هاني اللوزي
يهدر الفساد من ميزانية العراق الضخمة عشرات المليارات من الدولارات التي تذهب لجيوب الفاسدين من دون أية وسائل للمراقبة تحد من هذا الفساد أو تقننه في الوقت الراهن ,حيث ما تزال عمليات النهب المنظم لأموال الموازنة العامة متواصلة ومستمرة وسط جهود ضعيفة وخجولة لا تبدي القدر الكافي من عمليات مكافحة الفساد الذي تخضع مؤسساته إلى وسائل السيطرة الحزبية والسياسية التي تروج لهذا الفساد وتعتاش عليه من دون ان تكون جادة في محاربته ,حيث لم نشهد لحد هذه اللحظة اية مواجهات جادة وملموسة للحد من هذا الفساد وتقزيمه ومحاصرته ,حيث ان مؤسسة كبيرة كمؤسسة النزاهة ازيح رئيسها عن منصبه لأنه رفض تسييس عمل مفوضيته ومطالبة رئيس الحكومة له بالكشف عن ملفات فساد تخص خصوم سياسيين له . من المؤكد ان حرب الفساد ما تزال عندنا متأخرة وليست جادة وهي مرتبطة بأجندات سياسية تحرص على بقاء الفساد في البلاد مفتوحا ومستمرا ,اضف الى ذلك عدم وجود حراك شعبي ضاغط يطالب بمحاسبة المفسدين ومقاضاتهم ووضع حد للتدخل في عمال القضاء وسلبه استقلاليته . بالأمس اتهم وزراء عديدون بالاختلاس وسرقة اموال الدولة ,لكنه جرى اطلق سراحهم من قبل القضاء المسيس وعادوا الى البلدان الاجنبية التي يجملون جنسياتها والتي تحميهم من اية مطالبات عراقية قضائية باعتقالهم ومحاكماتهم بينما تم طي ملفات الفساد الخاصة بهم ولم نجد مسؤولا حكوميا واحدا او عضوا في البرلمان يصرح بضرورة فتح ملفات الوزراء الهاربين واستعادة الاموال المسروقة منهم على الاقل , بل نجد مداراة مقصودة وصفقات جانبية تسمح لهؤلاء المسؤولين الفاسدين بالاستمرار في هروبهم والتربح من الاموال التي سرقوها . ميزانية العراق باتت اليوم الأضخم في المنطقة بعد ميزانية العربية السعودية ,لكن انعكاساتها على الشارع العراقي لا تتناسب مع واقع تلك الميزانيات,حيث نسب البطالة العالية ومعدلات الفقر وتراجع مستوى دخل افراد الاسر العراقية الى ارقام مخيفة لا تتناسب مع حجم العائدات المتحصلة عن بيع النفط العراقي ,فضلا عن تكرار مستمر ومؤلم لإقامة مشاريع تفوح منها رائحة الفساد . من المؤكد ان الفساد قد ضرب جذوره وبقوة في داخل مؤسسات الدولة العراقية التي يصفها تقرير منظمة الامم المتحدة الانمائي بأنها من اضعف الأنظمة واكثرها هشاشة في العالم ولا ترتقي الى مصاف الانظمة الناجحة ,حيث الفشل والفوضى والترهل . ان الفساد في العراق ينطلق من منظومات عشائرية وحزبية وسياسية تواصل حمايته ورعايته وهي التي تقوم بأخذ حصة الأسد من اعمال المشاريع التي لا تنفذ أصلا وقسم منها يتم توزيعه والحصول عليه مقدما من دون الحاجة لإنجاز أية مشاريع . المبالغ التي تم إهدارها وسرقتها بأكثر من طريقة ملتوية وتحايلية تكفي لجعل العراق الان بوجه مختلف وأكثر تطورا وعمرانا وحضارة , لكن تغلغل وعشعشة الفساد ووصوله الى هذا المستوى المخيف من السلطة والنفوذ في مؤسسات الدولة وترويضها للعمل لصالحه يجعل من استمرار تدهور الأوضاع وتراجعها الى سنوات طويلة مقبلة امرا ممكنا ,اضافة الى تداعياته الخطيرة على امن البلاد واستقرارها الذي ما يزال يشهد تطورات امنية سلبية بسبب عدم استقرار الوضع السياسي وحالة التقطع والتخاصم المستمر منذ تشكيل الحكومة الحالية . ان العجز عن احداث عمران حقيقي في البلاد هو ناتج عن فشل مؤسساتي وسياسي ما يزال يرعى الفساد ويؤسس لايجاد مناخات ترعى الفساد وتنميه وسيجعل من العراق دولة فقيرة في ظل صمت شعبي ما يزال خجولا وعازفا عن المطالبة بتصحيح الوضع الخالي وإنهائه والبدء بسياسة حكومية جديدة تقوم على الكفاءة والنزاهة والشفافية في عمل مؤسسات الدولة وتفعيل دور القضاء ومنع تعرضه الى اية ضغوط حزبية وسياسية كالتي موجودة حاليا .
https://telegram.me/buratha