خضير العواد
لقد ابتعد الأتراك كثيراً عن العالمين العربي والإسلامي بل تطرفوا في الإبتعاد لعشرات من السنين , لكي يثبتوا للعالم الغربي على أنهم بالفعل قد أنسلخوا من هويتهم الأسلامية بكل معنى الكلمة بعد إنقلاب أتاترك عام 1924, وقد رحب العالم الغربي بهذا التحول الكبير لتركيا من حاضنة الخلافة الأسلامية الى نموذج التغيرات العلمانية في الدول الاسلامية والعربية , وقد أثبت كلا الجانبين الغربي والتركي لبعضهما البعض على أنه عند حسن ظن الأخر , وذهبوا كثيراً بهذا التعاون وتبادل الثقة حتى وصلوا الى نقطة الألتقاء , هنا ظهرت الحقيقة على أن كلا الطرفين عنده حقائق لايمكن تغيرها من أجل الأخر , فالغرب لايتقبل المفاهيم الأسلامية حتى وأن كانت هامشية وشكلية والأتراك كحكومة لا يمكن لهم أن ينسلخوا من المفاهيم الأسلامية التي حدّثتها الى أقرب ما يريدها الغرب , ولكن الطرفين معتز بعلاقته مع الأخر فحلف شمال الأطلسي لا يمكن لهم أن يستغنوا عن تركيا بسبب موقعها الاستراتيجي وشعبها المازج ما بين حضارتي الغرب والشرق والخوف من عودة الأتراك الى محيطهم الأسلامي من جديد وخلق آمال الخلافة عند الفرد التركي , أما الاتراك فالمساعدات الأمريكية والغربية بسبب كثرت تواجد القواعد العسكرية لدول التحالف الأطلسي , بالإضافة الى الاسواق التجارية الاوربية المغرية والأجواء الغربية (بما تحويه هذه الكلمة من معنى ) لايمكن للأتراك الأستغناء عنها , كل هذه الأسباب جعلت الاتراك يفكرون بكل جدية عن ترك المحاولات في الإنضمام الى الأتحاد الأوربي مع المحافظة على علاقتها معهم والألتفات الى العالم الأسلامي وبالتحديد الشرق الأوسط , فحاولت تركيا الدخول الى العالم العربي بمساعدة الغرب وأمريكا من خلال أقصر الطرق لكي تصل الى مبتغاها بأسرع وقت ممكن , فختارت طريق المقاومة لأسرائيل ومساندة القضية الفلسطينية , فنجحت في أختيار هذا الطريق بعد أن فقد الشباب العربي كل طموحه في إسترجاع كرامته المهدورة أمام أسرائيل وتخاذل الحكومات العربية , فبدأت تركيا تصّعد الموقف المواجه لأسرائيل من خلال موقف أردوغان ضد بيرز في مؤتمر دافوس الأقتصادي عام 2009 عندما تركه وخرج من قاعة المؤتمر رافضاً الموقف الأسرائيلي إتجاه الشعب الفلسطيني الأعزل حينذاك , فتقبل هذا الموقف الشارع العربي بكل أحترام لأنه يفتقد لمثل هذه المواقف بالإضافة للموقف التركي أتجاه القضايا الأسلامية في أوربا , وبعد هذه الخطوات الجريئة من تركيا بدأ التقارب التركي السوري - التركي الإيراني لتكوين تحالف إسلامي قوي مواجه للتواجد الغربي والإسرائيلي , فرحبت شعوب المنطقة بهذا التحالف وعودة تركيا الى حاضنتها الإسلامية والعربية , وأما الغرب فلم يبدي أي إمتعاض من هذا التوجه الجديد بل العكس نلاحظ الموقف الأمريكي يزداد قرباً ودعماً لحكومة أردغان , وبعد التغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة العربية وأدت الى تغير الأنظمة التي تمتلك علاقات قوية ومتميزة بأسرائيل والغرب , مما أدى الى خلو الساحة من قوة كبرى