إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الإسلامية / النجف الاشرف
فضائل العترة الطاهرة (ع ) (الحلقة الثانية)=======================عزيزي القارئ أليك فضائل العترة الطاهرة (عليهم السلام ) ويكون في حلقات من تأليف الشيخ عباس قاسم الأنصاري وأعداد الشيخ حيدر الربيعاوي ومن إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الإسلامية في النجف
الفضيلة الثّانيةفضيلة خلق السموات والأرض لأجلِهم(صلوات الله وسلامه عليهم)كيفيّة خلق السموات والأرض لأجلهمكما تقدّمت الإشارة إليه ، إنَّ أهل بيت العترة الطاهرة (عليهم السلام) خُلِقوا قبل مطلق الممكنات من نور الله سبحانه وتعالى كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «...ألا إنّا خلقنا من نور الله» والله سبحانه نور السموات والأرض تعالى عمّا يصفون.وقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أوّل ما خلق الله نوري» وفي رواية أخرى: خَلقَ منه نور عليّ (عليه السلام)، ثمّ أوجدت فاطمة (عليها السلام) من نور أبيها ثمّ أُوجدوا في الحياة الدنيا فشرح الله قلوبهم برسالته ومن (شرح الله صدره للاسلام فهو نور من ربه...) .على أنّ نور الرسول الأعظم المبارك (صلى الله عليه وآله وسلم) من نور الله جلّ وعلا، اتُّخِذَ منه نور أمير المؤمنين (عليه السلام) والنور الساطع لشجرة الإمامة سيّدة نساء العالمين (عليها السلام)، كما اتُّخِذَ مِنْ نور هذه الأنوار الإلهيّة نور الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، وحيث أنّهم شجرة واحدة كانوا نوراً واحداً، خَلقه الله تبارك وتعالى من نوره، فجعله حول عرشه محدقاً.لذلك أصبحوا(عليهم السلام) أشرف المخلوقات وعلّة وجود الكون والموجودات، كما جاء في حديث المعراج عن الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيَّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما» .وقد تجسّدت هذه الحقيقة في القرآن الكريم بقوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزج لايبغيان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) .فعن يحيى بن سعيد القطّان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) قال: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لايبغيان) قال: عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لايبغى أحدهما على صاحبه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين (عليهما السلام) .فهم (عليهم السلام) سرّ وجود السموات والأرض، كما ورد في حديث الكساء، عن الله (عزّوجلّ); مخاطباً ملائكته وسكّان سماواته:يا ملائكتي ويا سكان سماواتي! إنّي ما خلقت سماءً مبنيّة، ولا أرضاً مدحيَّةً ولاقمراً مُنيراً ولا شَمساً مُضيئةً ولافَلكاً يَدورُ ولابحراً يجري ولافُلكاً يسري، إلاّ في محبّة هؤلاءِ الخمسة الذين تحت الكساء. فقال جبرائيل الأمين: يارب ومِنْ تحت الكساء؟فقال عزّوجلّ: هم أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها» .إشارة منه (عزّ وجلّ) لعظم فضيلة أصحاب الكساء، وأنّهم علّة الوجود الغائيّة حدوثاً وبقاءً ، وهم الواسطة في الفيوضات الإلهيّة على الخلائق، بوجودهم تثبت الأرض والسماء; فمن كان ثابتاً على ولايتهم (عليهم السلام)، كان معهم ومن محبيّهم ومن الفائزين بقربهم يوم الحشر والراكبين في سفينة النجاة ومن تخلّف عن ولايتهم هلك وخسر.
الروايات الواردة في المقامورد الكثير من الروايات والأحاديث والزيارات المباركة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، تدلّ على أنّ الخالق الحقّ (جلّت عظمته) خلق ما السماوات ولا الأرض ولا ما بينهما وما تحتهما، إلاّ لأجل النبيّ الأعظم وعترته الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليهم)، كما توجد مؤيّدات كثيرة تسند ذلك، وحينئذ لامجال لإنكارها، بل لايمكن إبطالها كما يحاول البعض ذلك.ومن بين تلك الأدلّة والمؤيّدات المرويّة عن أهل بيت الوحي والنبوّة(عليهم السلام)، نذكر تيمّناً بالأنوار الخمسة لأصحاب الكساء; وهي:1ـ ماجاء في حديث الكساء الشريف، عن الله عزّوجلّ، عن جبرئيل (عليه السلام)، قال: «السلامُ عليكَ يا رسول الله، العليّ الأعلى يقرئُك السلام، ويخصُّكَ بالتحيّة والإكرام ويقول لك: وعِزَّتي وجلالي إنّي ما خلقتُ سماءً مبنيّةً، ولا أرضاً مدحيّةً، ولا قمراً منيراً، ولاشمساً مضيئةً، ولا فَلَكاً يدَورُ، ولابَحراً يجري، ولا فُلكاً يسري، إلاّ لأجلِكم» .2ـ وفي الزيارة الجامعة الكبيرة: «أنتُم نورُ الأخيارِ، وهُداهُ الأبرارِ، وحُجَجُ الجبَّارِ، بكم فتح الله، وبِكُمْ يختمُ، وبكم ينزِّلُ الغيث، وبُكمْ يُمسِكَ السماءَ أن تقع على الارض إلاّ بإنه، وبكم ينفس الهَمَّ، ويكشفَ، الضُّرَّ، وعندكُم ما نَزلت به رُسلُهُ، وهبَطتْ بِه ملائكَتُه» .3ـ ماورد في الخطبة الغديريةّ، عن أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، استخلصه في القدم على سائر الأُمم على علم منه، وانتجبه آمراً وناهياً عنه» .4ـ وفي نهج البلاغة: في كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية: «فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعد صنايع لنا» .5ـ وروى في الأمالي، بسنده عن محمّد بن المثنى الأُزديّ، إنّه قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «نحن السبب بينكم وبين الله عزّوجلّ» .
* النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المنتجبين (عليهم السلام) هم العلّة الغائيّة للوجود:قال الخالق العظيم (جلّ وعلا): (وَما خَلقتُ الجنَّ ولانسَ إلاّ لِيَعبدونِ) .وقد ورد في جملة من التفاسير والمرويّات عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المقصود بالعبادةِ «ليعبدون» التي نصّت عليها هذه الآية الشريفة; هو المعرفة الإلهيّة الحقيقية.بدليل ما ورد في الحديث القدسيّ عن الله (عزّ وجلّ):«كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أنْ أُعرف، فخلقتُ الخَلقَ لكي اُعرف» .فإذا كان الغرض من خَلقِ الممكنات هو المعرفة التامّة، وحيث أنّ أكملَ المخلوقات وأكرم هذه الممكنات ـ هو الإنسان ـ محتاج لتلك المعرفة ومفتقر إليها; بل قاصر عن الوصول إليها إذاً لابدّ من وجود واسطة بين الإنسان المحتاج وخالقه الغنيّ المطلق سبحانه وتعالى عمّا يصف الجاهلون; ويجب أن تكون تلك الواسطة من نوعه ـ أعني من الناس أنفسهم ـ كما قال تعالى: «هوَ الذي بَعثَ في الأُميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة» ، وذلك لكي تتجلّى من خلالها الكمالات الإلهيّة; وليحصل الغرض من الخلق، كما يجب أن تكون تلك الواسطة غير قابلة للخطأ في تجسيّد هذه الكمالات التي تتلائم مع تكوين الإنسان و قابليته، كلّ بحسب إِستعدادهِ ومدى قبوله لها، وهذا ما لا يمكن تحقّقه إلاّ من خلال المعصوم، ولا زم ذلك ضرورة وجوده في كلّ عصر وزمان، وإلاّ لزم نقض الغرض من الخِلقة.وقد ثبت هذا المقام وتلك الفضيلة لأهل بيت العصمة(عليهم السلام)بصريح القرآن الكريم بقوله تعالى: (إني جاعلُ في الأرض خليفةً) .وفي المرويّات عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) نجد أنّ هذا المعنى قد تجسّد في كلماتهم الشريفة، وأنّهم (صلوات الله وسلامه عليهم) إنّما خُلقوا لأجل الخَلق، فأصبحوا (سلامه الله عليهم) العلّة الغائيّة لخلق الموجودات ـ الممكنة ـ والمنتجين لذلك دون سواهم; لأنّهم القدوة الكماليّة التي تجسّدت فيها الكمالات الربانيّة; والتي تساعد بني آدم على الوصول إلى المعرفة الحقّة عن طريق إِتّباعهم والإِقتداء بهم (عليهم السلام)، بل لولاهم لما خلَق الخالق الحقّ (جلّت عَظمته) الخلْق.ويدلّ على ذلك ما رواه المحدّث السيّد هاشم البحرانيّ بسنده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما خاطب خليفته من بعده أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قائلاً: «يا عليّ لولا نحن ماخلق الله آدم وحوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض» .وقد صرّح علماؤنا الأعلام أنّ الروايات في هذا المقام مستفيضة في الدلالة على هذا الأمر.قال العلاّمة المجلسي(قدس سره):«ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسّل إليهم، يظهر العلوم والمعارف على الخلق» .وهكذا يثبت أنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (علهيم السلام) بمن فيهم الصدّيقة الطاهرة سيّد نساء العالمين الزهراء (سلام الله عليها) هم العلّة الغائيّة للوجود، كما أنّ مولانا صاحب الأمر الإمام الحجّة بن الحسن العسكري (عليه السلام) في آخر الزمان كذلك، لِمَا خرج عنه (عليه السلام) في إحدى توقيعاته الشريفة بواسطة أحد نوّابه ـ محمّد بن عثمان العمريّ ـ في الغيبة الصغرى.«وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء» .كيف لا يكون ذلك، وهم نور الأرض، بل نور الربّ المتعال عزّ اسمه المتجلّي في عالم الإمكان; والذي خصّه تعالى ذكره بالذكر الكريم: «وأشرقتِ الأرضُ بِنُوِ ربّها» .
* خاتمةٌ وتنبيه هام:وبهذا يتّضح بطلان استدلال القائل بأنّ الاستدلال بالحديث الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوّل ما خلق الله نوري» وأيضاً: «أوّل ما خُلِقَ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)... الحديث» على أنّ النبيّ والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) خلقوا قبل الخَلق باطل وغلوّ فيهم (عليهم السلام).واليك نص ما قاله:وأمّا قولهم «فأوّل ما خُلق محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ علي (عليه السلام)» حسب التسلسل المذكور، (يعني تسلسل الأئمّة في الحديث)، ففساده أوضح من الشمس، وأبين من الأمس.وبتعبير آخر قال: إنّه من المعتقدات الباطلة.أقول: إنّ فساد دليله أوضح من الشمس، وهو الذي أبين من الأمس، بل تخلّفه عن حجّتهم (عليهم السلام) كذلك.وكلّ مَنْ يكون كذلك لايُفلح في الآخرة، لأنّه سوف يُحرم من شفاعتهم.
إصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الإسلامية / النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha