صفي الدين الحلفي
يعود العراق وبعد أكثر من خمسة عقود منذ ان رحل اخر جندي بريطاني عن العراق عقب ثورة تموز عام 1958 وخروج العراق من حلف بغداد الذي اقيم برعاية غربية لجعل العراق محورا أساسيا في قلب السياسة الغربية في المنطقة الى نفس المربع الأول ,حيث تخضع البلاد لهيمنة أجنبية جاءت نتيجة لسياسات النظام المباد العبثية وحروبه المدمرة والتي أفسحت المجال أمام تعرض البلاد لخطر الاحتلال الأجنبي المباشر ,حيث تتواجد في البلاد عشرات الاف من الجنود وكميات ضخمة من الأسلحة والمعدات الثقيلة ,إضافة إلى تداعيات هذا التواجد الأمنية والسياسية على امن البلاد واستقرارها ورغم النجاح في إبرام معاهدة أمنية تنهي هذا الوجود الأجنبي المسلح في العراق إلا ان المحافظة على تطبيق بنود هذه المعاهدة وضمان خروج القوات الاجنبية في البلاد ما تزال بحاجة إلى وجود طبقة سياسية منسجمة ومتعاونة ومتفهمة لحاجة البلاد الأمنية وتقديرها الدقيق لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي وتبنيها لاستراتيجية وطنية تقوم على أسس الشراكة الحقيقية الفاعلة التي تنجح في إيجاد مظلة إقليمية فاعلة من خلال صياغة علاقات دبلوماسية مستقرة وناجحة مع دول المنطقة . بالتأكيد بان العراق سيكون وضعه مختلفا بعد إتمام الانسحاب الأمريكي عن وضعه الحالي وسيكون هناك تنافس إقليمي على حجز المواقع في داخل العراق ,حيث سيشكل الضعف والانقسام السياسي فرصة لا تعوض لدول المنطقة لتمد نفوذها إلى داخل العراق عبر واجهات سياسية واقتصادية عديدة تجعل العراق يدور في فلكها وكما حصل في عراق منتصف الستينيات من القرن الماضي عندما أصبح وبعد سقوط نظام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ساحة مفتوحة أمام النفوذ المصري بزعامة جمال عبد الناصر والذي كان طرفا في صفقة إسقاط نظام الزعيم قاسم الذي كان يمثل توجها وطنيا ورغبة صادقة بالابتعاد عن التحالفات الإقليمية المشبوهة في المنطقة ,حيث حصل عبد الناصر بموجب هذه الصفقة على دور كبير في العراق جعله يختار امين هويدي رجل المخابرات سفيره وعينه في بغداد ,حيث وصل التدخل المصري ذروته الى حد ان القاهرة تعين للعراق رئيسا لجمهوريته بعد ان عارضت تولي رجل القانون عبد الرحمن البزاز رئاسة الجمهورية بعد مصرع عبد السلام عارف واضاعت على البلاد فرصة تولي اول شخصية مدنية رئاسة الدولة , بل وقامت بالضغط عل كبار ضباط الجيش لتأييد تولي عبد الرحمن عارف المنصب والذي كان شخصا ضعيفا ولا يملك المؤهلات التي تسمح له بقيادة بلد صعب ومعقد وذواهمية خطيرة في المنطقة كالعراق ,بدليل انه فقد السلطة بانقلاب عسكري دبرته المخابرات البريطانية والامريكية عام 1968 , حيث لم يمكث في السلطة سوى عامين على اثر تحالف بين عبد الرزاق النايف والداوود والبعثيين الذين انفردوا بالسلطة بعد طرد النايف والداوود وانهاء الشراكة فيما بينهم . من الواضح ان العراق بعد اتمام الانسحاب نهاية عام 2011 سيشهد متغيرات سياسية عديدة وتغيير خارطة التحالفات الموجودة حاليا والتي ستكون انعكاسا لصراعات سياسية محلية وتدخلات اقليمية مجاورة ستحاول اقناع الطرف الامريكي الذي سيبقي دوره وتأثيره الكبير في العراق والمحافظة عليه بقوة من اجل منحها دورا في العراق بصفقات سياسية يتم عقدها مع واشنطن ستسمح لهذه الاطراف بتامين مصالحها في العراق مقابل ادوار تؤديها لواشنطن في المنطقة مما سنعكس سلبا على الواقع الأمني والسياسي . ان تجاوز هذا المطب سيبقى بحاجة إلى وجود سياسيين اكفاء وحازمين متعاونين فيما بينهم يتجاوزون مصالحهم الذاتية وينظرون الى مصالح البلاد العليا ووضعها بنظر الاعتبار ,إضافة الى وجود استراتيجية لديها لبلورة سياسية داخلية تقوم على التناغم والانسجام فيما يخص القضايا المصيرية للبلاد التي تغلق الأبواب بوجه أي تدخل خارجي ,لكن الوصول الى هذا الهدف ليس بالامر السهل والممكن في ظل وجود الطبقة السياسية الحالية التي تقدم المزيد من الإخفاقات والفشل للشارع العراقي المحبط منها أصلا ,حيث تبدو البلاد بحاجة الى ظهور طبقات سياسية جديدة واعية تؤمن بمصالح البلاد وتعمل مخلصة لها وغير متأثرة او مرتبطة بأية جهات إقليمية أو دولية خارجية .
https://telegram.me/buratha