عادل الجبوري
اقدمت الحكومة العراقية قبل ايام قلائل على منع وفد من الكونجرس الاميركي مؤلف من ثلاثة اعضاء من دخول العراق بسبب لقائه في العاصمة الاردنية عمان برئيس ما يسمى بهيئة علماء المسلمين حارث الضاري.وفي الوقت الذي لاقت خطوة الحكومة قبولا وارتياحا في اوساط ومحافل سياسية وشعبية عديدة، اثيرت عدة تساؤلات عن سر ومغزى توقيت قيام واشنطن بفتح قنوات حوار مع الضاري المعروف بعلاقاته وارتباطاته وتحالفه مع تنظيم القاعدة والجماعات المتشددة التي تبنت منهج الارهاب في العراق، ونفذت مئات العمليات الارهابية التي اودت بحياة الكثير من العراقيين.ماذا تريد واشنطن بالتحديد من تحركات كهذه.. ؟هنا لابد من الاشارة الى ان لقاء وفد الكونجرس الاميركي بحارث الضاري جاء في وقت يحتدم فيه الجدل والسجال حول مصير القوات الاميركية بعد نهاية العام الجاري، اي بعد اقل من ثلاثة شهور، ومع ان مجمل المؤشرات تذهب الى ان واشنطن مصرة على ابقاء بضعة الاف من جنودها تحت عناوين ومسميات مختلفة، كالتدريب وحماية مقرات بعثاتها ودبلوماسييها في العراق، الا ان عدم تبلور موقف عراقي واضح ومحدد ومطمئن، يجعل الادارة الاميركية تتحرك بأتجاهات متعددة لخلط الاوراق ولزيادة الضغط على العراقيين ليقبلوا بالخيارات المطروحة والا فأن خيار العودة الى العنف الدموي الذي ساد المشهد العراقي خلال عامي 2005 و 2006 قابل للبحث والنقاش وغير مستبعد، وادواته متوافرة وتفعيلها ممكن ومتاح في اي وقت.ويشير عضو مجلس النواب العراقي عن التحالف الوطني صادق اللبان الى "ان زيارة وفد الكونجرس للضاري لاتمثل اي اعتبار لنا، وان الاخير ورقة انتهت واحترقت منذ زمن، وهذه الزيارة محاولة يائسة لاستفزاز الحكومة، والمعروف عن الضاري انه شخصية انتهازية، فبعد ان سقطت الانظمة التي كانت تدعمه في مصر وليبيا، وجدت واشنطن انه من الضروري استغلاله واستخدامه كورقة ضغط على السياسيين في العراق".اما عضو مجلس النواب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان فيقول "ان الولايات المتحدة الاميركية تبحث دائما عن مصالحها في المنطقة، ولايوجد لديها خطوط حمراء على ذلك، وان الادارة والكونجرس عقدا في اوقات سابقة لقاءات عديدة مع فصائل ارهابية وحتى قيادات في حزب البعث المنحل، وبالتالي فأن لقائهم بالضاري امر طبيعي ولا جديد فيه".ولم يذهب النائب عن القائمة العراقية حميد الزوبعي بعيدا حينما يقول "ان نهج الادارة الامريكية ودول المنطقة واضح ومنذ امد بعيد، وجميع تلك الدول تستغل المشهد السياسي العراقي المتلبد بالخلافات لتنفيذ غاياتها واهدافها المنشودة دون الاكتراث للعراقيين ومصالحهم".وعلى مدى الشهور الثلاثة او الاربعة الماضية لم تتوقف واشنطن عن اطلاق الرسائل عبر شتى القنوات الى الساسة العراقيين، لحثهم واقناعهم على القبول والاذعان لمطاليبها، وكان نائب رئيس الاميركي جوزيف بايدن -ومازال-يمارس اقصى درجات الضغط للحصول على موقف نهائي من بغداد، واخر خطوة في هذا السياق مباحثاته الهاتفية مع كبار الساسة وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي قبيل انعقاد اجتماع قادة وممثلي الكتل السياسية في منزل الطالباني مساء الثلاثاء الماضي، والذي لم ينتهي-كما كان متوقعا-الى اية نتائج ايجابية، لاسيما بالنسبة لواشنطن، اذ انه بحسب مصادر مطلعة كان الموضوع الرئيسي على جدول الاعمال هو وضع القوات الاميركية بعد الحادي والثلاثين من كانون الاول-ديسمبر المقبل، واقر المجتمعون الابقاء على عدد محدد بصفة مدربين من دون منحهم اية حصانة.ولاتبدو القراءات التحليلية التي تذهب الى ان تصعيد وتيرة الارهاب والعنف في مدن عراقية مختلفة خلال البضعة اسابيع الماضية، وخصوصا المدن ذات الاغلبية السنية التي كانت الى اعوام قليلة قواعد ومنطلقات واوكار لتنظيم القاعدة، لاتبتعد عن الاجندات الاميركية لفرض الامر الواقع، وسواء كانت تلك القراءات مستندة على ارقام ومعطيات مؤكدة ومحددة او انها تتحرك في اطار الاستنتاجات والفرضيات، فهي الاقرب الى الواقع.فتصاعد وتصعيد العنف والارهاب بطريقة تشبه في الكثير من جوانبها ما حصل عامي 2005 و 2006، لايرتبط بالتجاذبات والاحتقانات السياسية وتدني الواقع الخدمي في البلاد، فهذه موجودة وقائمة على طول الخط، لذلك فأنه لابد ان تكون هناك عوامل ومؤثرات خارجية، وبما ان الاطراف العربية التي كانت تدعم وتساند الجماعات الارهابية في العراق بصورة مباشرة او غير مباشرة، لم تعد تتمتع بأوضاع طبيعية تتيح لها مواصلة ذات النهج، وتحديدا بعد سقوط بعض الانظمة بفعل الانتفاضات والثورات الشعبية العارمة.وما تجدر الاشارة اليه هو ان واشنطن بادرت الى فتح قنوات اتصال وحوار مع قيادييين في تنظيم القاعدة بأفغانستان قبل فترة، كما حصل مع الضاري، وهذا ربما يعكس توجه الى اجراء تعديلات وتغييرات على بعض الجوانب التكتيكية والاستراتيجية الاميركية في تعاطيها مع الوقائع والاحداث في هذا البلد او ذاك، وخصوصا العراق وافغانستان وباكستان، والامر في الاطار العام لايقتصر على البقاء الاميركي في العراق، بل انه يرتبط بمجمل التفاعلات التي تشهدها المنطقة من باكستان مرورا بتركيا وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان واليمن والخليج وانتهاء بسواحل شمال افريقيا المطلة على المحيط الاطلسي من جهة غرب الوطن العربي.ولكن في كل الاحول يبقى العراق نقطة ارتكاز هامة ومحورية بالنسبة لواشنطن لاعتبارات وحسابات عديدة، وهذا يعني ان مشهده العام مرشح ومهيأ لحراك ساخن وتفاعلات حادة وازمات خطيرة، عدد غير قليل من خيوطها بيد واشنطن، مادام الساسة العراقيون يتحركون بأتجاهات متقاطعة ويتبنون اجندات ان لم تكن غامضة فأنها مرتبكة ومشتتة وعائمة.ومن الخطأ استبعاد احتمال او خيار اعادة تأهيل تنظيم القاعدة في العراق من قبل واشنطن، لانه ومثلما قال عثمان لاخطوط حمراء لديها. ويمكن لنا ان نتصور كيف ستسير الامور حينما تستعيد القاعدة كل ما فقدته واكثر.
https://telegram.me/buratha