عمار احمد
يعتبر العراق وفق مختلف المعايير العلمية والاقتصادية من البلدان الغنية، بأعتباره من البلدان المنتجة للنفط ويحتل المراتب الاولى بأنتاجه واحتياطاته، ومن البلدان الزراعية والتي تمتلك ثروات مائية كبيرة، اضافة الى المعادن الاخرى، ومعها السياحة بجانبيها الطبيعي والديني.والموازنة التي اعلن عنها مجلس الوزراء العراقي الاسبوع الماضي لعام 2012 والتي حددت ب 111 مليار دولار وما يعادل 131 تريليون دينار عراقي، خير دليل واثبات على غنى العراق مقارنة بغيره من البلدان العربية والاسلامية والاجنبية الاخرى.وعلى مدى السنوات الخمس المنصرمة لم تقل الموازنات المالية للعراق عن ستين مليار دولار، ومثل هذه الارقام العالية تعادل ميزانيات اربع او خمس دول في محيط العراق الاقليمي هي سوريا ولبنان والاردن ومصر.ولكن ما يلاحظه اي شخص مهما كان مستواه وادراكه بسيطا، ان العراق لم يكن طيلة ثلاثة عقود من الزمن افضل حالا من اي من البلدان الانفة الذكر، او البلدان التي هي في نفس المستوى والدرجة من حيث الثروات والقدرة الاقتصادية، ان لم يكن اسوأ حالا في معظم الاحيان. واسباب ذلك واضحة جدا، اهمها واولها السياسات الخاطئة والمتهورة التي غابت عنها اية معايير واعتبارات عملية وواقعية، لانها خضعت للامزجة والاهواء اكثر من خضوعها لاي شيء اخر. فالعراق شهد خلال ثلاثين عاما حروبا وصراعات خارجية وداخلية، وحصار اقتصادي وعزلة دولية واستبداد وظلم وقمع قل نظيره في تأريخ البشرية.وفي ظل غياب السياسات الاستراتيجية والعلمية الصحيحة وطغيان الامزجة والاهواء من المتوقع والطبيعي والمنتظر ان تتبدد الثروات والاموال الطائلة، وان تدمر البنى التحتية، وان يستشري الفقر والجوع والمرض والتخلف والجهل، ويصبح البلد رهنا لارادات وسياسات قوى اخرى. وهذا ما حصل في العراق بالتحديد. بحيث بدلا من ان يكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة والمرفهة اصبح يقف الى جانب افقر البلدان واكثرها تخلفا وفسادا.وليس غريبا ان نجد ان العراق من بين الدول التي تتصدر قوائم الفساد والمرض والامية وعدد الارامل والايتام. وتدنى مستويات المؤسسات الصحية والتعليمية والتربوية من حيث الامكانيات والبنى التحتية والكوادر والمناهج.واذاكانت صفحة الديكتاتورية والظلم والاستبداد قد طويت في التاسع من نيسان 2003 ، فأنه كان يفترض ان تختفي مظاهرها من المشهد العراقي، ان لم يكن خلال اشهر فخلال سنوات، ولكن بعد مرور اكثر من ثماني سنين فأن المواطن العراقي يجد نفسه في خضم ودوامة مشاكل وازمات ومعاناة عميقة وصعبة على الصعيد الخدمي والامني والاقتصادي والسياسي.ومن غير المتوقع ان يفرح ويتبشر كثيرا اي مواطن عراقي حينما يسمع ان الموازنة المالية لبلده ستكون 111 مليار دولار، لانه خلال الاعوام القليلة الماضية كان في كل عام يسمع ارقاما اعلى من سابقاتها، لكنه لايجد انعكاسا لهذه الزيادات على واقعه الحياتي، بل يجد المزيد من الفساد الاداري والمالي لدى ابسط موظف في الدولة وحتى اكبر موظف فيها، وبات يدرك ان هناك معادلات تتمثل بوجود علاقة طردية بين تزايد اموال البلد والفساد الاداري والمالي وثراء قلة قليلة من الاشخاص الذين يحتلون مواقع سياسية مؤثرة، ووجود علاقة عكسية بين تزايد الاموال، ونقص وتدني وسوء الخدمات الاساسية والاوضاع الامنية والحياتية العامة.ولم يعد هناك من لايدرك ويفهم ان اصل وجوهر المشكلة في العراق ليس بعدم توفر الاموال او قلتها وانما في طرق واساليب وابواب انفاقها.. فمثلا يذكر مسؤولين وسياسيين كبار ان حوالي ثلاثين مليار دولار انفقت على قطاع الكهرباء خلال سبعة اعوام، دون ان يطرأ اي تحسن حقيقي، في ذات الوقت الذي تتداول وسائل الاعلام والاوساط السياسية ارقام الاموال الكبيرة التي تسرق بأساليب ووسائل شيطانية بعيدة كل البعد عن الاخلاق والدين والوطنية ومن قبل اناس كبار في الدولة. وقد يكون ما تتداولة وسائل الاعلام والاوساط السياسية عن الفساد قطرة في بحر ونزر يسير من الواقع الكلي، وارشيف مؤسسات وجهات مثل هيئة النزاهة العامة ولجنة النزاهة البرلمانية وديوان الرقابة المالية ومكاتب بعض المفتشين العامين تحفل بكميات هائلة من الحقائق والوثائق والارقام عن ذلك.وبأختصار شديد تزايد الاموال يؤدي الى مزيد من الفساد ومزيد من الامشاكل والازمات اذا لم تقم الدولة بوضع الخطط والاجراءات الحقيقية العلمية لاستثمار توظيف موارد وثروات البلد بالشكل الصحيح.
https://telegram.me/buratha