حكمت مهدي جبار
عانت المؤسسة التربوية في العراق من مشاكل عدة رافقتها عبر مسيرتها الطويلة منذ أن تشكلت الحكومة العراقية في عشرينات القرن العشرين.مرورا بالعهود المتعاقبة على الحكم في العراق.ولأن التربية ترتبط ارتباطا وثيقا ومهما جدا في المجتمع فأنها تشكل دعامة اساسية من دعامات بناء ذلك المجتمع وتساهم بشكل كبير جدا في تفعيل في جميع المظاهر الحياتية السياسية والأقتصادية والثقافية والاجتماعية وعلى مختلف المستويات.. أن ثقافة أي مجتمع وحضارته وتطوره لايمكنها جميعها ان تقوم مالم تؤسس على قاعدة تربوية رصينة وجادة وذات مساحة اجتماعية انسانية عريضة.وأن أستمرار ثقافة المجتمع وتجددها متوقفان على التربية. فالتربية هي العملية التي يتم بها نقل التراث الثقافي وتحسينه على مر الأجيال وهي ايضا عملية تقديم ثقافة المجتمع لأفراده بمراحلهم العمرية المختلفة وتشكيلهم على نحو يجعلهم قادرين على أن يكونوا حملة هذه الثقافة . وبدون هذا التقديم وذلك النقل تضمحل الثقافة وينحط المجتمع الى مستوى مجموعة من الحيوانات. أن التربية ضرورة اجتماعية وضرورة فردية بنفس المقدار.وهي أهم عنصر من عناصر ثقافة المجتمع ونتاج مهم من نتاجاته . وعلى هذا الاساس فأن التربية باعتبارها عنصرا من عناصر ثقافة المجتمع وجزءا من نتاجه فأنها أذن تتصف بما يتصف به المجتمع الذي يحتويها. والمجتمع العراقي مر بمراحل حياتية اجتماعية سياسية تاريخية متقلبة ومتغيرة.وانعكست تلك التقلبات والمتغيرات على تربية الفرد والمجتمع. ولم تتحدد هويتنا وفلسفتنا التربوية حتى هذه اللحظة.فهل نحن مجتمع بسيط فتكون تربيتنا بسيطة؟ ام نحن مجتمع ديني فتكون تربيتنا دينية؟ أم نحن مجتمع صناعي؟ أم زراعي ريفي؟ أم مجتمع طبقي تتسع فيه الهوى بين الطبقات؟ أم نحن مجتمع راكد تركد فيه التربية والتعليم ؟أم مجتمع نام تكون فيه التربية متغيرة ومتطورة ونامية؟ لنقل اننا اليوم مجتمع بدأ اولى خطواته نحو الديمقراطية.ولكن هل يفهم الجميع الديمقراطية بمعناها الحقيقي الذي يتناسب مع مجتمعنا العراقي الشديد التنوع والكثير التقلب وذو العروق والانتماءات المختلفة. وأذا كنا اليوم ندخل عهدا ديمقراطيا جديدا , فهل نمارس الديمقراطية كما يمارسها الشعب الألماني؟ حيث يجلس الطالب الى جانب الطالبة؟ ويخرجان يتنزهان بكامل حريتهما؟ أم كالمجتمع الفرنسي يتلقى فيه طلبتنا دروسا في التربية الجنسية لكي يواجهوا الخفايا البايولوجية ويكتشفوا الحقيقة الأنسانية؟ أم نحن كما المجتمع الروسي يعطي الحق للبنت في اختيار حياتها بحرية مطلقة عندما تبلغ الثامنة عشرة؟ وتسافر مع زميلها الطالب في سفرات مدرسية؟ الم تكن تلك مفاهيم الديمقراطية لدى الغرب؟ والا كيف نعرفها ونعطي لها أسما؟وهاهم يجلبوها لنا (مسلفنة) تدهشنا بالوانها الزاهية وتبهرنا بشكلها البراق.. لاينكر أن الأتجاه الديمقراطي هو من أكبر العوامل التي اسهمت في توجيه اغلب دول العالم نحو الأهتمام الجدي بالتعليم.