قيس السهلاوي
يحلم العراقيون ومنذ عقود طويلة بدولة يسودها العدل والأمان الذي زل مفقودا وعزيز االمنال عقب تعاقب صفحات الدم التي غطت ارض العراق منذ أقدم العهود ,بحيث أصبحت ارض العراق مختبرا لولادة الطغاة والمجرمين الذين تفننوا في تعذيب وقتل مواطنيه وتشريدهم فالحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان جلادا بامتياز والذي خرج من معطف الدولة الاموية الذي اختارته ليكون سفاحا باسمها لقتل العراقيين وتعذيبهم وتشريدهم ,حيث حصد هذا الجلاد لوحده روؤس اكثر من مائة الف مواطن عراقي ,فضلا عن سجن اكثر من 150 الف وتهجير اكثر من ربع مليون منهم ,اضطروا لترك ارض العراق والهجرة الى بلدان اخرى الى درجة دفعت بأحد خلفاء بني امية لان يطلب من ولاته إرجاع العراقيين الهاربين الى امصارهم . هذا السياسة الدموية انجبت عتاة المجرمين الذين تعاقبوا على حكم العراق وتسببوا في اهدار امواله وثرواته وتشريد ابناء شعبه كان اخرهم الطاغية المقبور صدام . حصاد سنوات العنف والدم يدفع اليوم باتجاه بناء دولة المواطن والمؤسسات والقانون عبر تدعيم وسائل التفاهمات السياسية واحترام نصوص الدستور والعمل بها واستثمار المشتركات السياسية والثقافية فيما بينها ولعل ما قام به السيد عمار الحكيم من خطوة بتحويل كتلة تيار شهيد المحراب في البرلمان الى كتلة المواطن انما تصب بهذا الاتجاه عبر تفعيل ميدان العمل البرلماني الرقابي والتوجه الجاد لتحريك المتكلس والجامد من الخطط والمواقف السياسية الراغبة بالسير باتجاه بناء الدولة الحديثة والتصدي للفساد الاداري والمالي والتجاوز على القانون والدستور . لقد كانت السنوات الثماني الماضية التي اعقبت التغيير غير ملبية لطموح المواطن بوجود حركة أعمار تنهض بالقطاع الخدمي وتعكس رغبة قادة البلاد بطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ومشرقة من تاريخ العراقيين ,لكن البلاد وشعبها صدموا بظهور طبقات فاسدة باتت تستغل مواقعها السياسية من اجل الإثراء والتربح غير المشروع واستنزاف أموال البلاد وسرقتها وتحويلها الى ارصدة سرية وحسابات في الخارج والمؤسف ان بعض الكتل السياسية وقادتها يتحولون الى مدافعين عن هؤلاء الفاسدين ومحامين عنهم يمنحونهم شهادات البراءة المجانية عن بطلان التهم الموجهة اليهم ,فضلا عن ممارسة ضغوط خفية من اجل منع ملاحقتهم وسجنهم , هذه الطريقة المزدوجة في ادارة امور البلاد تصيب المواطن بخيبة امل شديدة تجاه هذا الواقع المؤسف والمتردي وتجهض أحلامه وآماله بولادة دولة جديدة تقوم على انقاض الدكتاتورية والفساد . كتلة المواطن التي تنهض اليوم باعباء ثقيلة من خلال حجم التراكم الهائل في الخروقات والتجاوزات التي تولدت عن السنوات السابقة وعدم وجود ضوابط قانونية وإجراءات وتفعيل لدور المؤسسات المستقلة في محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين المقصرين ,اضافة الى تعديلا الدستور وتوضيح الغامض والمبهم من احكامه وبنوده واصدار قوانين جديدة تتلائم مع متطلبات المرحلة الحالية للبلاد تضع في اعتبارها بان هذا العمل يحتاج الى جهود جبارة والى موقف واضح من قبل الجميع للعمل من اجل تحقيق هذه الاهداف . كل هذه التراكمات تبدو اليوم بحاجة الى كتل وطنية تتخلى عن انتماءاتها الحزبية الضيقة وتنحاز الى الشعب العراقي وتؤمن بان الانجاز الحقيقي هو في خدمة المواطن العراقي والنجاح في اقامة ما يحلم به من دولة العدل والحرية والكرامة من دون جلادين وقتلة أمثال الحجاج وصدام دولة تقوم على الشراكة والتعددية وقبول الاخر ونبذ لغات العنف والاقصاء والايمان بان الشراكة وحدها من تضمن للبلاد امنها واستقرارها عبر استيعاب الجميع . الطغاة الدمويون فشلوا في حكم العراق لانهم لم يؤمنوا بالشراكة وسقطوا في اختبار التاريخ الذي ادانهم وفضح جرائمهم بينما يصبح طريق بناء الوطن سالكا بشراكة وتالف اطيافه ومكوناته وقادته السياسيين .
https://telegram.me/buratha