المقالات

هل نحن بحاجة الى طنطل...؟


مقال للكاتب والإعلامي قاسم العجرش

أنا من جيل خوفوه من كل شيء، ولقد كانت حياتنا مستقيمة جدا بالخوف من أشياء كثيرة، من "الطناطل" و"الكَرطة" والغرباء والأجانب.. خوفونا من أحلامنا وأمنياتنا.. خوفونا من كائنات سرية أسموها "الطناطل" التي قالوا لنا أنها منتشرة في كل مكان خارج قريتنا الجنوبية.. فكل مكان خارج القرية كان يحكمه طنطل له اسم معلوم.. كانت أسماء غريبة لا أعرف لغاية اليوم معناها، حتروش وكاووش، كانا طنطلين قرب مضخة الماء (الرستن إج آر) التي كانت ملكا للشيخ!!..وفرقص وماهوش كانا طنطلين في "ذنايب" نهر السركال عمران..وفي غرب القرية طناطل أخرى لأناس من الرجال والنساء ماتوا قتلى في حوادث.. وكنا نسمع قصصا تجعلنا نموت في جلدنا.. وخوفونا من أي غريب يدخل القرية حتى إذا كان عابر سبيل.. كانوا يقولون إن الغرباء عيون تريد أن تخترق العشيرة وتكشف أسرارها...ولم أكتشف ماهي أسرار العشيرة التي كان "الكبار" يحرصون عليها، إلا بعد أن صار عمري ستين عاما، فقد عرفت أن سر وجود العشيرة وقوتها في إجتماعها كل ليلة في مضيف الشيخ على قهوة مازالت رائحتها في أنفي نافذة!!..وكانوا أيضا يقولون لنا أن الغرباء لصوص يسرقون الأطفال..ومنذ كنت صغيرا عرفت معنى محددا للأجنبي، فزوج عمتي كان أجنبيا، لأنه فقط من عشيرة أخرى تبعد مساكنها عن مساكن عشيرتنا كيلو متر واحد فقط!! وخوفونا من حيوانات خرافية تهاجم "الأطفال اللي مو مؤدبين" والذين لا يسمعون كلام الكبار.. كان إسم هذه الحيوان "الكَرطة"..وهكذا تعلمنا أن نسمع الكلام حتى إذا كان كلاما فارغا.. تعلمنا أن نسمع فقط حتى لا تهاجمنا المخلوقات الخرافية.. وتعلمنا ألا نشكو من يضربنا لأنه دائماً أكبر منا ومن العيب أن نشكو الأكبر منا.. وحتى عندما كبرنا وأنتقلنا الى المدينة كنا نقبل أن يضربنا المدرس حتى يدمينا!.. مرة ضربني المدرس بلا وجه حق، وأخبرت عمي الذي كان كبير أسرتنا بالأمر شاكيا، فما كان منه إلا أن أخذني مقتادا من يدي إلى المدرسة وأكمل ضربي أمام المدرس وهو يقول له: "انت يا أستاذ لك اللحم ولي العظم، خذه أنت تجرح وأنا أداوي.. وحتى العظم انت تكسره وأنا أجبره"...أنا من جيل أولئك الذين حفظوا عن ظهر قلب المثلين العاميين الشهيرين: "أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة".."واللي ماله كبير يشتري له كبير".. وعندما أصبحنا كبارا مازلنا نبحث عن كبير لنشتريه، ومازلنا نبحث عن الأكبر منا بيوم الذي يعرف أكثر منا بسنة.. وعندما كبرنا مازلنا مصممين على اللف في الأسواق لنشتري لنا كبيرا.. كلام قبل السلام: هل نشتري "طنطلا" كبيرا نخاف منه حتى تستقيم حياتنا؟!!سلام.....

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك