خضير العواد
ولد الإمام الصادق (ع) عام 83 هجرية , وتربى في أحضان جده الإمام زين العابدين (ع) وأبيه الإمام الباقر (ع) , وقد تصدى للإمامة عام 117 هجرية بعد وفاة والده الإمام محمد الباقر (ع) , لقد عاش الإمام الصادق (ع) في ظرف حساس للغاية حيث غابت فيه أركان دولة بني أمية الظالمة وظهرت أركان دولة بني العباس المجرمة , وقد عاصر الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) مجموعة من الملوك منهم إبراهيم بن الوليد ومروان الحمار أخر ملوك بني أمية وابو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور من ملوك بني العباس , لقد عاش الإمام الصادق (ع) في المرحلة الإنتقالية مابين عصرين مهمين من التاريخ الإسلامي , وكانت لهذه المرحلة إجابياتها وسلبياتها ففي بادئ الأمر كان العباسيون من أنصار أهل البيت (ع) والمطالبين بحقوقهم المسلوبة فرفعوا شعارهم ضد بني أمية ( الرضا من آل محمد ) ورد حقوقهم وأخذ ثاراتهم من ظلم بني أمية , ولكن سرعان ما تغير كل شئ وظهر دجل بني العباس وما كانت شعاراتهم تلك إلا لخداع الناس وتضليلهم , فما أن استلموا زمام السلطة حتى بدأت حملاتهم الإجرامية الدموية ضد الشيعة وآل محمد (ص) فبذلك بدأت مرحلة جديدة في ظلم أهل البيت (ع) وشيعتهم , فقد كانت الفترة التي حكم فيها أبو العباس السفاح أول ملوك بني العباس فترة الثورات وملاحقة بني أمية , فترك أهل البيت (ع) وشيعتهم , فأستغل الإمام الصادق (ع) هذه الظروف ليكمل المشروع الذي إبتدأه والده الإمام الباقر (ع) في توعية وتثقيف الأمة في تعاليم دينها الحنيف , فأستمر في فتح الجامعة التي إفتتحها والده الإمام الباقر (ع) والتدريس في مسجد جده رسول الله (ص) فأخذ ينشر العلوم التي منعها الأمويون وكتم عليها الظالمون , فنشر علوم آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين في الآفاق وجاءت القوافل من طلبة العلم بالمئات الى المدينة ليحضروا دروس الإمام الصادق (ع) فقد وصل عدد العلماء الذين درسوا وسمعوا من الإمام الصادق (ع) حوالي أربعة ألاف طالب كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق (ع) , لقد ظهرت في زمن الإمام الصادق (ع) الكثير من المذاهب المنحرفة التي كانت تحصل على الدعم من ملوك ذلك الزمان , فحارب الإمام الصادق هذه المذاهب بأظهار سنة وسيرة النبي (ص) وسعى لتأصيل هذه السنة والسيرة في القواعد الشيعية بكل قوة حتى أستطاع أن يحفظ الدين من الإنحرافات والبدع . ولقد واجهة الإمام الصادق (ع) الحكومات الظالمة وأئمة الضلال بطرق كثيرة منها :- نهى الشيعة أن يترافعوا الى حكام وقضاة الجور الذين نصبهم ملوك بني العباس وكان يقول (إياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً الى أهل الجور , وأيما مؤمن قدم مؤمناً في خصومة الى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم ) ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج3ص292) , وكان ينهي على معاونتهم والعمل لهم حتى في البناء والإجارة وقال في جواب مسألة عن ذلك ( ما احب أن أعقد لهم عقدة ....إن الظلمة وأعوان الظلمة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ) (نفس المصدرج3ص293 ) , وكان الإمام (ع) يعمل على تأصيل وتقوية الشبكة الإجتماعية الشيعية ويؤكد للموالين بضرورة صلة الرحم والإحسان , فأن تقوية هذه الأمور من أقوى العوامل ضد أستبداد بني العباس , فكان سلاح الإمام الصادق (ع) في مقابل ظلم بني العباس هو الدعوة الى الإصلاح بهدؤ وصمت وبدون أي ضوضاء أو تنظيم سياسي حيث أتجه الى إشاعة مفردات الخير وكان السبّاق إليها من الجود والكرم ومتابعة الفقراء