حســـين الصـــدر
في كل مقطع زمنيّ ، ثمة من يقتحم قلوب الحكّام ليستقر فيها ، وليكون صاحب الحظوة الذي لا يُضاهي ولا يُضارع منزلةٌ ومكانةً، عند رأس الهرم حتى ليمكن ان يوصف بانه ( الملك غير المتوّج ) !!أن وراء ذلك ،أسراراً قد لا تكون بالضرورة معروفة بالكامل .ولا شك ان اولئك الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف لهم قدراتهم الخاصة في حفر مواقعهم المتميزة بما يملكون من براعات ولياقات فائقه ،ومهارات نادرة ، تجعلهم يستشفون ما تنطوي عليه نفوس الرؤساء فيقرؤونها بدقة ويتناغمون معها ، بشكل يضفي على أسيادهم ألوانا من الإمتاع والأرتياح مثال من التاريخ :كان الرشيد - على ما جاء في بعض كتب التاريخ والأدب - :يحلف بالله ان جعفر بن يحيى البرمكي أفصحُ من قُس بن ساعدة ،وأشجعُ من عامر بن الطفيل ،وأكتبُ من عبد الحميد بن يحيى ،وأحسنُ من مصعب بن الزبير ،وأسمح من عبد الله بن جعفر ، وأعفّ من يوسف بن يعقوب ،وأنصح له من الحجاج لعبد الملك هذا وجعفر ليس بحسن الصورة ، وكان طويل الوجه جداً ..!!!والسؤال الآن : ما هو السحر الذي استطاع به جعفر ان يكون بهذه المثابه من نفس الرشيد؟انها ليست مواصفات جمالية يقيناً واين الجمال في ذلك الوجه الطويل ؟واذا كنا لا نعرف الكثير من التفاصيل فانّ من المؤكد ان يكون ( جعفر ) بهر الرشيد بمواصفات اخرى لابد ان يكون الادب والكياسة، و الدهاء في طليعتها ....انّ أفعل التفضيل له حضور مكثّف في مثل هذه المواطن ...!!!فمن يستحوذ على قلب الحاكم يكون الأفضل والاحسن والأسخى والأنقى والأفصح والأنصح ...الى آخر ما في هذه الصيغة من مفردات .هذه السمات والصفات المزعومة ليست بالضرورة مطابقة للواقع ، ولكنها مطابقةٌ لما يراه رأس الهرم السلطوي في صاحبه ، وكأنه بذلك يكشف عن أسباب تعلقه به وتقديمه على الآخرين ان هؤلاء المقربين من الحاكم قد يزيّنون له القبيح ، وقد يقّبحون له الحسن وهنا تكمن الطامّة والغريب ان بعض الرؤساء يكتشف حقيقة أحوال المقربيّن اليه ، وبعضهم فاسدون مفسدون ، ولكنه يبقيهم الى جانبه بالرغم من انهم سيئون مسيئون ان بعضهم استطاع ان يسهم في تنمية ثروات سيده ، فكان ذلك سبباً للابقاء عليه ،لان بقاءه الى جانب سيده يعني المزيد من الأرباح والمكاسب الماديّة للسيد !!وهنا يبرز العنصر الخطير ان المكاسب المادية التي يسوقها للحاكم هذا المقرّب او ذاك ،من خلال الاحتيال على القانون والضوابط ، انما هي في جوهرها خيانة وطنية تستوجب الإبعاد لا التقريب .ثم انّ أهم المكاسب التي يجب ان لا يغفل عنها الحكّام هي المكاسب السياسية، ومقدار رصيدهم الشعبي شعبياً ،وكيف ينمو هذا الرصيد مع تضخم المكاسب المادية وانحسار احساس المواطنين بالأستجابة لمطالبهم وحاجاتهم الآنيه ؟ان وراء الكثير من الاخفاقات الحاليّه ، رجالاً ألصقوا أنفسهم بأصحاب القرار وهم لا يوصلون لهم الحقائق ، ولا يوقفونهم على ما يمور به الشارع من مطالب وأحاسيس أيها المسؤولون :اسألوا انفسكم هل انتم محاطون بالملائكة أم أنَّ معكم بعض الشياطين ؟أبعدوا الشياطين عنكم وانفتحوا على المواطنين ، وافتحوا لهم قلوبكم وأسماعكم وأبوابكم .اخرجوا الى الشوارع واحتكوا بالناس ....اذهبوا الى المستشفيات وعودوا المرضى والجرحى ودققوا في أحوالهم وأوضاعهم .لتكن لكم جولاتكم في الأسواق العامة لتروا بأعينكم معاناة الباعة ، تجاراً وكسبة ، ومعاناة المشترين .اذهبوا الى المحافظات واجتمعوا بمختلف الشرائح الاجتماعية ، لتفهموا حقائق البلاد والعباد .ان من الخطأ القاتل التعويل على كلمات شرذمة قليلة ممن يحسن الملق واصطناع التقرّب إليكم ، والاكتفاء بأقوالهم ،عن أقوال المواطنين ان الافاق الاجتماعية أرحب بكثير من ان تختزل ببطانه سوء تحيط بكم احاطة السوار بالمعصم انتهزوا الفرص قبل فوات الأوان ان ما يجري في الساحة العربية اليوم من حراك جماهيري ، أدخل المنطقة كلها في عصر جديد ان مثَلَ الحكّام مع السلطة مَثلُ عامة الناس مع الموت ، يرونهم واقعاً بحق الغير ، ومستبعداً بحق أنفسهم ..!!وهذا هو الخطأ بعينه وتذكروا ان الفلاسفة يقولون :حُكْمُ الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه ( عيون الأخبار ) قصة ، لا يخلو التذكير بها من فائدة قال :(قام اعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك قال له :اني مكلمك بكلام فيه بعض الغلظة ، فاحتمله انْ كرهتَه ، فان وراءه ما تحبّ ، قال :قل ، قال :اني سأطلق لساني بما خرست عنه الألسن من عظتك تأديةً لحّق الله .انك قد تكنّفك رجال أساؤوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياهم بدينهم فهم حرب الاخرة ؟سلمُ الدنيا ، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه ، فانهم لم يألوا الأمانة تضييعاً ، والأمة خسفاً ،وأنت مسؤول عمما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترحتَ ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك .فانّ أعظم الناس غبناً من باع آخرته بدينا غيره قال :فقال سليمان :أما انت يا اعرابي فانك قد سللتَ علينا عاجلاً لسانك ، وهو اقطع سيفيْك ، فقال :أجل ، لقد سللتهُ ،ولكن لك لا عليك )
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha