صبيح الناصري
ألازمة السياسية التي تعيشها البلاد وحالة القطيعة بين قائمتي العراقية وائتلاف دولة القانون هي في الواقع نتاج ذهنية سياسية لا تؤمن بقبول الاخر والاعتراف به شريكا أساسيا في العمل السياسي ويبدو ان الطرفين مرتاحان لهذه ألازمة ,حيث التركيبة السياسية لكلا الكتلتين اللتان تضمان قادة بحجم المالكي وعلاوي اللذان لايقتنعان بمناصب اقل من الزعامة ,حيث انهما يديران الازمة بطريقة تبقيهم في الاضواء ,حيث اننا نعلم ان المالكي لا يرغب بوجود علاوي الى جانبه منافسا له في صلاحياته وعلاوي لن يقبل بان يتحول الى زعيم شرفي لمجلس بروتوكولي وضع لاسكاته ,حيث يصر علاوي على ان يكون لمجلسه دور وصلاحيات لا تقل عن صلاحيات المالكي . هذه العقدة تتسبب في الواقع بانتاج ازمة سياسية معقدة وطويلة ولن تنتهي في الوقت القريب وربما تنتهي الدورة البرلمانية الحالية من دون ان نشهد حلا لها , اذ ان المالكي يجد نفسه حاليا في موقع قوي يسمح له بالمناورة وكسب الوقت وتلويح علاوي والبارزاني لاسقاط المالكي بعد سحب الثقة منه في البرلمان . المالكي متاكد من انها لن تتم ,حيث ان علاوي لن يجازف باغضاب حلفائه السنة من الهاشمي والمطلك بالإذعان الى شروط الأكراد لمنحه الموافقة على تولي منصب رئيس الوزراء مقابل التنازل عن كركوك والموافقة على الشروط الكردية الأخرى فيما يخص الموازنة وقانون النفط والغاز وهو موقف يعلم المالكي ان له أثمانا إقليمية أخرى ,حيث ان ايران ستنزل بأقصى قوتها الى الداخل العراقي لاضعاف علاوي واسقاطه باعتبار ان ايران لن تسمح لحليف السعودية بان يدير دفة الحكم في العراق كما حصل في لبنان عندما سقط الحريري بسرعة رغم الدعم المالي السعودي الضخم . وسواء أكان ائتلاف القانون او العراقية هو المتهم بإطالة أمد ألازمة فان الواقع يعكس غياب ثقافة تقديم التنازلات ومراعاة المصلحة الوطنية وعدم تقدير عواقب إطالة امد هذا الخلاف على حساب الواقع العراقي الداخلي والاقليمي وفسح المجال امام التدخلات الخارجية التي ستستغل هذه الازمة والاتصال بطرفي النزاع وحثهم على التشدد في مواقفهم من اجل ان يبقى العراق ضعيفا وخارج حسابات المنافسة التي يمكن ان تتوفر في حال استقرار البلاد سياسيا وامنيا . درس النخيب كان حاضرا عن قوة تدخل الإطراف الخارجية ومدى تاثيرها في استغلال التنازع السياسي الموجود حاليا في البلاد لادخالها في انفاق مظلمة من غياب الأمن والاستقرار والتعرض لأعمال وهجمات إرهابية دامية أخذت بالتزايد والصعود في الفترة الأخيرة وتزيد من فاتورة الدم العراقي المدفوعة منذ أكثر من ثمانية أعوام فشلت فيها الكتل السياسية في تجاوز عقد الخلافات ومربعات التسقيط والتخوين وفي الخروج بنقاط ايجابية كثيرة تسمح بظهور بلد مزدهر ومستقر , حيث ما تزال الخلافات والقطيعة متسيدة المشهد السياسي وأصبحت عملية تشكيل الحكومة أصعب فترة في تاريخ العراقيين الذين يصطدمون في كل أربعة أعوام مشاهد تصاعد ألازمات السياسية وتحول عملية تشكيل الحكومة الى سباق مارثون شاق وصعب ينتهي بتسويات اللحظة الأخيرة والي ترافقها في الغالب تنازلات لن تنفذ واجواء كراهية ومصافحات غير ودية سرعان ما ينتهي المشهد بخروج المتخاصمين من دون التوصل لأية اتفاقات بالرغم من تكرار الدعوات للحوار التي لا يؤمن بها هؤلاء المتخاصمون اصلا والباحثين عن مكاسب وأمجاد ومناصب ومنافع تجعلهم باقين في صدارة المهد وفي لب الاهتمام الدولي والإقليمي اما ثقافة التنازل والتفكير بمصلحة الوطن فهو شيء أخر ولم نجد بعد تلك الطبقة السياسية التي تؤثر مصلحة الوطن على مصلحتها الحزبية والشخصية كما فعلها غوردن براون الذي تنازل لديفيد كاميرون رغم حصوله على اغلبية المقاعد ,لكنه رفض الانانية والمصلحة الشخصية وفضل مصلحة بلده بريطانيا وكذلك فعلت رئيسة وزراء اسرائيل (تسني ليفني ) التي فازت في المركز الاول في الانتخابات الاخيرة لكن فوزها لم يكن يسمح لها بالانفراد بتشكيل الحكومة ولم تنجح في جمع المقاعد الكافية لتشكيل حكومة الاغلبية في البرلمان فتنازلت لصالح خصمها ناتانياهو الذي انتهز الفرصة وقدم التنازلات لليمين المتطرف الذي اوصله الى مقعد رئيس الوزراء رغم تضرره من هذا الوضع والاحتجاجات المتصاعدة في الداخل والخارج تجاه هذا الاختيار . ان سياسيينا لم يصلوا بعد الى هذا المستوى المرتفع من ثقافة التنازلات والتضحيات من اجل الوطن ,بل بالعكس نجدهم مصرين على مواقفهم المتصلبة والمتشددة تجاه الاخر ونبذه وتخوينه وربما شطبه من العمل السياسي دون تقدير عواقب هذا العمل وانعكاساته مستقبلا على أوضاع البلاد .
https://telegram.me/buratha