حســـين الصــــدر
قال الشاعر :أرى كلَّ انسانٍ يرى عيْبَ غيرِه ويعمى عن العيْب الذي هو فيهِوما خيرُ مَنْ تخفى عليه عيوبُه ويبدو له العيْبُ الـــــذي بأخيه ؟حبُّ النفس يقود الى الغفلة عن عيوبها ومساوئها ،وما تنطوي عليه من صفات ذميمة ....وتبلغ الوقاحة ببعضهم أنْ يجعل نفسه المقياس ، والنموذج الذي يُحتذى، فمن قارَبَهُ في الصفات كان الناجح الصالح ، ومن لم يكن مشابهاً له ، كان الفاشل الذميم !!وهذا منتهى الجهل ، وغاية الحماقة ..!!مَن قال انك المبرّء من كل العيوب والخالي من كل الذنوب ؟ومن أين حصلتَ على صكّ البراءة مما يشوب الشخصية البشرية ويعتورها من أعراض ، تبتعد بها عن واحات الأخلاق الفاضلة ورياض السجايا النبيلة ؟لقد دلّت التجارب البشرية على أنَّ أكثر الناس استعراضاً لعيوب الآخرين ، هم الغارقون الى الأذقان بعيوبهم وقد تجعلهم نرجسيتهم العاليه في موضع الراصد للثغرات والمتتبع للأخطاء والهفوات عند الآخرين فقط دون النظر الى ما اشتملوا عليه من مرذول الصفات والطباع .ان بيوتهم من زجاج ،ولكنهم لا يكفّون عن رمي الناس بالحجارة !!انهم يرفضون الاعتراف بالخطأ ، ويعلّقون على مشاجب غيرهم كل ما يتراكم من تقصيراتهم وما يسجّل عليهم من مواخذات ...!!!وما يقال عن الأفراد في هذا المضمار يقال عن الجماعات ،والكيانات ، حيث لا فرق بين (الأنا) الفردية و (الأنا) الجماعيّة .والساحة العراقية تشهد اليوم العديد من المظاهر الاحتجاجيه من قبل المواطنين على الحكومة ومجلس النوّاب ، حتى ليبرع البعض بتعداد العيوب وسرد الذنوب ، بشكل مثير، وبنبرة حادّة، بتوجيه الاتهام الخطير الى معظم المسؤولين ، ولا تلمح في غمرة هذه المعمعة ،ما يُشعرك بان هنالك طرفاً آخر ، يتحمّل بدرجة أو اخرى شيئاً من المسؤوليه ، عما وقع من تقصير في أداء الخدمات ،وعجز عن معالجة الأزمات انْ في قطاع الكهرباء او غيره من القطاعات ،ناهيك عن الفساد المالي والأداري الضارب بأطنابه في طول البلاد وعرضها ،فضلاً عن البطالة ،ومشكلات البطاقة التموينيه التي تمس العوائل المستضعفة في الصميم ...الى ألوان أخرى من المعاناة التي ترهق كاهل المواطنين العراقيين وتتعبهم بشدة ،في الصيف كما في سائر الفصول الاخرى ...!!!ان على المواطنين العراقيين المستاءين مما وصلت اليه أوضاع البلاد سياسياً وامنياً واقتصادياً ،ان يدركوا أنهم انما يواجهون نتائج ما اختاروه بأنفسهم عبر صناديق الاقتراع .انهم حين استجابوا لنداء المصلحة والعشيرة والمال السياسي وعطلّوا الاستجابه لنداء الموضوعية والوطنيّه ، ابتلوا بنماذج سلبتهم ما كانوا يحلمون به من استقرار وطمأنينة وازدهار ...!!!ان عهد الانقلابات العسكرية قد ولّى دون رجعة ، ولم ينصب أحدٌ من المسؤولين الحاليين نفسه بالاكراه ، وبقوة الحديد والنار .ان المواطن العراقي المتململ الشاكي لابد ان يعترف بأنه مسؤول أيضاً عما يتعرض له اليوم من أوضاع مزرية ، وحالات بائسة ، ملأت قلبه بالهموم والأوجاع ....اننا بحاجة الى ان نشيع ثقافة التمسك بالمعايير الموضوعية ورفض المحاصصات الطائفية والفئوية ، من أجل ارساء قواعد العيش الكريم والوضع السليم ....إنَّ صوتك هو مستقبلك فلا تُعْطِه لأحد ، الاّ بعد الاطمئنان من كفاءته ووطنيته ونزاهته وقدرته على النهوض بالمسؤوليّه .لا تستجِبْ لكل الاغراءات والمحاولات والضغوط التي تريد ان تستل منك سلاحك في المعركة الكبرى، معركة بناء العراق على انه دولة (المؤسسات)،دولة ( المواطن ) ، لا دولة امتيازات ( المسؤول ) .واذا كان الأمام الصادق ( عليه السلام ) يقول : { أحّبُ اخواني اليّ من أهدى اليّ عيوبي } وحاشاه من العيوب ، انما أراد بهذه الحكمة الذهبيّه ان نشرح صدورنا لتلّقي الحقيقة ، وان نعترف بما اقترفناه من أخطاء في ممارساتنا .انَّ مفتاح الحلّ هو الاصرار على المشاركة في الانتخابات - سواء كانت انتخابات مجالس المحافظات أو انتخابات مجلس النواب - لا الهروب منها والعزوف عنها ، كما يتحدث به الكثيرون .وان لا نضع ورقة الاقتراع في الصندوق الاّ بعد تمحيص وتدقيق ، في معرفة الاكفاء المخلصين لشعبهم ووطنهم ،من ذوي التاريخ المجيد ، والنزاهة العالية ،والمهارة الفائقة ،والقدرة على النهوض بالمسؤولية ،ومتى ما كان الاختيار قائماً على هذه الاسس ،فان التغيير نحو الأفضل قادم لا محالة ، والاّ فاننا لن نشهد الاّ مسرحيات الضحك على الذقون ، وتقاسم المغانم بين المفتونين بأنفسهم وأحزابهم ومصالحهم ، لا المفتونين بالوطن والمواطنين ......
https://telegram.me/buratha