مواجهة لأيران في المنطقة بعد أن كانت مصر تتبوأ هذه المكانة ولكن بسبب الظروف التي تعاني منها مصر اليوم جعلها تتجه الى مشاكلها الداخلية بالإضافة الى فتور العلاقة ما بينها وبين دول الخليج وخصوصأ المملكة العربية السعودية التي رفضت التغير الذي حدث في مصر, لهذا السبب أرادت أمريكا بالإضافة للسعودية ملئ الفراغ التي تركته مصر كقوة بقوة جديدة لها حضور شعبي مواجه للقوة المتصاعدة لأيران الشيعية , فأصبح البديل الأفضل في المنطقة للقيام بهذا الدور هو تركيا السنية المتمثلة برئيس الوزراء أردغان الاسلامي التوجه ذو العلاقات السيئة مع الكيان الأسرائيلي ؟؟؟ والمساند للمواقف العربية ؟؟؟؟ ومع الهيجان الثوري للشعوب العربية نلاحظ التغير على السياسة الخارجية التركية أتجاه الثورات في الدول العربية , فبدأ التقارب السعودي التركي اتجاه القضية البحرينية بالإضافة الى السورية , ففي حالة البحرين نلاحظ الموقف التركي تجاهل الاحتلال السعودي للبحرين وحقوق الأنسان والحريات وحق الشعوب في أختيار قياداتها وغيرها من مطالب الشعب البحريني , أما في القضية السورية فكان الموقف التركي مناقض تماماً للموقف من القضية البحرينية , حيث الضغط المستمر على الحكومة السورية من أجل تلبية مطالب الشعب السوري وأحتضانها لمؤتمرات المعارضة السورية وتهديد الحكومة السورية بفرض عقوبات إذا لم توقف أستعمال العنف إتجاه الشعب , علماً المستفيد الاكبر من المواقف التركية المضاد للحكومة السورية والشعب البحريني هو الكيان الصهيوني وتأتي من بعدها أمريكا ومن ثم السعودية , بالإضافة الى هذه المواقف فقد وافقت الحكومة التركية على نصب قواعد نظام الدرع الصاروخي على أراضيها وهذا النظام موجه ضد أيران بالإضافة الى روسيا وأكبر مستفيد من هذا النظام هي أمريكا والغرب بالإضافة الى أسرائيل وهذه المواقف جميعاً تناقض المواقف التركية السابقة التي كانت تعلنها عندما بدأت تدخل الساحة العربية والإسلامية , وأما موقف الحكومة التركي إتجاه أسرائيل وكما يصوره الأعلام متناقض مع الموقف التركي الداعم للمصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط وهذه المواقف ذات أزدواجية المعايير تجعل شعبيّتها في تزايد مستمر بين شباب الشعوب العربية والأسلامية , ومن ثم تصبح منافس قوي لأيران الداعمة الأولى لكل التنظيمات المقاومة لأسرائيل . إن امريكا والغرب بالإضافة الى السعودية الذين يدعمون التحركات التركية بشكل قوي في منطقة الشرق الأوسط من أجل إعطاء تركيا دور القوة الكبرى في المنطقة بعد غياب الدور المصري لكي تواجه أيران ذات الكثافة السكانية والموقع الأستراتيجي والترسانة العسكرية المتقدمة بالنسبة لدول المنطقة بالإضافة لإمتلاكها للمفاعل النووي لتوليد الطاقة الكهربائية , كل هذه الأسباب التي جعلت الغرب ودول الخليج أن يدعموا عودة الأتراك لمنطقة الشرق الأوسط بقوة بعد أن إحتاجوا لقوتها وخلفيتها المذهبية للتصدي للخط الإيراني الذي بدأ يستحوذ على قلوب الشعوب العربية والإسلامية .
https://telegram.me/buratha