قيس السهلاوي
ظلت عملية بناء الجيش العراقي ومنذ تأسيسه وحتى حله تخضع الى استراتيجية تقوم على عسكرة المجتمع العراقي وعلى توظيف الجيش لخدمة السياسة بعيدا عن الغرض الأساسي الذي تنشأ عليه الجيوش وهو الدفاع عن البلاد وعدم التدخل في السياسة باعتبار ان اجهزة أمنية اخرى متخصصة هي وحدها يمكن ان تتدخل لحل أية اشكالات امنية ,فضلا عن اتباع الطرق السياسية والدبلوماسية في حل النزاعات والخلافات الداخلية والخارجية . لقد تمتع الجيش العراقي في الماضي بسجل لا يمكن انكاره من التدخل في الحياة السياسية في البلاد فهو صاحب الرقم القياسي في القيام بأول انقلاب عسكري في منطقة الشرق الأوسط عام 1936 بقيادة الفريق بكر صدقي رئيس أركان الجيش وقيل انه تلقى تأييدا من الملك الراحل غازي لتنفيذ الانقلاب بغية إسقاط وزارة ياسين الهاشمي التي كان يعارضها الملك ولايرتاح اليها ,حيث كان الثمن باهظا ,حيث تسبب الانقلاب وقتها في مصرع وزير الدفاع جعفر العسكري الذي كان يعد احد الساسة الذين اتخذوا قرار تشكيل الجيش الراقي عام 1921 وكان امرا لاول فوج فيه ,واصبح الطريق مفتوحا بعدها امام الجيش للتدخل في لعبة السياسة ,حيث اصبح جنرالات الجيش العراقي رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين في الدولة ,اضف الى قرار التجنيد الاجباري الذي حول الجيش العراقي من مؤسسة محترفة تعتمد على المتطوعين الى مؤسسة مترهلة تحفل بالمجندين غير الراغبين بالانضمام الى الجيش رغما عنهم ,ولم تكن هناك خطط نوعية لإبقاء الجيش مؤسسة محترفة كباقي الجيوش المتطورة تعتمد على برامج القتال والتسليح الحديثة في مجال عملها ,بل أصبح مؤسسة مترهلة تضم في داخلها اعدادا ضخمة من الجنود تكبد ميزانيات الدولة موارد مالية طائلة ,إضافة الى ان هذا العدد الضخم من الجنود شكل دافعا مغريا للسياسيين وضباط الجيش للاستمرار في لعبة الانقلابات العسكرية وشن الحروب في الداخل وهو الوضع الذي استمر حتى سقوط النظام البائد . بعد عملية إسقاط النظام تم الاتفاق على إعادة بناء المؤسسة العسكرية من جديد ولكن وفق مناهج واساليب جديدة لا تقوم على الأساليب السابقة ,بل تتبع أساليب تقوم على جعل الانضمام الى الجيش وفق نظام التطوع مع تجهيز الجيش بالاسلحة الحديثة والمحافظة على دوره المستقل كحامي شرعي عن البلاد . هذه التوجهات ينبغي المحافظة عليها والعمل على احترافية المؤسسة العسكرية وعدم الزج بها في النزاعات السياسية مع المحافظة على الطابع المدني للجيش وعدم تحويله الى مؤسسة قمعية تسلطية كما كان يحصل في الماضي . الجيش العراقي بحاجة اليوم الى برامج تسلح تكون قادرة على تلبية متطلبات البلاد الدفاعية في الوقت الراهن ,لكن عملية التجهيز ما تزال بطيئة ولا تتم مراعاة عوامل التعدد في مصادر التسليح ,اضف الى ذلك غياب الاستراتيجية فالجيش مقبل على حفظ امن البلاد بعد انسحاب غالبية القوات الامريكية من البلاد مطلع العام المقبل وهو لا يملك الطائرات والدبابات والاسلحة الاخرى مما يؤكد بان عملية البناء لم تتناسب مع مرحلة الانسحاب التي اكد فيها اكثر من مسؤول حكومي امني جاهزية البلاد لتسلم الملف الامني بالكامل بينما نجد ان تسليح الجندي العراقي ما يزال ضعيفا ودون المستوى المطلوب ,بل ان اسلحة الإرهابيين تكافيء حاليا تسليحه وفي مثل هذا الامر ليس صحيحا فالمراجعة لبرنامج التسليح يبدو امرا مطلوبا وضروريا فبناء الجيوش وصيانة امن البلاد تدار بالخطط الاستراتيجية والتوظيف الصحيح للقدرات وتامين الاحتياجات وليس بالأمنيات والتصريحات المجاملة والتي تقدم صورا زائفة وانطباعات ضبابية تضع مستقبل البلاد في خطر .
https://telegram.me/buratha