هشام حيدر
ازمات عالمية كبرى شكل اندلاعها علامة فارقة ونقلة نوعية في عالم مابعد الحرب العالمية الثانية من جهة, ومابعد انهيار الاتحاد السوفياتي من جهة اخرى, وكان لقرارات صادرة من مجلس الامن الدور الاكبر والاخطر لاشعال تلك الازمات,او لادارتها امريكيا وغربيا...وكانت روسيا والصين تكتفيان بموقف المتفرج على حالة التفرد والعملقة الامريكية دون ان يحركا أي ساكن !واذا كانت الصين تعتبر نفسها في منأى عن تلك المتغيرات العالمية كونها لاتعقد التحالفات الاستراتيجية خارجيا كما تفعل روسيا,فضلا عن اعتمادها على اقتصاد قوي يصح ان يقال عنه انه مختلط كما يصح وصفه بالمخطط , فان روسيا كانت تعاني في ظل الدولة السوفيتية العملاقة من مشاكل اقتصادية جمة كانت هي السبب الاول والاساس في انحلال الاتحاد السوفيتي .لكن الموقف الروسي المتردد الذي كان السمة الغالبة التي اتسمت بها الدبلوماسية الروسية في فترة الحرب البادرة ظلت ملازمة للتحرك الروسي من زمن الاتحاد السوفياتي الى زمن الاتحاد الروسي , رغم كل المواقف الامريكية المتطرفة في مجلس الامن لاسيما اذا كان الامر يخص اسرائيل ,وحتى لو كان الامر يتعلق بمجرد بيان ادانة !هذا الامر ادى الى اضعاف مواقف حلفاء روسيا من جهة , والى غطرسة امريكية متصاعدة من جهة ثانية , كما ادى الى ان تفقد روسيا مصداقيتها مع حلفائها حتى لم يبق معها منهم الا القليل , وحتى هذا القليل لم يعد مرتبطا بها كما في السابق ,من جهة ثالثة.خسر العرب رهانهم على روسيا في صراعهم مع الصهيونية , حيث كان الاتحاد السوفياتي في مقدمة الدول التي اعلنت اعترافها بدويلة اسرائيل. كما ان الموقف الروسي في كل الازمات او الحروب العربية - الاسرائيلية كان موقفا خجولا وضعيفا في الغالب في قبال المواقف الامريكية والبريطانية والفرنسية ,فضلا عن المواقف الاوربية بصورة عامة .وقد تشكل علاقة السوفيت بمصر في مرحلة ما استثناء معقولا على مايمكن ان نسميه بالقاعدة الروسية , ولكن لايمكن القاء اللوم على الرئيس المصري السادات في طعن الروس من الخلف في قضية طرد الخبراء السوفيت , اذ ان هذا الامر متوقع تماما من أي رئيس او سياسي يقدم على الموازنة بين العلاقة او التحالف مع الروس او الامريكان . لذا يمكن القول ان المواقف الروسية عموما كانت السبب الرئيس في ضعف الثقة بالروس والسرعة التي يمكن ان يتخلى بها حلفائهم عنهم !ادى تفكك الاتحاد السوفياتي الى تناثر الجمهوريات الخمسة عشر والى التحاق بعضها بالمعكسر الغربي ,عدو الامس, وبدلا من ان تكون حدود الجبهة الروسية على جدار برلين زحفت حتى صارت على مرمى حجر من حدود موسكو!تغيرت الخارطة الاوربية بعد حرب الكويت وتفكك الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا وبعض دول المعسكر الاشتراكي الاخرى ,وفقدت روسيا اسواقها كما فقدت معظم مموليها ولم يبق الى جانبها الى القلائل ممن يستحقون الشفقة ويستجدون الصدقة مثل كوبا وكوريا الشمالية والعراق المحاصر!المنطقة العربية, التي تقرر ان تشهد مراحل تغيير بالجملة, اما بموت عدد من الزعماء في فترات متقاربة , او بقيام (ثورات) متزامنة قد تمتد لتشمل الجميع باستثناء الممالك التي قدر لها من اول الامر ان تكون خارج كل عمليات التغيير ايا كان شكل هذا التغيير او طريقته !حتى حين اراد بعض (الحركيين)ا ن ينضموا (جمعات غضب) خاصة بهم من على (الفيسبوك) في ممالك مثل الاردن والمغرب , تم (احتواء)تحركاتهم بسرعة فائقة كما تم تخديرهم بمساعدات غربية واعلان (خليجي) بالتخطيط لضمهم الى دول مجلس التعاون (الخليجي)!!اما في البحرين,فقد ادار الاسطول الامريكي ظهره وابتعد عن سواحل البحرين حتى لاتؤذي صرخات البحارنة تحت سياط الجلاد الخليفي ضمائر بعض من كان لديهم بقايا ضمير في ذلك الاسطول !صدمت تلك التغييرات العربية روسيا,كما صدمت الصين, فاي فيسبوك هذا الذي اخذ يقلب الانظمة الواحدة تلو الاخر وقد فشلت ثورات وانتفاضات مسلحة في خدش وجوه تلك الانظمة من قبل,وسحقت تلك التحركات بكل قسوة ووحشية دون ان يهتز جفن مسؤول غربي او حتى امين عام الامم المتحدة, ولم يكد الدب الروسي والمارد الصيني يصحوان من سباتهما الا وليبيا تحت الهيمنة الامريكية ثم الاطلسية بعد تبادل الادوار والمنافع, ثم هاهو البساط يسحب من تحت اقدام اخر الحلفاء واقدمهم في المنطقة,وهو النظام في سوريا !سوريا تعني لبنان,كما تعني ايران, كما تعني العراق,...... بل انها تعني نهاية اللعبة في المنطقة وبداية لعبة جديدة لن تكون روسيا قادرة على الوقوف بوجههالاسيما مع قرب نضوج (الطبخة) الامريكية في العراق, اما الصين فقد وجدت ان الماء كان يجري تحت قدميها وهي مشغولة بالدلاي لاما واقليم التبت الامر الذي يعني ان الفيسبوك الامريكي بات قريبا من لف حباله حول عنق المارد المتفرج !لقد كان الفيتو الروسي ثم الصيني مفاجئا وخارقا للعادة والعرف لكلا الدولتين في قبال ادمان امريكي عليه , الامر الذي ادى الى (غضب)امريكي واوربي في ذات الوقت .ولكني اعتقد جازما ان استخدام هذا الفيتو جاء متاخرا , وان الانتشار الامريكي في افغانستان والعراق والخليج خصوصا ,ومختلف مناطق العالم عموما,فضلا عن مخلفات الازمة المالية العالمية واثرها على منطقة اليورو ومايشكله خطر افلاس اليونان على تلك المنطقة, ناهيك عن الهمينة الامريكية شبه المطلقة على معظم المؤسسات الدولية بل وعلى معظم حكومات العالم, اعتقد ان كل هذا, افقد الفيتو ذاته الكثير من فعاليته , لاسيما اذا تذكرنا ان امريكا سبق لها ان تجاهلت مجلس الامن في حربها على نظام صدام في 2003 , او انها اجبرت المجلس على اصدار قرار بخصوص الصومال بعد حرب تحرير الكويت يوم ارادت الولايات المتحدة الاسراع في جني ثمار (نصر عاصفة الصحراء)!الى جانب كل هذا كان الموقف التركي , بل الحالة التركية بصورة عامة,والتي تحتاج ال مقال مستقل يسلط الضوء عليها, اقول كان الموقف التركي مفاجئا للكثيرين, وان خطره على روسيا كبير لاسيما وان تركيا دولة حدودية مع روسيا,كما هي مع سوريا, التي تهددها بالعقوبات تارة,وبتحريك العسكر التركي تارة اخرى!لذا فان التغيير السوري واقع لامحالة كما اعتقد , اما مفعول الفيتو الروسي - الصيني فانه سيتمثل باطالة عمر بشار الاسد حتى اشعار اخر ليس الا!لقد تاخرت الدولتان في استخدام هذا السلاح كثيرا, وعليهما الان ان يدفعا ثمن ذلك التاخير !
هشام حيدرالناصريةhttp://husham.maktoobblog.com/
https://telegram.me/buratha