حكمت مهدي جبار
.ما هي علاقة تدريس الفنون بالأخلاق؟ ماهي الغايات الآخلاقية لفن الرسم والنحت والخط والمسرح وغيرها؟ وبما ان الفنون الجميلة قيم جمالية فما تأثيرها على الاخلاق والقيم الخيرة للأنسان؟ لقد درس الكثير من الفلاسفة موضوعة الفن وعلاقته بالأخلاق.وابعاده التربوية لبناء الأنسان .في حين نبذ الكثير من الناس لاسيما بعض رجال الدين الفن ونظروا اليه نظرة الشك والريبة,بأعتباره شيئا فائضا زائدا ومضيعة للوقت فلا جدوى منه ولانفع .وفي الوقت الحاضر مازالت تلك النظرة الى الفنون نظرة شك وتردد.وعلى المستوى التربوي لم تلقى دروس التربية الفنية أي اهتمام ماعدا أستثناءات قليلة وفي مدارس قليلة قد تجد اهتمامات بسيطة من قبل المؤسسة التربوية سرعان ما تتلاشى.انطلاقا من كمالية ذلك الدرس وما رافق نظرة الناس للفنون .فالدرس لايرضي حاحات الانسان المادية ولايسد نقص محسوس معين.فهل فن الرسم يقي الانسان من قيظ الصيف او برد الشتاء.وهل فن النحت يؤمن وجبة طعام. وهل أشبعت المسرحية جائعا؟ بينما قال البعض ان للنشاطات الفنية منفعة تتمثل في أشباع الحاجات الروحية والمعنوية ورضاء للنفس .ولكن مع كل تلك الآراء المتصارعة ,فلم نجد مجتمع يخلو تماما من الظواهر الفنية.وأن تاريخ الفن انما هو تأريخ الأنسانية .ثم ان علاقة الفن بالتربية الأنسانية قد اتى ملازما للأنسان وهو طفلا .عندما وصفه البعض بأنه لايتعدى ان يكون (لعبا) وهم بذلك يصفون اهم ميزة انسانية وأهم وظيفة سايكولوجية واجتماعية والتي يتعلم بها الانسان اولى أسباب حياته.ووصف الفن باللعب لايقلل من أهميته بل يعظم منها .لقد حوربت الفنون أكثر ما حوربت باسم الدين والاخلاق.لاسيما من المتزمتين.الذين لم يتحسسوا جمال الحياة .وأعتبروا الابداعات الفنية مخالفة لأوامر الله وقوانين السماء.وان الفنان انما هو انسان يريد ان يضاهي الله في خلقه.ما عدا بعض الممارسات في الموعظة والحكمة من فعاليات فنية ينظر اليها رجل الدين بحذر وشك وريبة.صحيح ان الفنان ليس واعظا .ولاخطيبا في جامع ولاكنيسة.ولكنه عندما يقدم لوحة فنية تتضمن دعوة للألتزام بقيم الحق والخير.أو يعرض مسرحية يدعوا فيها الناس الى التسامح والحب.فأنه قد يؤثر بالناس فيما يخص تعزيز الأخلاق أكثر مما يؤثر رجل الدين الذي يخفي في نفسه نوايا سيئة.في مجتمعاتنا الشرقية وتحديدا العربية والاسلامية .ولدت الفنون ملتزمة باعراف المجتمع وقيم الدين الحنيف. فكان الفن العربي الاسلامي وما زال نشاطا اخلاقيا .اعتمادا على ايمان الفنان المسلم بخدمة الفن للأنسان .وأن غاية الأخلاق انما هي تحقيق السعادة والتحرر من الكبت من شهوات النفس الحيوانية,واحترام الانسان والانسانية.وطالما ان الاخلاق غايتها صناعة السعادة للأنسان فأن الفنون هي الأخرى التي تصنع السعادة .وهكذا فأن الفنون لاتتعارض مع الأخلاق طالما كانت تخدم الانسان من أجل وجوده وسعادته.ونحن ان اردنا الغوص في تاريخ البشرية نجد ان الفنون ولدت مع ولادة الاديان وولدت معها بين جدران المعابد.وارتبطت بالاخلاق منذ اقدم العصور.فكم من شعائر دينية تجسدت فيها اروع الممارسات الفنية.وكم من طقوس الهبت المشاعر وقربت الأيمان بالله .الم يكن رقص الدراويش شحذا للطاقة الأيمانية؟ وصوت قاريء القرآن يخشع القلوب؟ وكم من اناس عرفوا الدين من خلال الافلام السينمائية اكثر مما عرفوه من محاضرات في المساجد والجوامع؟ان الفن الملتزم بالأخلاق يلعب دورا اكبر واهم من اصحاب الخطب والمواعظ.لاسيما اذا كان فنا نقيا صافيا خاليا من المطامع والغايات المادية.وأن الفنان الحقيقي الصادق يستمد ما يدور حوله من وقائع ومن احداث التاريخ ويجسدها على شكل عمل فني يساعد على اعادة صناعة الانسان وقيمه الاخلاقية عن طريق وسائل جمالية .ان المؤسسة التربوية معنية أكثر من أي مؤسسة اخرى في المجتمع في اعادة انتاج فنوننا العربية الاسلامية.ولابد لنا من تأسيس قاعدة متينة رصينة من الفن الحي الملتزم .فن يحيي البطولات ويحيي القيم العربية الاصيلة.فن يحيي اخلاقنا الاسلامية .وذلك لايتم الا من خلال وضع برامج ومناهج واعداد دروس في الفن تشمل جميع المراحل الدراسية.وأن اخلاق ابناؤنا اليوم بحاجة الى ايجاد وسائل لمعرفة تشذيبها وصقلها , ليس فقط بالمواعظ والتعاليم والتهديد والترهيب والتخويف.انما بطرق انسانية اكثر اشراقا وتفتحا وحبا .
https://telegram.me/buratha