجاوزات دول الجوار وبالذات الموقف من دويلة آل الصباح وميناء اللامبارك على وجه الخصوص ؟ كما وان الفساد المستشري بما يحمله من تبعات وأضرار يخدش الحياء لسعة مساحته يعني ايضا ان المفسدين كما بعض السياسين تنعدم فيهم كل الاصول والقيم وان الوطن والدين عندهم (جيبهم ) او(دينارهم ) فأذا أردنا ان نعيد الحياة اكرر الحياة الى العراق ينبغي ان تكون الوطنية الصادقة هي المعيار الذي من خلاله نفرز ونحدد من هو الوطني المخلص ومن هو المزيف (المنافق)
https://telegram.me/buratha