في الليل والسؤال عن أحوال الناس وتشجيعهم الى حمل العلم قبل المال والسلاح,لأن العلم والعمل الصالح من شأنهما أن يحولا بين الناس وبين ظلمهم بعضهم بعضا وهو أعظم حاجز بينهم وبين الشر , التأكيد على شعائر جده الحسين (ع) , لقد حاول حكام الجور القضاء على واقعة كربلاء من خلال تصرفاتهم العنجهية ضد كل من يحاول المحافظة على هذه القضية , فمنعوا الموالين من زيارة ابا عبد الله الحسين (ع) وأخذوا منهم الضرائب ثم أمروا بقتلهم أو سجنهم , فحاول الإمام الصادق (ع) التأكيد على زيارة الإمام الحسين (ع) والتأكيد على البكاء وذرف الدموع والتأكيد على إقامة مآتم الحزن وإنشاد المراثي عليه والتأكيد على لبس السواد حزناً على الحسين (ع) وتأكيد على نشر أهداف ثورة الإمام الحسين (ع) وغيرها من الأعمال التي جعلت الأمة تعود الى رموزها الحقيقية وأحياء ذكرى الطف الأليمة قولاً وفعلا , لقد بنى الإمام الصادق (ع) شخصيات لها إختصاصاتها العلمية فكانوا جهابذة العلم وأفذاذاً قل نظيرهم و فحملوا العلم ممزوجاً بالعمل والتقوى وخدموا دينهم خدمة جليلة تشهد لهم الكتب اليوم , يقول هشام بن سالم : كان عند أبي عبد الله (ع) جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأُذن له , فلما دخل سلم فأمره أبو عبد الله (ع) بالجلوس و ثم قال له ما حاجتك أيها الرجل , قال بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت إليك لأُناظرك , فقال الإمام ابو عبد الله (ع) فبماذا ؟ قال القرأن , فقال ابوعبد الله (ع) ( ياحمران بن اعين دونك الرجل ) فقال الرجل إنما أريدك انت لا حمران , فقال الإمام (ع) إن غلبت حمران فقد غلبتني , فاقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل وحمران يجيبه , فقال له الإمام الصادق (ع) كيف رأيته يا شامي , قال رأيته حاذقاً ما سألته عن شئ إلا أجابني , ثم قال الشامي أريد أُناظرك في العربية , فالتفت أبو عبد الله (ع) فقال ( يا أبان بن تغلب ناظره) , فناظره حتى غلبه , فقال الشامي أريد أُناظرك في الفقه , فقال أبو عبد الله (ع) ( يازرارة ناظره) , فناظره حتى غلبه , ثم فقال الشامي أريد أن أُناظرك في الكلام , فقال الإمام (ع) ( يا مؤمن الطاق ناظره ), فناظره فغلبه , ثم قال أُريد أن أُناظرك في الإستطاعة , فقال الإمام الصادق (ع) للطيار (كلمه فيها ) فكلمه فغلبه , ثم قال أُريد أن أكلمك في التوحيد , فنادى الإمام (ع) (يا هشام أبن سالم كلمه ) فكلمه فغلبه , ثم قال أُريد أن أتكلم في الإمامة , فقال ألإمام (ع) لهشام ابن الحكم كلمه , فغلبه أيضاً فحار الرجل وسكت ,اخذ الإمام يضحك , فقال الشامي له , كأنك أردت تقول أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال ؟ فقال الإمام (ع) هو ذلك (تنقيح المقال ج3ص298) .بهذه الطرق وأمثالها ربى الإمام الصادق (ع) شيعته ومواليه لكي يواجهوا حكام الجور ووعاظ السلاطين ,وهذه دروس وتجارب لكل أنسان حر يبحث عن الحقيقة والحياة الكريمة فما أجدر بنا في هذه الأيام التي تنتشر فيها الكثير من الأفكار الضآلة البعيدة عن سُنة رسول الله (ص) بالإضافة الى كثرة إضطهاد الموالين لأهل البيت (ع) أن ننشرأراء الإمام الصادق (ع) بين أتباع أهل البيت (ع) ونجعلها منهاج في حياتنا اليومية لكي نحافظ على ديننا الحق بكل شعائره وتعاليمه,وبعد حياة مملؤة بالعلم والتربية والجهاد قام محمد بن سليمان والي المدينة من قبل المنصور الدوانيقي بدس السم للإمام الصادق (ع) في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هجرية فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا .
خضير العواد
https://telegram.me/buratha