وتحمل اعبائه والأشراف على توجيهه الوجهة السليمة ونشره بين الناس. ذلك ان الديمقراطية فكرة تقوم على احترام حرية الأنسان. وهي ليست فوضى , انما هي تقوم على مباديء , منها تقدير قيمة الفرد والأيمان بقدراته وبذكائه على ادارة شؤون نفسه بنفسه والأسهام في شؤون الآخرين. ومنها المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات ووجوب تكافل الفرص امامهم للتقدم في الميادين الاقتصادية والاجتماعية . وهذا كله يستلزم تكافؤ الفرص امام الجميع في التعليم , وفتح ابواب المدارس للجميع كي يصلوا الى أقصى ما تؤهله لهم مواهبهم وقدراتهم .. ان امام المؤسسة التربوية مهام جسيمة وخطيرة جدا. في ظل حياة جديدة في المجتمع العراقي.حياة تغير فيها النظام السياسي من فردي مركزي الى جماعي ديمقراطي, فضلا عن الأنفتاح العالمي لكافة الشعوب وفتح النوافذ مشرعة امام الناس ليروا كل شيء .فالمدرسة التي كانت في السابق هي المؤسسة الوحيدة المخصصة وظيفيا للتربية والتعليم بعد الأسرة فهي اليوم لم تعد الوحيدة . انما واحدة من آلاف الوسائل المنتشرة في العالم , وقد حوصرت وضيق عليها الخناق وراح الأنسان يتعلم من روافد أخرى. هل ستتمكن المؤسسة التربوية في العراق من تحديد هويتها الوطنية الخالصة؟ وهل ستقدر على تأسيس منهج تربوي تعليمي في ظل التحرر السياسي والديني والثقافي والاجتماعي؟وكيف ستتوافق مع التيارات الدينية بمذاهبها وعقائدها ؟ وكيف تتوائم مع مطالبة حقوق الأقليات القومية والعرقية ؟ لايخفى ان المؤسسة التربوية قد تعرضت لبعض الحالات في ظروف خاصة واستثنائية بعد سنوات الأحتلال بقليل.تلك الحالات شكلت عوامل خطيرة جدا على الفرد العراقي وعلى المجتمع . حيث حدثت مشاكل في تجاوزات على اخلاقيات وقواعد التعليم كالغش الذي تفشى في القاعات الأمتحانية والأنفلات في المراقبات , وتزوير الوثائق والشهادات مما كاد ان يشكل كارثة داخل المجتمع في ظل فقدان القانون والأمن وعدم سيطرة الدولة على زمام الأمور.ولكن ارادة الشعب وحرصه على ضرورة اعادة بناء الحياة وبعزم الخيرين انقذت المؤسسة التربوية من الانهيار والفساد . أن المفهوم للنمط الديمقراطي في التربية والتعليم في مجتمعنا يقوم على اساس ان الفرد قيمة عليا في ذاته ,وأنه بحكم كونه انسانا له وزنه واحترامه في المجتمع وله شخصيته الفريدة وله قدرته وأمكانيته على التفكير والتمييز والابتكار باشكال ودرجات متفاوتة مما يؤهله اذا توافر له الاعداد الصحيح لتصريف شؤون نفسه بنفسه والاشتراك بمقدار في تحديد اهداف الجماعة ورسم الخطط لتحقيق هذه الاهداف وتنفيذها. نتمنى ان يشهد هذا العام سنة دراسية موفقة , وأن تتحقق الأهداف التربوية السامية . ونحيي نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات الدكتورصالح المطلك ووزير التربية الدكتور محمد تميم على ما قاموا به وهم يشاركون طلبتنا احتفالهم في بدء العام الدراسي الجديد وتأكيدات صالح المطلك على ضرورة تأسيبس ستراتيجية موحدة للتربية والتعليم في البلاد والعمل على وضع العملية التربوية في مسارها الصحيح.
https://telegram.me/buratha